العباد والتزين لهم في الدنيا بما يفوته في الآخرة وبما يحبط عليه من ثواب الأعمال مع أن العمل الواحد ربما كان يترجح به ميزان حسناته لو أخلص، فإذا فسد بالرياء حوّل إلى كفة السيئات فترجح به ويهوي[1] إلى النار، فلو لم يكن في الرياء إلا إحباط عبادة واحدة لكان ذلك كافيا في معرفة ضرره وإن كان مع ذلك سائر حسناته راجحة، فقد كان ينال بهذه الحسنة علو الرتبة عند الله في زمرة النبيين والصديقين وقد حط عنهم بسبب الرياء، ورد إلى صف النعال من مراتب الأولياء هذا مع ما يتعرض له في الدنيا من تشتت الهم[2] بسبب ملاحظة قلوب الخلق فإن رضا الناس غاية لا تدرك، فكل ما يرضى به فريق يسخط به فريق ورضا بعضهم في سخط بعضهم ومن طلب رضاهم في سخط الله سخط الله عليه وأسخطهم أيضا عليه ثم أي غرض له في مدحهم وإيثار ذم الله لأجل حمدهم ولا يزيده حمدهم رزقاً ولا أجلاً ولا ينفعه يوم فقره وفاقته وهو يوم القيامة.
وأما الطمع فيما في أيديهم فبأن يعلم أن الله تعالى هو المسخر للقلوب بالمنع والإعطاء وأن الخلق مضطرون فيه ولا رازق إلا الله ومن طمع في الخلق لم يخل من الذل والخيبة[3]، وإن وصل إلى المراد لم يخل عن المِنَّة والمَهَانَة[4] فكيف يترك ما عند الله برجاء كاذب ووهم فاسد قد يصيب وقد يخطئ؟ وإذا أصاب فلا تفي لذته بألم منته ومَذَلَّته.
وأما ذمهم فلم يحذر منه ولا يزيده ذمهم شيئًا ما لم يكتبه عليه الله ولا يعجل أجله ولا يؤخر رزقه ولا يجعله من أهل النار إن كان من أهل الجنة، ولا يبغضه إلى الله إن كان محمودا عند الله، ولا يزيده مقتاً إن كان ممقوتاً عند الله، فالعباد كلهم عجزة لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياتاً ولا نشوراً فإذا قرر في قلبه آفة هذه الأسباب وضررها فترت[5] رغبته وأقبل على الله قلبه، فإن العاقل لا يرغب فيما يكثر ضرره ويقل نفعه، ويكفيه أن الناس لو علموا ما في باطنه من قصد الرياء وإظهار الإخلاص لمقتوه وسيكشف الله عن سره حتى يبغضه إلى الناس ويعرفهم أنه مراء وممقوت عند الله، ولو أخلص لله لكشف الله لهم إخلاصه وحببه إليهم وسخرهم له وأطلق ألسنتهم بالمدح والثناء عليه مع أنه لا كمال في مدحهم ولا نقصان في ذمهم كما قال شاعر بني تميم: إن مدحي زَين[6] وإن