بذل الخير مفتاح القرب من الله | محمد سجاد أنجم القادري


نشرت: يوم الخميس،25-يناير-2024

بذل الخير مفتاح القرب من الله

يعرَف الخير بأنه ضدّ الشرّ، وهو ما يرغب فيه الكلّ كالعقل مثلاً والعدل والفضل والشئ النّافع.

وقيل:الخير ضربان:

الضرب الأول: خير مطلق وهو ما يكون مرغوبًا فيه بكلّ حال وعند كلِّ أَحد كما أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه به الجنَّة في خطبته فقال: "لا خير بخير بعده النَّار، ولا شرّ بشرّ بعده الجنَّة" (حلية الأولياء: 1/70، (81)).

والثاني: خير وشرّ مقيَّدان وهو أنّ خير الواحد شرّ الآخر كالمال الّذى ربّما كان خيرا لزيدٍ وشرًّا لعمرو، ولذلك وصفه الله تعالى بالأمرين فقال فى موضع:

إِن تَرَكَ خَيۡرًا [ البقرة: 180]

وقال في موضع آخر:

أَيَحۡسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِۦ مِن مَّالٖ وَبَنِينَ ٥٥ نُسَارِعُ لَهُمۡ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ [ المؤمنون: 55-56]، (المفردات فى غريب القرآن: 159-160).

بعد الخير نتعرّف على "البذل" وهو الإعطاء عن طيب نفس (القاموس المحيط: 71).

فبذل الخير هو من أجمل الصفات التي يمكن للإنسان أن يتحلّى بها، وهي الصفة النبيلة التي تنمو في أعماق القلب، وتتجلّى في لحظات العطاء والمساعدة التي نمر بها في حياتنا اليومية، بذل الخير ليس مجرد فعل إنساني عابر، بل هو تجربة روحية تقرّبنا إلى الله تعالى، وتمنح حياتنا معاني أعمق وأكثر سعادة ورضى، إنه القوة التي تدفعنا لتقديم المساعدة والعون لمن يحتاجها، دون أن ننتظر شكرًا أو مقابلا، إنها تلك اللمسة النبيلة التي تجعلنا نشعر بالرضا والسعادة عندما نكون سببًا في سعادة الآخرين.

تتنوع أشكال بذل الخير وأساليبه في التعبير عنه، فهو يمكن أن يكون في شكل مساعدة مادية، حيث نقدّم المال أو الطعام أو الملابس للمحتاجين، وقد يظهر بذل الخير في صورة مساعدة معنوية، حيث نقدم النصائح والدعم النفسي لمن يحتاجها، كما يمكن أن يشمل بذل الخير أيضًا مساعدة الآخرين في أمور حياتهم اليومية، مثل مساعدة كبار السنّ أو ذوي الاحتياجات.

بذل الخير في الإسلام مسيرة الإحسان والمحبة

في إطار الإسلام، يعتبر بذل الخير ومساعدة الآخرين من الأعمال النبيلة التي تُشجَّع عليها بقوة، تعلّمنا في ديننا أن الله يحبّ المحسنين ويثمّن الأعمال النبيلة، وكثير من الآيات والأحاديث التي تُشجِّع على بذل الخير والعطاء:

قال الله سبحانه تعالى في كتابه الكريم:

كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ١١٠ [ آل عمران: 110]

هذه الآية الكريمة تحمل في طياتها رسالة عظيمة تدعونا إلى الاقتداء والسير على خطى الخير والإحسان، إنها دعوة من الله للإنسان ليكون خيرًا للناس، وليس مجرد خيرٍ لنفسه.

في هذا السياق، نجد أن القرآن الكريم يحثّ المسلمين على فعل الخير والسعي للمعروف، وهذا يظهر واضحًا في قوله تعالى:

وَٱفۡعَلُواْ ٱلۡخَيۡرَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ۩ ٧٧ [ الحج: 77]

حيث يتعين علينا أن نعمل على تحقيق الخير في حياتنا وفي محيطنا.

الخير هنا (ما نتكلم فيه) ليس مقتصرًا على الأعمال كالصدقة أو المساعدات المادية فقط، بل إنه يشمل صلة الرحم ومكارم الأخلاق وكل ما ينفع الناس ويسعدهم، وهكذا، حث الإسلام على بذل الخير، وجعل من أكثر من ينتفع به فاعله أولًا.

تعدّد أوجه الخير في الإسلام

وهذا ما أكدته النصوص الشرعية، ومنها:

حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

على كل مسلم صدقة، فقالوا: يا نبي الله، فمن لم يجد؟ قال: يعمل بيده، فينفع نفسه ويتصدق قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فليعمل بالمعروف، وليمسك عن الشر، فإنها له صدقة (صحيح البخاري: ١٤٤٥)

لنكن إذا على استعداد دائم للسباق نحو الخيرات ولنعمل على تحقيقها في كل جوانب حياتنا، فالقرآن يحثّنا على "اِسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ"، أي: أن نتسابق نحو الأعمال الصالحة ونسعى لتحقيقها في حياتنا اليومية.

فلنكن خيرًا لأنفسنا وللناس من حولنا، ولنحمل رسالة الإحسان والخير إلى العالم، ولنعمل جاهدين على تحقيق نجاحنا في الدنيا والآخرة.

أحب الناس والأعمال إلى الله تعالى

جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله! أيُّ الناس أحبُّ إلى الله فقال:

أحَبُّ الناس إلى الله أنفعُهم، وأحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل سرورٌ تُدْخِلُه على مسلم، أو تكشف عنه كُرْبةً، أو تقضي عنه دَيْنًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأنْ أمشي مع أخي المسلم في حاجةٍ أحبُّ إليَّ من أنْ أعتكفَ في المسجد شهرًا، ومن كفَّ غضبه، ستر الله عورته، ومن كظم غيظًا، ولو شاء أن يُمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله قدَمَه يومَ تزلُّ الأقدام (المعجم الكبير للطبراني: 12/346، (13646))

ومن نِعَم الله تعالى على العبد أن يجعله مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:

عند الله خزائن الخير والشر، مفاتيحها الرجال، فطوبى لمن جعله مفتاحا للخير، ومغلاقا للشر، وويل لمن جعله مفتاحا للشر، ومغلاقا للخير (المعجم الكبير للطبراني: 6/150، (5812)).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ:

إن لله أقوامًا اختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها عنهم وحولها إلى غيرهم" (المعجم الكبير للطبراني: 13/207، (13925))

فإذا أردت التغيير في نفسك، وتطوير ذاتك، فابذل النفع لأخيك المسلم.

وخير مثال على ذلك هو مركز الدعوة الإسلامية، الذي يقوم بالعديد من الأعمال الخيرية في أنحاء العالم فإن فضيلة الشيخ سيدي محمد إلياس العطار القادري حفظه الله تعالى أسّس هذا المركز في عام 1981، وهي مؤسسة غير سياسية شعارها "على محاولة إصلاح نفسي وجميع أناس العالم" وتهدف لنشر الإسلام وتعاليمه، ومساعدة المحتاجين، وبناء مجتمعات أكثر عدلاً وسلامًا.

مركز الدعوة الإسلامية: نموذج للخير والإنسانية

يقوم مركز الدعوة الإسلامية بالعديد من الأعمال الخيرية في جميع أنحاء العالم، منها: بناء المساجد والمدارس، والتعليم للأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وحتى التعليم عن بعد، ومساعدة المحتاجين، وتقديم الخدمات الصحية، ونشر الدعوة والخير فيمكن أن يقال إن مركز الدعوة الإسلامية يقوم بدورٍ حيويٍ في أنحاء العالم، وتعد أعماله الخيرية خير دليل على التزامه بقيم الإسلام السامية.

وقد أنشأ الشيخ العديد من الأقسام تحت رعاية مركز الدعوة الإسلامية لبذل الخير في المجتمع، منها:

مؤسسة فيضان العالمية للإغاثة الإنسانية (FGRF)

تعتبر مؤسسة فيضان العالمية للإغاثة الإنسانية جسرًا من الأمل والعطاء في عالم يواجه تحديات إنسانية كبيرة، فتعمل المؤسسة بتفانٍ واختصاصية في مجموعة متنوعة من المجالات، داخل باكستان وخارجها.

تتلخص مهمتها في تحسين حياة الأفراد وتخفيف معاناتهم، وتعتمد على قيم إنسانية عالية وتعمل على تعزيز قيم الإحسان والعطاء في المجتمع.

تشمل مجالات عمل المؤسسة الرد على الكوارث والطوارئ بتقديم المساعدة في أوقات الضيق، ومكافحة إهدار الطعام وتوجيه الغذاء للمحتاجين، ودعم التعليم وتمكين الشباب والدعاة، والرعاية الطبية للمحتاجين، وحماية البيئة.

كما تقوم المؤسسة على تحسين ظروف حياة الناس، وتقديم المساعدة للأفراد الأكثر فقرًا وضعفًا في حالات الكوارث والابتلاءات التي تنزل على الناس.

ويمكن التبرع للمؤسسة عبر موقعها الإلكتروني أو الاتصال بمكتبها في باكستان أو مكاتبها الخارجية.

وتتاح مزيد من المعلومات على موقع المؤسسة: https://www.fgrf.org

في الختام:

بذل الخير هو سلوك أخلاقي وإنساني رفيع، يعكس رقي النفس وسمو الأخلاق، فالخير لا ينحصر في المساعدة المادية فقط، بل يشمل كل ما ينفع الناس ويسعدهم، من مساعدة المحتاجين، إلى نشر العلم والثقافة، إلى حماية البيئة.

وبذل الخير هو مفتاح القرب من الله سبحانه وتعالى، والسبيل إلى بناء مجتمعات أكثر عدلاً وسلامًا، فعندما نبذل الخير، فإننا نساهم في جعل العالم مكانًا أفضل للجميع.

وإذا أردنا أن نكون جزءًا من خلْق عالم أفضل، فعلينا أن نحرص على بذل الخير، وأن نكون مفاتيح للخير مغاليق للشر.

اللهم اجعلنا ممن يبذلون الخير، وينشرون السعادة، ويساهمون في بناء مجتمعات أفضل. آمين يا رب العالمين.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية

تعليقات



رمز الحماية