الثالثة: أن يرائي بزيادات خارجة عن نفس النوافل أيضاً كحضوره الجماعة قبل القوم وقصده للصف الأول وتوجهه إلى يمين الإمام وما يجري مجراه وكل ذلك مما يعلم الله منه أنه لو خلا بنفسه لكان لا يبالي أين وقف ومتى يحرم بالصلاة.
فهذه درجات الرياء بالإضافة إلى ما يرائي به وبعضه أشد من بعض والكل مذموم.
الركن الثالث: المرائي لأجله فإن للمرائي مقصوداً لا محالة وإنما يرائي لإدراك مال أو جاه أو غرض من الأغراض لا محالة وله أيضاً ثلاث درجات.
الأولى: وهي أشدها وأعظمها أن يكون مقصوده التمكن من معصية الله كالذي يرائي بعباداته ويظهر التقوى والورع بكثرة النوافل والامتناع عن أكل الشبهات، وغرضه أن يعرف بالأمانة فيولى القضاء أو الأوقاف أو الوصايا أو مال الأيتام فيأخذها أو يسلم إليه تفرقة الزكاة أو الصدقات ليستأثر بما قدر عليه منها، أو يودع الودائع فيأخذها ويجحدها أو تسلم إليه الأموال التي تنفق في طريق الحج فيختزل[1] بعضها أو كلها، أو يتوصل بها إلى استتباع الحجيج[2] ويتوصل بقوتهم إلى مقاصده الفاسدة في المعاصي. وقد يظهر بعضهم زي التصوف وهيئة الخشوع وكلام الحكمة على سبيل الوعظ والتذكير وإنما قصده التحبب إلى امرأة أو غلام لأجل الفجور، وقد يحضرون مجالس العلم والتذكير وحَلَق القرآن يظهرون الرغبة في سماع العلم والقرآن وغرضهم ملاحظة النساء والصبيان، أو يخرج إلى الحج ومقصوده الظفر بمن في الرفقة من امرأة أو غلام. وهؤلاء أبغض المرائين إلى الله تعالى لأنهم جعلوا طاعة ربهم سلماً إلى معصيته واتخذوها آلة ومتجراً وبضاعة لهم في فسقهم، ويقرب من هؤلاء وإن كان دونهم من هو مقترف[3] جريمة اتهم بها وهو مصر عليها ويريد أن ينفي التهمة عن نفسه فيظهر التقوى لنفي التهمة كالذي جحد وديعة واتهمه الناس بها فيتصدق بالمال ليقال: إنه يتصدق بمال نفسه فكيف يستحل مال غيره وكذلك من ينسب إلى فجور بامرأة أو غلام فيدفع التهمة عن نفسه بالخشوع وإظهار التقوى.
الثانية: أن يكون غرضه نيل حظ مباح من حظوظ الدنيا من مال أو نكاح امرأة جميلة أو شريفة كالذي يظهر الحزن والبكاء ويشتغل بالوعظ والتذكير لتبذل له الأموال ويرغب في نكاحه النساء فيقصد إما امرأة بعينها لينكحها، أو امرأة شريفة على الجملة وكالذي يرغب في أن يتزوج بنت عالم