مشروعية التوسل والوسيلة عند أهل السنة والجماعة | الشيخ طارق المحمد


نشرت: يوم الأَربعاء،11-أغسطس-2021

مشروعية التوسل والوسيلة عند أهل السنة والجماعة

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيُّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ

يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ أَتَيْنَاكَ وَمَا لَنَا بَعِيرٌ يَئِطُّ وَلَا صَبِيُّ يَصْطَبِحُ وَأَنْشَدَهُ:

أَتَيْنَاكَ وَالْعَذْرَاءُ تَدْمَى لِبَانُهَا *** وَقَدْ شُغِلَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ عَنِ الطِّفْلِ
وَأَلْقَى بِكَفَّيْهِ الشُّجَاعُ اسْتِكانَةً *** مِنَ الْجُوعِ ضَعْفًا مَا يَمُرُّ وَمَا يُحَلِي
وَلَا شَيْءَ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ عِنْدَنَا *** سِوَى الْحَنْظَلِ الْعَامِيِّ وَالْعِلْهِزِ الْفَشْلِ
وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا إِلَيْكَ فِرَارُنَا *** وَأَيْنَ فِرَارُ النَّاسِ إِلَّا إِلَى الرُّسْلِ

فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: «اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيًّا مَرِيعًا غَدَقًا طَبَقًا عَاجِلًا غَيْرَ رَايِثٍ نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ تَمْلَأُ بِهِ الضَّرْعَ وَتُنْبِتُ بِهِ الزَّرْعَ وَتُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا» فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ يَدَيْهِ إِلَى نَحْرِهِ حَتَّى أَلْقَتِ السَّمَاءُ بَأَوْرَاقِهَا وَجَاءَ أَهْلُ الْبِطَاحِ يَعُجُّونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْغَرَقَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا» فَانْجَابَ السَّحَابُ عَنِ السَّمَاءِ حَتَّى أَحْدَقَ بِالْمَدِينَةِ كَالْإِكْلِيلِ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَالَ: «لِلَّهِ أَبُو طَالِبٍ لَوْ كَانَ حَيًّا قَرَّتْ عَيْنَاهُ، مَنْ يُنْشِدُنَا قَوْلَهُ؟» فَقَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّكَ أَرَدْتَ قَوْلَهُ:

وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ *** ثِمَالِ الْيَتَامَى عِصْمَةٍ لِلْأَرَامِلِ
يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ *** فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ يُبْزَى مُحَمَّدٌ *** وَلَمَّا نُقَاتِلْ دُونَهُ وَنُنَاضِلِ
وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ *** وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَجَلْ».(كتاب الدعاء للطبراني ١| ٥٩٧)

 

ليس غريباً أن يفزع الناس إلى رسول الله ﷺ فيتوسّلوا به ﷺ أو بغيره من الصالحين إلى الله تعالى فيما يصيبهم أو يقع عليهم من الملمّات والخطوب، أو يفْجؤهم من الكوارث والكروب، كيف لا وقد شرع الله لنا ذلك في كتابه، وسن لنا الرسول ﷺ هذا في طريقته وحديثه، فهذا بيان الله في كتابه يقول:

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبۡتَغُوٓاْ إِلَيۡهِ ٱلۡوَسِيلَةَ. (المائدة: الآية٣٥)

ويقول سبحانه

أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥ. . (الاسراء: الآية٥٧)

 

وقد رأينا هذا الأعرابي كيف جاء إلى المدينة المنورة وتوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقال هذا أنه خاصٌ في حياته بل سنذكر لك أدلة واضحة تدل على جواز ذلك في حياته وبعد انتقاله للرفيق الأعلى ولا تنس أن الأنبياء أحياء في قبورهم وهم أعلى مقاماً من الشهداء الذين قال الله فيهم بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ. والوسيلة: ما يتقرب به إلى الغير.

أما معنى الوسيلة فهي: كما في تفسير القرطبي (٦/ ١٥٩): الْوَسِيلَةُ هِيَ الْقُرْبَةُ، وقال سيِّدنا عمر في الاستسقاء عن العبَّاس:" هذا والله الوسيلة إلى الله عز وجل والمكان منه " كما في الاستيعاب لابن عبد البر (٢/ ٨١٥).

وقبل أن نذكر بعض الأدلة الصريحة في التوسل ومشروعيته لا بد أن نفهم قضيةً هامة نزيل فيها اللبْس عن المتسرّعين الذين يمنعون ما شرع الله ورسوله، أو يفهمون خطأً حال المتوسّلين فيصفونهم بما لا يليق من الأوصاف البعيدة التي لا يرضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي شرع التوسل والوسيلة في الدعاء وعلّمه لأصحابه وأمته فما هو مفهوم التوسل والوسيلة مختصراً عند أهل السنة والجماعة؟

مفهوم التَّوسُّل والوسيلة:

يقول الإمام المُحدِّث محمَّد بن علوي المالكي رحمه الله تعالى: يخطئ كثير من النَّاس في فهم حقيقة التَّوسُّل، ولذا فإنَّنا سنبيِّن مفهوم التَّوسُّل الصَّحيح في نظرنا وقبل ذلك لابدَّ أن نبيِّن هذه الحقائق:

أوَّلاً: إنَّ التَّوسُّل هو أحد طرق الدُّعاء وباب من أبواب التَّوجه إلى الله سبحانه وتعالى، فالمقصود الأصلي الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى، والمتوسَّل به إنِّما هو واسطة ووسيلة للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى ومن اعتقد غير ذلك فقد أشرك.

ثانيـاً: إنَّ المتوسِّل ما توسَّل بهذه الواسطة إلا لمحبَّته لها واعتقاده أنَّ الله سبحانه وتعالى يحبُّها، ولو ظهر خلاف ذلك لكان أبعد النَّاس عنها وأشدَّ النَّاس كراهة لها.

ثالـثاً: إنَّ المتوسِّل لو اعتقد أنَّ من توسَّل به إلى الله ينفع ويضر بنفسه مثل الله أو دونه فقد أشرك.

رابعـاً: إنَّ التَّوسُّل ليس أمراً لازماً أو ضرورياً وليست الإجابة متوقِّفة عليه بل الأصل دعاء الله تعالى مطلقاً، كما قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ}. وكما قال تعالى: قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَٰنَۖ أَيّٗا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ.(مفاهيم يجب أن تصحَّح ص ١١٨=١١٩)

إذا عرفنا هذه الحقائق الأربعة المهمة زال أكثر اللبس عند من يتسرّعون في منع التوسل والوسيلة، وإلا فلماذا يعلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمته الدعاء بطريقة التوسل! كما سنرى خلال سوْقنا للأدلة الواضحة إن شاء الله.

التَّوسُّل بالنبي ﷺ في القرآن الكريم: قال الله تعالى: وَلَمَّا جَآءَهُمۡ كِتَٰبٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت يهود بني قريظة والنَّضير من قبل أن يبعث سيِّدنا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم يستفتحون الله يدعون على الذين كفروا يقولون: اللهمَّ إنا نستنصرك بحقِّ النبيِّ الأميِّ إلَّا نصرتنا، فينتصرون فلمَّا جاءهم ما عرفوا يريد محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم، ولم يشكُّوا فيه كفروا به. اذهبوا فأنتم الطلقاء.(الدر المنثور في التفسير بالمأثور ١/ ٢١٦)

التَّوسُّل بالنَّبيِّ ﷺ قبل وجوده:

عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

لَمَّا اقْتَرَفَ آدَمُ الْخَطِيئَةَ قَالَ: يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ لَمَا غَفَرْتَ لِي، فَقَالَ اللَّهُ: يَا آدَمُ، وَكَيْفَ عَرَفْتَ مُحَمَّدَاً وَلَمْ أَخْلُقْهُ؟ قَالَ: يَا رَبِّ، لِأَنَّكَ لَمَّا خَلَقْتَنِي بِيَدِكَ وَنَفَخْتَ فِيَّ مِنْ رُوحِكَ رَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ عَلَىَ قَوَائِمِ الْعَرْشِ مَكْتُوبَاً لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَعَلِمْتُ أَنَّكَ لَمْ تُضِفْ إِلَى اسْمِكَ إِلَّا أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ، فَقَالَ اللَّهُ: صَدَقْتَ يَا آدَمُ، إِنَّهُ لَأُحِبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ ادْعُنِي بِحَقِّهِ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ وَلَوْلَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُكَ. (رواه الحاكم في المستدرك )

عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ وجاءه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره ، فقال : يا رسول الله ! ليس لي قائد وقد شق عليَّ ، فقال رسول الله ﷺ :

ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قال اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد ﷺ نبي الرحمة يامحمد إني أتوجه بك إلى ربك فيجلي لي عن بصري ، اللهم شفعه فيَّ وشفعني في نفسي ، قال عثمان : فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضر. (قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه وفي بعض رواياته قال على شرط الشيخين وقال الذهبي عن الحديث : أنه صحيح (ج١ ص٥١٩)، وقال الترمذي في أبواب الدعوات آخر السنن : هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو غير الخطمي ، قال العلامة المحدث عبدالله محمد الصديق الغماري الغماري في رسالته ((اتحاف الأذكياء)) : وليس من المعقول أن يجمع الحفاظ على تصحيح حديث في سنده مجهول خصوصاً الذهبي والمنذري والحافظ ، وقال المنذري : ورواه أيضاً النسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه . (كذا في الترغيب كتاب النوافل باب الترغيب في صلاة الحاجة (ج١ ص٤٣٨) .)

التوسل بالنبي ﷺ بعد وفاته:

وليس هذا خاصاً بحياته ﷺ بل قد استعمل بعض الصحابة هذه الصيغة من التوسل بعد وفاته ﷺ فقد روى الطبراني هذا الحديث وذكر في أوله قصة وهي أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له، وكان عثمان رضي الله عنه لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقى الرجل عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل:

اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد ﷺ نبي الرحمة، يا محمد! إني أتوجه بك إلى ربك فيقضي حاجتي. وتذكر حاجتك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: ما حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة ثم قال: ما كانت لك حاجة فائتنا، ثم إن الرجل لما خرج من عنده لقى عثمان بن حنيف وقال له: جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليّ حتى كلمته فيَّ، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله ﷺ وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي ﷺ : أو تصبر؟ فقال: يارسول الله! ليس لي قائد، وقد شق عليَّ، فقال له النبي ﷺ : ((إئت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات، فقال عثمان ابن حنيف: فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط)). (أخرجه الطبراني في الكبير وصحَّحه، وأقره الهيثمي والمنذري) وقال المنذري: رواه الطبراني، وقال بعد ذكره: والحديث صحيح. (كذا في الترغيب، [ج١ ص٤٤٠ وكذا في مجمع الزوائد ج٢ ص٢٧٩])

التَّوسُّل به صلَّى الله عليه وسلَّم في قبره بعد وفاته:

  1. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

    حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُحَدِّثُونَ وَنُحَدِّثُ لَكُمْ، وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ، فَمَا رَأَيْتُ مِنَ خَيْرٍ حَمِدْتُ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنَ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ لَكُمْ. (رواه البزَّار، وقال العراقي: إسناده جيد، وقال السُّيوطي: سنده صحيح، كما نقل الغماري تصحيح عدد من الحفاظ منهم الإمام النووي وابن حجر والمناويً)

    واستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم فيه نفع واضح لمن يستغفر له وقد شهد القرآن بذلك وقصة العتبي مشهورة ذكرها المفسرون والمحدّثون قال الإمام النّوويّ رحمه الله تعالى في بيان آداب زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
    ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يَقُولُ مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا عَنْ الْعُتْبِيِّ مُسْتَحْسِنِينَ لَهُ قَالَ (كُنْت جَالِسًا عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْت اللَّهَ يَقُولُ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا. وَقَدْ جِئْتُك مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذَنْبِي مُسْتَشْفِعًا بِك إلَى رَبِّي ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

    يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنْت بِالْقَاعِ أَعْظَمُهُ *** فَطَابَ مِنْ طِيبِهِنَّ الْقَاعُ وَالْأَكَمُ
    نَفْسِي الْفِدَاءُ لِقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنُهُ *** فِيهِ الْعَفَافُ وَفِيهِ الْجُودُ وَالْكَرَمُ
    (المجموع شرح المهذب (٨/ ٢٧٤))

  2. قَدْ رَوَى هَذِهِ الْقِصَّةَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ فِهْرٍ فِي كِتَابِهِ " فَضَائِل مَالِكٍ " بِإِسْنَادٍ لاَ بَأْسَ بِهِ وَأَخْرَجَهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ شُيُوخٍ عِدَّةٍ مِنْ ثِقَاتِ مَشَايِخِهِ، قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ رِوَايَةُ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ جَاءَتْ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا مَطْعَنَ فِيهِ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الزَّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ وَرَوَاهَا ابْنُ فَهْدٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَيْسَ فِي إسْنَادِهَا وَضَّاعٌ وَلَا كَذَّابٌ عَلَى أَنَّهَا قَدْ عُضِّدَتْ بِجَرَيَانِ الْعَمَلِ وَبِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي جَوَازِ التَّوَسُّلِ الَّتِي يُعَضِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَبِظَاهِرِ اسْتِسْقَاءِ عُمَرَ بِالْعَبَّاسِ الْعَلَّامَةُ الزَّرْقَانِيُّ : أنوار البروق في أنواء الفروق للقرافي (ج٣ / ص٥٢).

  3. عن داود بن أبي صالح قال: أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر، فأخذ برقبته وقال: أتدري ما تصنع؟ قال: نعم، فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: جئت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولم آتِ الحجر؛ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

    لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله . (أخرجه الحاكم في المستدرك وصحَّحه، ووفاقه الحافظ الذَّهبي، وصحَّحه السُّيوطيً)

  4. عَنْ مَالِكِ الدَّارِـ وَكَانَ خَازِنَ عُمَرَ عَلَى الطَّعَامِ ، قَالَ: أَصَابَ النَّاسَ قَحْطٌ فِي زَمَنِ عُمَرَ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَسْقِ لِأُمَّتِكَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا، فَأَتَى الرَّجُلَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: " ائْتِ عُمَرَ فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ، وَأَخْبِرهُ أَنَّكُمْ مَسْقِيِّونَ وَقُلْ لَهُ: عَلَيْكَ الْكَيْسُ، عَلَيْكَ الْكَيْسُ "، فَأَتَى عُمَرَ فَأَخْبَرهُ فَبَكَى عُمَرُ ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ لَا آلُو إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. (رواه ابن أبي شيبة ٣٢٠٠٢، والبيهقي في «دلائل النبوة» (٧/٤٧)، وجوّد إسناده الحافظ ابن كثير في مسند الفاروق وقال: هذا اسناد جيد قوي (١/ ٢٢٣) وفي البداية والنهاية ط هجر قال وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ. (١٠/ ٧٤) وصححه الحافظ ابن حجر في الفتح).

التَّوسُّل بمجرد ذكر اسم النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

  1. عن قرّة بن قيس التَّميمي قال: فما نسيت من الأشياء لا أنسى قول زينب ابنة فاطمة حين مرَّت بأخيها الحسين صريعاً؛ وهي تقول: يا محمَّداهُ يا محمَّداهُ صلّى عليك ملائكة السَّماء؛ هذا الحسين بالعراء؛ مزمّل بالدّماء؛ مقطّع الأعضاء يا محمّداه. (رواه الطَّبري (٥/ ٤٥٦) وابن كثير في البداية النِّهاية ص٢٠٠ ج٧)
  2. ذكر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية، والطَّبري في تاريخه: أنَّ شعار المسلمين في موقعة اليمامة كان: يا محمَّداه.

التَّوسُّل بالنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يوم القيامة:

حديث الشَّفاعة وفيه: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتَّى يَبْلُغَ العَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ، ثُمَّ بِمُوسَى، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ الخَلْقِ. (رواه البخاري ١٤٧٤)

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وفيه أنَّ النَّاس يوم القيامة يستصحبون حالهم في الدُّنيا من التَّوسُّل إلى الله تعالى في حوائجهم بأنبيائهم. يقول الإمام السُّبكي في شفاء السِّقام: وفي التجاء النَّاس إلى الأنبياء في ذلك اليوم أدلُّ دليل على التَّوسُّل بهم في الدُّنيا والآخرة. (فتح الباري ١١|٥٤٦)

التَّوسُّل بالمؤمنين عامة:

  1. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :

    مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ، وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ مَمْشَايَ هَذَا، فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشَرَاً، وَلَا بَطَرَاً، وَلَا رِيَاءً، وَلَا سُمْعَةً، وَخَرَجْتُ اتِّقَاءَ، سُخْطِكَ، وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ، فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُعِيذَنِي مِنَ النَّارِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفِ مَلَكٍ . (رواه ابن ماجه وأحمد وابن خزيمة وصحَّحه، وحسَّنه الدُّمياطي، وأبو الحسن المقدسي، وحسَّنه الحافظ العراقي، والحافظ ابن حجر العسقلاني، والحافظ عبد الغني المقدسي)

  2. عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

    لَنْ تَخْلُوَ الْأَرْضُ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلاً مِثْلَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ، فَبِهِمْ تُسْقَوْنَ، وَبِهِمْ تُنْصَرُونَ، مَا مَاتَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ آخَرَ. (قال الهيثمي: رواه الطَّبراني في الأوسط، وإسناده حسن، وحسَّنه السيوطي)

  3. عن ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

    إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً فَضْلاً سِوَى الْحَفَظَةِ يَكْتُبُونَ مَا سَقَطَ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ، فَإِذَا أَصَابَتْ أَحَدَكُمْ عَرْجَةٌ فِي سَفَرٍ فَلِيُنَادِ: أَعِينُوا عِبَادَ اللَّهِ.(قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه البزَّار، ورجاله ثقات، وقال الحافظ: حسن الإسناد غريب جداً، وحسَّنه الحافظ السخاوي)، قال الإمام أبو بكر البيهقي: هَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَ الصَّالِحِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لِوُجُودِ صِدْقِهِ عِنْدَهُمْ فِيمَا جَرَّبُوا. (الآداب للبيهقي)

  4. عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول: حججتُ خمس حجج اثنتين راكب، وثلاث ماشي، أو ثلاث راكب واثنتين ماشي، فضللتُ الطَّريق في حجَّة؛ وكنت ماشياً، فجعلت أقول: يا عباد الله دلّوني على الطَّريق. قال: فلم أزل أقول ذلك حتَّى وقفتُ على الطَّريق أو كما قال أبي. ((رواه البيهقي في الشُّعب). قال الطَّبراني بعد رواية الحديث في الكبير: وقد جُرِّبَ ذلك).

هكذا فليس التوسل خاصاً بأهل التصوف بل هو منهج عام لأهل السنة معروف ومبثوثٌ في بطون كتبهم.

الاستنصار والتَّوسُّل بالصحابة وبمن رأى الصحابة وبمن رأى من رأى الصحابة الكرام:

عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ. (رواه البخاري في باب من استعان بالضُّعفاء والصَّالحين في الحرب ومسلم واللفظ له صحيح مسلم ٢٥٣٢)

أقوال بعض العلماء في مشروعية التَّوسُّل:

  1. قال الإمام السبكي: ويحسن التوسل والاستعانة والتشفع بالنبي إلى ربه ولم ينكر ذلك أحد من السلف ولا من الخلف حتى جاء ابن تيمية فأنكر ذلك وعدل عن الصراط المستقيم وابتدع ما لم يقله عالم قبله وصار بين أهل الإسلام مثله. (فيض القدير (٢/ ١٣٥))
  2. عن علي بن ميمون قال: سمعت الشَّافعي يقول: إنِّي لأتبرَّك بأبي حنيفة، وأجيء إلى قبره في كلِّ يوم ـ يعني زائراً ـ، فإذا عرضت لي حاجة صلَّيت ركعتين، وجئت إلى قبره، وسألت الله تعالى الحاجة عنده، فما تبعد عني حتَّى تُقضى. (. شرح البخاري للسفيري (١/ ١٥٦) (رواه الخطيب في تاريخ بغداد، وابن حجر في الخيرات الحسان، وقال الكوثري: سنده صحيح مقالات الكوثري (ص.٣٨١).)
  3. ذكرنا قول الإمام النَّووي في الجموع أثناء الكلام عن زيارة القبر الشَّريف وقال العلامة السيد السمهودي في خلاصة الوفا: إن التوسل والتشفع به صلى الله عليه وسلم وبجاهه وبركته من سنن المرسلين وسيرة السلف الصالحين، وذكر كثير من علماء المذاهب الأربعة في كتب المناسك عند ذكرهم زيارة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسن للزائر أن يستقبل القبر الشريف ويتوسل إلى الله تعالى في غفران ذنوبه وقضاء حاجاته ويستشفع به صلى الله عليه وسلم.(شواهد الحقِّ في الاستغاثة بسيِّد الخلق للشيخ المحب يوسف النبهاني ص ١٦٢)
  4. قال ابن مفلح الحنبلي في الفروع: ويجوز التَّوسُّل بصالح، وقيل يستحب. قال أحمد في منسكه الذي كتبه للمروزي: إنَّه يتوسَّل بالنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في دعائه، وجزم به في المستوعب وغيره.
  5. قال الإمام القرطبي في تفسيره: حشرنا الله في زمرته - يعني النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا حاد بنا عن طريقته وملَّته بحقِّ محمَّد وآله.
  6. قال الإمام الشُّرنبلالي من السادة الحنفية: وأمَّا التَّوسُّل بالأنبياء والأولياء؛ فجائز إذ لا يشكُّ في مسلم أنَّه يعتقد في سيِّدي أحمد أو غيره من الأولياء أنَّ له إيجاد شيء من قضاء مصلحة أو غيرها إلا بإرادة الله تعالى وقدرته.(جمع الأسرار: النَّابلسي ص٩٥)
  7. ذكر ابن الجوزي في صفة الصَّفوة أنَّه كان إبراهيم الحربي يقول: قبر معروف الكرخي التِّرياق المُجرَّب، صفة الصفوة (١/ ٤٧٢) كما ذكره الذَّهبي في سير أعلام النُّبلاء ط الحديث (٨/ ٨٨)، وقال عن السَّيدة نفيسة: كَانَتْ مِنَ الصَّالِحَاتِ العَوَابِدِ، وَالدُّعَاءُ مُسْتَجَابٌ عِنْدَ قَبْرِهَا، بَلْ وَعِنْدَ قُبُوْرِ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِيْنَ. (سير أعلام النبلاء ط الحديث (٨/ ٢٨٤))
  8. هذه بعض الأدلة التي يستنير به المسلم في مسألة التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالأنبياء والصالحين وعامة المؤمنين، وذكرنا بعض أقوال العلماء في ذلك والقائمة تطول وليس التوسل مسألة خاصة بالصوفية بل هذا ما عليه عامة أهل السنّة والجماعة سواء منهم الصوفية وغيرهم.

    نسأل الله أن يلحقنا بالصالحين بجاه النبي الأمين
    وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين

تعليقات (1)



رمز الحماية