فيستديم الزعقة والرقص ليرى دوام حاله، وكذلك قد يفيق بعد الضعف ولكن يزول ضعفه سريعاً فيجزع أن يقال لم تكن غشيته صحيحة ولو كان لدام ضعفه فيستديم إظهار الضعف والأنين فيتكأ على غيره يرى أنه يضعف عن القيام ويتمايل في المشي ويقرب الخطا ليظهر أنه ضعيف عن سرعة المشي فهذه كلها مكايد الشيطان ونزعات النفس، فإذا خطرت فعلاجها أن يتذكر أن الناس لو عرفوا نفاقه في الباطن واطلعوا على ضميره لمقتوه وإن الله مطلع على ضميره وهو له أشد مقتاً كما روي عن ذي النون رحمه الله أنه قام وزعق فقام معه شيخ آخر رأى فيه أثر التكلف فقال يا شيخ الذي يراك حين تقوم فجلس الشيخ وكل ذلك من أعمال المنافقين وقد جاء في الخبر :((تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ خُشُوعِ النِّفَاق))[1] وإنما خشوع النفاق أن تخشع الجوارح والقلب غير خاشع.
ومن ذلك الاستغفار والاستعاذة بالله من عذابه وغضبه فإن ذلك قد يكون لخاطر خوف وتذكر ذنب وتندم عليه وقد يكون للمراءاة. فهذه خواطر ترد على القلب متضادة مترادفة متقاربة وهي مع تقاربها متشابهة، فراقب قلبك في كل ما يخطر لك وانظر ما هو ومن أين هو؟ فإن كان لله فامضه[2] واحذر مع ذلك أن يكون قد خفي عليك شيء من الرياء الذي هو كدبيب النمل[3]، وكن على وجل من عبادتك أ هي مقبولة أم لا؟ لخوفك على الإخلاص فيها، واحذر أن يتجدد لك خاطر الركون[4] إلى حمدهم بعد الشروع بالإخلاص فإن ذلك مما يكثر جداً، فإذا خطر لك فتفكر في اطلاع الله عليك ومقته لك، وتذكر ما قاله أحد الثلاثة الذين حاجوا أيوب عليه السلام إذ قال: يا أيوب أما علمت أن العبد تضل عنه علانيته التي كان يخادع بها عن نفسه ويجزى بسريرته؟ وقول بعضهم: أعوذ بك أن يرى الناس أني أخشاك وأنت لي ماقت[5]. وكان من دعاء علي بن الحسين رضي الله عنهما: اللهم: إني أعوذ بك أن تحسن فيَّ لامعة العيون علانيتي وتقبح لك فيما أخلو سريرتي، محافظاً على رياء الناس من نفسي ومضيعاً لما أنت مطلع عليه مني، أبدي للناس أحسن أمري، وأفضي إليك بأسوأ عملي تقرباً إلى الناس بحسناتي وفراراً منهم إليك بسيآتي فيحل بي مقتك ويجب علي غضبك، أعذني من ذلك يا رب العالمين.
وقد قال أحد الثلاثة نفر لأيوب عليه السلام: يا أيوب! ألم تعلم أن الذين حفظوا علانيتهم وأضاعوا سرائرهم عند طلب الحاجات إلى الرحمن تسود وجوههم؟