هل الإسلامُ دينٌ صَعبٌ جدًّا؟ | الشيخ محمد قاسم العطاري


نشرت: يوم الثلاثاء،08-نوفمبر-2022

هل الإسلامُ دينٌ صَعبٌ جدًّا؟

هناك مقولةٌ شهيرةٌ مفادُها "إن الدينَ صعبٌ للغاية"، بل أن البعضَ يقولون: "إن الدين لم يكن صعبًا في الحقيقة ولكن رجال الدين جعلوه صعبًا"، فهل الدينُ صعبٌ جدًّا حقًّا كما يدّعون! أم هو اتّهام ودِعَايَة كاذبة؟

الجوابُ المختصرُ لهذا السؤال:

إن الأعمال مهما كانت بسيطة فهي على فاتر الهمة وضعيف الإرادة صعبة جدًّا، ولكنها لقوي الإرادة والعزم تكون سهلة وإن كانت صعبة في الحقيقة، و"قوة المرء وضعفه منوطة بنيَّته"، يجب على المؤمن أن يكون قويًّا كما قال رسول الله ﷺ:

إن الله عز وجل يحبّ مَعالِي الأمور

خاصية الإسلام هي أنه سهل من حيث الأصل، وذلك لقوة المسلم وعزمه وإرادته:

* كما قال الله تعالى:

﴿ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ﴾

* وقال أيضًا:

﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖۚ﴾

* وكذا قال في مكان آخر:

﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ﴾

* وكما قال رسول الله ﷺ:

إن الدين يسر

استنبط الأئمة المجتهدون من هذه الآيات والأحاديث القواعدَ والقوانينَ الفقهية التالية:

* الحرج مدفوع

* والمشقّة تجلب التيسير

واتّضح من هذه الأَدِلَّة "أن الأحكام الشرعية من حيث طاقة الإنسان سهلةٌ"، وإن كانت بعض الأحكام أصعب من غيرها، أو أصعب في بعض الحالات، ولكنها ليست صعبة لدرجة أنها لا تطاق؛ لأن الشرع لا يأمر الإنسانَ بما لا يُطيقه، هذا هو شأن أغلبِ أمور الدنيا بأنها تحتاج إلى بعض الجهد والمشقّة، ولو قلتَ: بعض الجهد كذلك صعب! فنقول: لا يخلو عملٌ من أعمال الحياة إلا وفيه شيء من الصّعوبة، لذلك هناك سؤال لك بخصوص هذا: وهو أنه لماذا تُعظِّم الأمورَ في الشؤون الدينية دون غيرها؟ مع أنك لو نظرت إلى المصاعب الدنيوية والحياتية لوجدتها أكثر بكثير مما تدّعيه في حق الدين! فَلْنُلْقِ نظرةً عابرةً على بعض الأمور الدُّنيوية الصعبة التي يمرّ بها كلٌّ منّا في حياته اليومية:

1- مرحلة الطفولة والتعليم:

الطفلُ بعد ولادته يتعلَّم أولاً الجلوسَ ثم القيامَ فالمشي ثم الركض، ثم يذهبُ إلى المدرسة طوعًا أو كرهًا، ويجتهد في التعلُّم، وبعد عودته من المدرسة يذهب إلى مركز التعليم والتدريب لتكرار ما درس في المدرسة وزيادةِ الفهم، ثم يقوم هناك أو في البيت بالواجب المنزليّ ويستذكر الدروس، ويستعدّ للامتحان ليلاً ونهاراً لينجح بتقدير عال، ويبقى على تلك الحالة حتى يبلغ 12 أو 14 أو 16 عامًا من عمره، إضافة لذلك لو نظرتَ إلى طلاّب العلوم والطبّ والهندسة وغيرهم عرفت المعنى الحقيقيّ للعمل الجادّ والجهد البالغ، وأنهم لا يُفرِّقون بين النهار والليل في الدراسة و طلب العلم والمراجعة، ولا يعرفون شيئًا غيرَ الكتب والقلم والحقيبة المدرسية والذهاب إلى الكلية والعودة منها، ويَقضون فترة من حياتهم في الكلل والملل لينجحوا فيما يهدفون إليه، فهل هذه المشقات أقلّ من مشقة العمل بالأحكام الشرعية في الدين؟ كلاّ، بل هي أكثر بكثير.

2- البحثُ عن الوظيفة:

بعد التخرُّج من الكلية أو الجامعة لا يحصل المرءُ على الوظيفة في البيت! ولكنه لا بد أن يطوف على الشركات والمكاتب والمحلات والمؤسّسات مرّة تَلْوَ الأخرى، وبعد السفرِ المتعب يظهر له أن الوظيفة غيرُ موجودةٍ أصلاً، أو أن الوظيفة الشاغرة لعشرة أشخاص والمتقدّمون هم المئات، وكلُّهم قد تخرَّجوا من الجامعة بعد جهد طويل، ثم قد يفشلُ المرشّحُ في المقابلة مع استعداده لها فترة طويلة، أو لا ينال مركزًا بين "العشرة الأوائل"، فيرجع فاشلاً يائساً.

ثم هو يخرجُ للبحث عن وظيفة أخرى بنفس الطريقة من جديد، يطوف المكاتب والمؤسّسات، ويتملَّق الضباطَ، ويُقدِّم لهم الهدايا باسم الرشوة، ومع كل ذلك لا يجدُ ما يريده بالضبط، يَتعب ويَستاء ولكنه لا يتخلَّى عن المحاولات أبدًا، ولو سألتَه "لماذا تتعب وتتحمّل كل هذه المشقّة يا أخي؟" لأجابك بكل ثقة هذه هي سُنة الحياة، فأين هذه المشقّة من تلك؟ صعوبة العملِ في الدين لا تساوي مشقة البحث عن الوظيفة أبدًا، فلماذا البكاء والصراخ بـ"إن الدين صعب جداًّ؟"، بل إنه بعد كل تلك المحاولات والمجهودات إن حصل على الوظيفةِ المطلوبةِ فقد لا تُعطى له الرواتب دون جد و جهد ، بل يُطلب منه الالتزامُ بمواعيد العمل والصبرُ على أذى المسؤول الذي فوقه، وتحمُّل تكاسل المرؤوسين لينال مرتّبه.

3- الصناعةُ والتجارة:

إذا أراد المرءُ أن يشتغل في التجارة أو الصناعة فليس الأمر هيِّنًا عليه، بل يجب عليه أن يعبر عقبات كثيرة، من أهمّها جمع النقود، وإذا خسر في العمل لا سمح الله يحتاج إلى سنوات للعودة إلى ما كان عليه، وإذا ربح فيه وجمع المال فسيُواجه مخاطر عديدة، أقلها يُصبح الناسُ أعداء له، ويحسدونه، ويعرِضُ نفسَه للخطر مِن قبل اللصوص، لكنه على الرغم من ذلك يتحمّل جميع هذه المشاقّ إلا أنه يخرج إلى الناس صارخًا ويقول: إن الدين صعب جداًّ!.

4- مشاكل الزواج:

هناك مشاكل كثيرة يواجهها المرءُ بعد الزواج، فتبدأ سلسلةُ المصائبِ ولا تنتهي، فإذا لم يُنجب الأولادَ يُعيبه الناسُ ويُطعنون فيه ويسخرون منه، ويشعر هو بالحرمان أيضًا، وإذا أنجبَ الأولادَ يتحمَّل النفقاتِ والتعب والإزعاج المتواصل، أم الطفل تحتاج إلى رعاية طبية وغذائية لتؤدّي دورَ الأمومة، والطفلُ كذلك يحتاج إلى الغذاء والدواء والاستراحة والاعتناء الخاص، فيَقضي حياتَه في البحث عن الرزق والكسب والتعب المستمر ليلاً ونهارًا.

5- تحمّل الصعوبات لتَرَف الحياةِ والتنعّم:

من جعل هدفَ حياته التَّرَفَ والتنعُّم كي يعيش في قصر منيف، ويتجوّل في سيارة ضخمة؛ فهو يحتاج إلى تضحيات كثيرة، فيسهر الليالي، ويتحمّل الطَّقْس القاسي، ويجتهد طوالَ الليلِ والنَّهار ليصلَ إلى الهدفِ المنشودِ، ولأن المشكلات جزء أساسي للحياة فلا يمكن العيش بدونها.

المهمّ الآن أخي الحبيب! هو أن الحياةَ عبارةٌ عن جهدٍ ومشقّة ونضال، والإسلام جزء من هذه الحياة أيضًا، بل هو روحها، وللقيام بهذا العمل الروحي العظيم وضع الله تعالى قليلاً من المصاعب، وهي بسيطةٌ جدًّا مقارنة بأمور الحياة الأخرى، فمثلاً إذا أَمْعَنَّا النظرَ في الصلاة وهي من أهمّ العبادات، وهي انضباط وسلوك وتدريب، مع أن المدّة التي تستغرقها الصلواتُ الخمس هي ساعة ونصف إلى ساعتين ونصف تقريبًا، يتحمّل المرءُ في أدائها صعوبة ضئيلة مقارنة بنظام الجيش وتدريبه، وكذلك العملُ في المكتب يتطلَّب ثماني ساعات مع الانضباط الكامل، لكن من الغريب أننا لا نرى أحدًا يطعن في صرامة هذا الانضباط والعمل المتعب الجاد، إلا أنه في أداء الصلوات الخمس يُنظر إليها أنها صعوبةً كبيرة مع أنها لا تستغرق إلا ساعة ونصف تقريبًا.

خلاصةُ القول هي أن تحمُّلَ الصعوباتِ منوط بمدى جدية الحصول على الهدف، كلما كان المرءُ جادًّا في نيل الهدف لم يشعر بالتعبَ في ممارسته، والمرءُ الذي يأمل بالبيت الفاخر والسيارة الضخمة والحياة الهادئة من أعماق قلبه يتحمَّلُ الصعوباتِ والمشاقّ لتحصيل ذلك، بل لا يشعرُ بأيّة صعوبةٍ أصلاً، في حين أن الحياةَ الأبدية والنِّعيم العالي في الجنة ورضا الله تعالى والتقرّب إليه لا يضعه ضمن أهدافه الأساسية فيشعر بأنه صعبٌ كالجبل العظيم، مع أن النِّعَم الأخروية ورؤية الله تعالى في الجنة هي من أعلى النِّعَم وأفضلها على الإطلاق، ومهما قدَّم المرءُ من التضحيات للحصول عليها فالتجارة رابحة، والخلاصة "أن الدينَ ليس صعباً، لكن فتور الهمم وضعف الإرادات يجعله صعبًا".


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة

تعليقات



رمز الحماية