المسابقة عند خوف الفوت وهو كالعبدين يتسابقان الي خدمة مولاهما؛ إذ يجزع كل واحد أن يسبقه صاحبه فيحظى عند مولاه بمنزلة لا يحظى هو بها، فكيف وقد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: ((لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِى الْحَقِّ[1]، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ بِهِ وَيُعَلِّمُهُ النَّاسَ))[2] ثم فسر ذلك في حديث أبي كبشة الأنماري فقال: ((مَثَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَثَلُ أَرْبَعَةٍ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي مَالِه وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالاً فَيَقُوْل: رَبِّ لَوْ أَنَّ لِيْ مَالاً مِثْلَ مَالِ فُلاَنٍ لَكُنْتُ أَعْمَلُ فِيْهِ بِمِثْلِ عَمَلِهِ فَهُمَا فِي الأَجْرِ سَوَاءٌ)) وهذا منه حب لأن يكون له مثل ماله فيعمل مثل ما يعمل من غير حب زوال النعمة عنه قال: ((وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ فِي مَعَاصِي اللهِ وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالاً فَيَقُوْلُ لَوْ أَنَّ لِيْ مِثْلَ مَالِ فُلاَنٍ لَكُنْتُ أُنْفِقُهُ فِيْ مِثْلِ مَا أَنْفَقَهُ فِيْهِ مِنَ الْمَعَاصِي فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ)) [3]. فذمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة تمنيه للمعصية لا من جهة حبه أن يكون له من النعمة مثل ماله.
فإذاً لا حرج على من يغبط غيره في نعمة ويشتهي لنفسه مثلها مهما لم يحب زوالها عنه ولم يكره دوامها له، نعم إن كانت تلك النعمة نعمة دينية واجبة كالإيمان والصلاة والزكاة فهذه المنافسة واجبة وهو أن يحب أن يكون مثله لأنه إذا لم يكن يحب ذلك فيكون راضياً بالمعصية وذلك حرام، وإن كانت النعمة من الفضائل كإنفاق الأموال في المكارم والصدقات فالمنافسة فيها مندوب إليها، وإن كانت نعمة يتنعم بها على وجه مباح فالمنافسة فيها مباحة، وكل ذلك يرجع إلى إرادة مساواته واللحوق به في النعمة وليس فيها كراهة النعمة وكان تحت هذه النعمة أمرين أحدهما: راحة المنعم عليه، والآخر: ظهور نقصان غيره وتخلفه عنه وهو يكره أحد الوجهين وهو تخلف نفسه ويحب مساواته له. ولا حرج على من يكره تخلف نفسه ونقصانها في المباحات، نعم ذلك ينقص من الفضائل ويناقض الزهد والتوكل والرضا ويحجب عن المقامات الرفيعة ولكنه لا يوجب العصيان.
وههنا دقيقة غامضة وهو أنه إذا أيس من أن ينال مثل تلك النعمة وهو يكره تخلفه ونقصانه فلا محالة يحب زوال النقصان وإنما يزول نقصانه إما بأن ينال مثل ذلك أو بأن تزول نعمة المحسود، فإذا انسد أحد الطريقين فيكاد القلب لا ينفك عن شهوة الطريق الآخر حتى إذا زالت النعمة عن المحسود
[1] فسلطه على هلكته في الحق: يعني صار يبذل ماله فيما يرضي الله عز وجل لا يبذله في حرام ولا يبذله في لغو وإنما يبذله فيما يرضي الله سلطه الله على هلكته يعني على إنفاقه في الحق. (شرح رياض الصالحين، كتاب الجهاد، باب فضل السماحة في البيع والشراء إلخ)
[2] …التفسير الكبير للرازی، البقرة : ۱۰۹،۱/ ٦٤۷.
[3] …سنن الترمذي، كتاب الزهد، باب ماجاء في مثل الدنيا مثل أربعة نفر، الحديث ،۲۳۳۲،٤/ ۱٤٦،