نفحات إيمانية من الأشهر الحرم | محمد عرفان غجراتي


نشرت: يوم الإثنين،20-فبراير-2023

نفحات إيمانية من الأشهر الحرم

الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

التلميذ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الشيخ: هل تعرف ما هي الأشهر الحرم وما مكانتها في الإسلام يا بُنَيَّ؟

التلميذ: أعرف عنها قليلاً، ولكن ألتمس أن تخبرني: ما هي؟ وما منزلتها في دين الإسلام؟

الشيخ: الأشهر الحرم: هي شهور مباركة محددة في التقويم الهجري اختصها الله بالفضل والشرف ولذا فضلها الله تعالى على سائر شهور العام وهي أربعة أشهر: ذو العقدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب.

* قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه: لا تظلموا أَنْفُسَكُمْ في كُلِّهِنَّ، ثمّ اختصّ -الله تعالى- من ذلك أربعةَ أَشْهُرٍ، فجعلهن حَرَمًا، وعظّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم

* وعن سيدنا قتادة رضي الله تعالى عنه: إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووِزْرًا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم في كل حال عظيمًا، ولكن الله تعالى يعظّم من أمره ما شاء فإن الله تعالى اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلا، ومن الناس رسلا، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلةَ القدر، فعظّموا ما عظّم الله، فإنما تعظّم الأمور بما عظّمها الله عند أهل الفهم وأهل العقل

التلميذ: هل ورد ذكرها في القرآن الكريم؟

الشيخ: بلى يا ولدي! قال الله جل وعلا في محكم تنزيله:

إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثۡنَا عَشَرَ شَهۡرٗا فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ يَوۡمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ مِنۡهَآ أَرۡبَعَةٌ حُرُمٞۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُۚ فَلَا تَظۡلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمۡۚ

التلميذ: سيدي أودّ أن تعلّمني تفسير هذه الآية المباركة لو تكرمتم!

الشيخ: لقد سألتَ يا بُنيَّ سؤالاً في غاية الأهمية ويحتاج معرفة جوابه كلُّ مسلم ومسلمة. وها أنا ذا أشرح لك تفسيرها قال الله جل ثناءه: إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ أي: عدد الشهور

عِندَ ٱللَّهِ ٱثۡنَا عَشَرَ شَهۡرٗا فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ اللوح المحفوظ

يَوۡمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ مِنۡهَآ أي: الشهور الاثني عشر

أَرۡبَعَةٌ حُرُمٞۚ محرَّمة وأطلق عليها الحرم، لقداستها ولأنّ المعصية فيها تكون أعظم وأشدّ عقاباً، كما أنّ الطاعة تكون فيها أكثر أجراً وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب كما ذكرتُ لك آنفاً

ذَٰلِكَ أي: تحريمها، ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُۚ المستقيم

فَلَا تَظۡلِمُواْ فِيهِنَّ أي: الأشهر الحرم

أَنفُسَكُمۡۚ بالمعاصي فإنها فيها أعظم وزراً من المعاصي فيما سواها

التلميذ: جزاكم الله خيرا سيدي على هذه المعلومات القيمة المفيدة واختصارها بهذا الشكل الموجز، لكن سيدي من فضلكم هناك سؤال آخر: هل ورد ذكرها في السنة النبوية الشريفة أيضاً؟

الشيخ: أجل، لقد ورد ذكرها في السنة النبوية الشريفة ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي ﷺ قال في حجة الوداع:

إن الزمان قد استدار كهيئته يومَ خَلَقَ اللهُ السماوات والأرض، السنةُ اثنا عشر شهراً، منها أربعةٌ حُرُم، ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم، ورجبُ مُضَرَ الذي بين جمادى وشعبان

التلميذ: ما معنى هذا الحديث يا شيخي؟

الشيخ: إن سيدنا رسول الله ﷺ قد بيّن في هذا الحديث أن تأخير الشهور وإلغاءها وتبديلها كما كانت تفعل العرب في الجاهلية محرّم في دين الإسلام، ولقد كانت الأشهر الحرم معظّمة في شريعة إبراهيم، واستمرّ ذلك باقيًا، حتى كان العرب قبل الإسلام يعظّمونها ويحرّمون القتال فيها، إلى أن بدأ العرب باستخدام النسيء في تقويمهم فإنهم كانوا يتلاعبون بمواعيد الشهور القمرية بالتقديم والتأخير الذي يسمّى بـ"النسئ"، ويجعلون عاماً اثني عشر شهراً وعاماً ثلاثة عشر، فإنهم كانوا ينسئون الحج في كل عامَيْن من شهر إلى شهر آخر بعده، ويجعلون الشهر الذي أخّروه ملغىً فتصير تلك السنة ثلاثة عشر وتتبدل أشهرها فيحلّون الأشهر الحرم ويحرّمون غيرها، وقد حرّم الله جل وعلا هذا النسئ وأبطله وقرّر الحج على مداره الأصلي، في السنة العاشرة من الهجرة التي حج ّفيها سيد المرسلين صلوات ربي وسلامه عليه حجة الوداع وهي السنة التي وصل فيها ذو الحجة إلى موضعه فقال سيدنا النبي ﷺ:

إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض

يعني هذا هو أمر الله تعالى أن يكون شهر ذي الحجة في هذا الوقت فاحفظوه وأدوا الحج فيه ولا تبدلوا شهراً بشهر كعادة أهل الجاهلية(إرشاد الساري: 10/293، بتصرف).

التلميذ: أرجوك سيدي أن تشرح لي معنى قوله ﷺ: ثلاث متواليات.

الشيخ: أما قوله ﷺ:

ثلاث متواليات أي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم.

التلميذ: لم قال سيدنا النبي ﷺ: ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان؟

الشيخ: يا بُنَيّ! إنما أضاف الحبيب المصطفى ﷺ شهر رجب إلى مضر، ليبيّن صحة قولهم في رجب: إنه الشهر الذي بين جمادى وشعبان، لا كما كانت تظّنه ربيعة من أنّ رجب المحرّم هو الشهر الذي بين شعبان وشوال، وهو رمضان اليوم فبين عليه الصلاة والسلام أنه رجب مُضر لا رجب ربيعة

التلميذ: وهل ورد ذكر النسئ في القرآن الكريم؟

الشيخ: نعم، قال تعالى:

إِنَّمَا ٱلنَّسِيٓءُ زِيَادَةٞ فِي ٱلۡكُفۡرِۖ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُۥ عَامٗا وَيُحَرِّمُونَهُۥ عَامٗا لِّيُوَاطِـُٔواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُۚ زُيِّنَ لَهُمۡ سُوٓءُ أَعۡمَٰلِهِمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٣٧

التلميذ: كيف نعظم هذه الأشهر الحرم المباركة وكيف نقضيها؟

الشيخ: هذه الأشهر يجب أن نعظّم فيها حرمات الله تعالى كما قال الله جل وعلا:

وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ ٣٢

ويكون تعظيمها بالتقرب إلى الله بفعل الطاعات والقربات التي توصلنا لربنا الكريم سبحانه وتعالى من صلاة وصيام التطوع وزكاة وصلة أرحام وتلاوة للقرآن الكريم وزيارة القبور ومساعدة الفقراء والمساكين وإنفاق المال في سبيل الله تعالى وغيرها من الشعائر الدينية والعبادات التي نكسب فيها الحسنات ابتغاء مرضاة الله تعالى فينبغي على المسلم خلال الأشهر الحرم أن يكثر من العمل الصالح، والمبادرة إليه، مع كثرة الدعاء والتضرع إلى الله جل وعلا؛ ليكون ذلك داعيا لفعل الطاعات في باقي الشهور، وأن يغتنم العبد المؤمن العبادة في هذه الأشهر التي فيها العديد من العبادات الموسمية كالحج، وصيام يوم عرفة، وصيام يوم عاشوراء. وأن يترك كل ما لا يرضي ربنا سبحانه وتعالى من المعاصي والذنوب.

التلميذ: سيدي ما هي أبرز خصائص الأشهر الحرم؟

الشيخ: من أبرز خصائصها ومميزاتها أنها تشتمل على فرائض وعبادات موسمية ليست في غيرها، واجتماع أمهات العبادات فيها، وهي: الحج، والليالي العشر من ذي الحجة، ويوم عرفة، وعيد الأضحى، وأيام التشريق، ويوم عاشوراء، وليلة الإسراء والمعراج.

التلميذ:لقد أفدتَّني وعلَّمتَني الكثير يا سيدي، فشكرًا كثيرًا لكم وحفظكم الله! وزادكم رفعةً وعزًّا.

الشيخ: مرحبًا بوصية رسول الله ﷺ بارك الله فيك ياولدي!.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة

تعليقات



رمز الحماية