مرحباً بالزائر الأبهر شهر ربيع الأنور | الشيخ أيمن ياسر بكار


نشرت: يوم الثلاثاء،13-نوفمبر-2018

مرحباً بالزائر الأبهر شهر ربيع الأنور

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، أما بعد:

فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِك عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الْحَبِيبِ الْعَالِي الْقَدْرِ الْعَظِيمِ الْجَاهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ

قد خص الله سبحانه بعض الأمكنة والأزمنة بزيادة فضل وخير وبركة، كالوقوف على عرفة، والصلاة في البيت الحرام، وشهر رمضان، وأول الوقت للصلاة، ومن هذه الأزمنة المباركة (شهر ربيع الأول) الذي أصبح معروفاً باسم (شهر ربيع الأنوار، شهر ربيع المحبين) ففي هذا الشهر العظيم ولد سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو منبع الأنوار وقبلة المحبين، فما أكرمها من مناسبة، وما أعظمه من يوم، فلولا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما عرفنا عرفات ولا صمنا رمضان ولا تحرينا ليلة القدر ولا صلينا ولا اهتدينا، والدنيا قبل ولادة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم شيء وبعد ولادته صلى الله عليه وآله وسلم شيء آخر بإجماع البشرية على مر الزمن،

قبل ربيع الأنوار وولادته صلى الله عليه وآله وسلم

كان العرب متفرقين متناحرين يغزو بعضهم بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً، ساد الظلم بينهم والعصبية، وشرب الخمور ووأد البنات وإذلال النساء، حتى أن زهير بن أبي سلمى قال: (ومن لا يظلم الناس يظلم) (المعلقات السبع، معلقة زهير بن أبي سلمى: ص٥٥)، وكذلك كان الحال في الإمبراطورية البيزنطية والفارسية حيث ساد الظلم والقهر واستيلاء فئة قليلة على ثروات البلاد والشعوب تعيش الفقر الشديد والمرض والجهل..

وأما حال الدنيا في ربيع الأنوار يوم ولادته صلى الله عليه وآله وسلم

ارتج إيوان كسرى وسقطت شرفاته، وغاضت بحيرة ساوة التي يقدسونها وخمدت نيرانهم، حجب إبليس والجن عن السموات برجم الشهب السماوية، ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوساً، مؤذناً بالحرب على الظلم وإقامة العدل، وولد صلى الله عليه وآله وسلم مختوناً وعندما وضعته أمه وقع على الأرض مقبوضة أصابع يديه مشيراً بالسبابة كالمسبح بها، وخرج حينها نور أضاء ما حوله وأضاء الكون. (كما في الروض الأنف وشرح الزرقاني على المواهب وغيرهما من كتب السيرة والشمائل)

وأما حال الدنيا بعد ولادته صلى الله عليه وآله وسلم

فنبينا صلى الله عليه وآله وسلم جاء بالهدى وبكل خير لكل البشرية، قال تعالى:

(قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا) (سورة الأعراف: ١٥٨)

أرسله ربنا الكريم رحمةً ورأفةً بالبشرية، قال تعالى:

(وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ) (سورة الأنبياء: ١٠٧)

لينقذهم من الضلال إلى الهدى ومن الظلام إلى النور، لأن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم نور يهتدى به إلى الخير، ونور يستضيء منه الكون، قال تعالى:

(قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ) (سورة المائدة: ١٥)

فعرفنا الواحد الأحد الفرد الصمد، وعرفنا به العبادة وحياة الروح، وعرفنا به التواصي بالحق والتواصي بالمرحمة، وعرفنا به أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، وعرفنا به بر الأبناء بآبائهم، وعرفنا به صلة الأرحام ومساعدة المحتاجين وجبر خاطر المسكين، وعرفنا وعرفنا ما لا يعد ولا يحصى... باختصار لم نكن شيئاً ثم أعزنا الله بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ورفعنا على الأمم، كنا شذرَ مذرَ فغدونا أمة واحدة كالجسد الواحد لا فرق بين أبيض وأسود يسعى بذمتنا أدنانا، وكنا تائهين فصرنا مهديين نذكر الله ونصلي على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وكنا... وصرنا ما لا يعد ولا يحصى... ورحم الله من قال:

وَماذا عَسى أَحصيه مِن اختِصاصِهِ ****وَذَلِكَ شَــــيء لَيسَ يَحصره العَدُّ

وَأنى الثَنا وَاللَّه جَلَّ جَـــــــلالــه **** عَلى عَــبدِهِ أَثنى فَهَل بَعدَ ذا حَمدُ

وَكُلُّ كَمال دُونَ رُتبة مجــــــده **** وَكُلُّ عَــــــطاء فَهوَ مِن فَيضِهِ مدُّ

لَــــهُ الغاية اللاتي يـــلاذ بِجاهها **** ويطلُب مِـن تلقائها الوَهب وَالرِّفدُ

فهنيئاً لنا بهذا الشهر الكريم وهنيئاً لنا بهذا النبي العظيم، الْمُخاطَب بلسان سِرِّ محبّة الله الودود الحكيم:

(يسٓ ١ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡحَكِيمِ ٢ إِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ٣ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ) (سورة يس: ١ – ٤)

سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال فيه ربنا سبحانه:

(لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ) (سورة التوبة: ١٢٨)

وها قد أطل علينا شهر ربيع الأنوار، ربيع المحبين، فهل يليق بمسلمٍ أن يغفل عن هذه المناسبة العظيمة، هذا شهر ولد فيه نبيك وحبيبك وشفيعك، ولا يملك المحبّ إذا فاحت ذكرى محبوبه إلا أن يهتزّ، ثم يعبّر عن مشاعره الفيّاضة نظماً ونثراً، وإذا وُجِد النظم جاءت ألحانه فأطربت السامع، فتحرّكت معاني في القلب مكنونة، فحصل لها التجديد، وهو الهدف والمقصود، فمَحَبّةَ الحبيب صلى الله عليه وآله وسلَّم مكنونة في قلوب محبّيه، كان الصحابة رضوان الله تعالى عنهم إذا مرّ أحَدُهم بِشجرةٍ قد جلسَ عندَها رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلَّم هاجتِ الذِكرى بِه. فَجدّدت معاني المحبّة، إذ!! المحبّة هي الوقودُ الأعظم لتَذكُّرِ الأُسوةُ العُظمى والتّأسّي به، ونحن الآن في هذه الأيامِ العطرةِ التي تفوحُ فيها وِلادةُ الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، وشاء الله تعالى أن يَعْلَم كلُّ مَن في الأرضِ والسماءِ بتميُّزِ يومِ ولادةِ الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم عن غيره من الأيام،

اللهم اجعلنا من المتمسكين بسنته المقتفين أثره، المهتدين بهديه، من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه سميع قريب.

وصلى الله تعالى على خير خلقه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

تعليقات



رمز الحماية