مدونات مختارة
الأكثر شهرة
كيف ننصر المسلمين في يومنا؟ | الشيخ عادل ديري
من أهمّ مقاصد الإسلام "رفع الظُّلم عن المظلومين وردع الظَّالمين" ، ومن أهم القيم التي غرسها الإسلام في نفوس المؤمنين "هي روح الجماعة"، فالمؤمن هو فردٌ ينتمي لجماعة ويحبّ ويريد لنفسه ما يحبّ ويريد لإخوانه الّذين ينتمون لنفس هذه الجماعة، ومِصداق هذا حديث رسولنا ﷺ:
لا يُؤْمِنُ أحدُكُم حتى يُحِبَّ لِأَخِيهِ ما يُحِبُّ لنفسِهِ (صحيح البخاري: 13)،
وورد في حديث آخر:
مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم وتَرَاحُمِهِم وتعاطُفِهِمْ مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى (صحيح مسلم: 2586.).
ولو فتَّشنا في أحاديث رسول الله ﷺ لوجدنا الكثير من الأحاديث التي تحثُّ على نصرة المظلومين وأنَّ نصرتهم واجبة شرعًا بقدر وسعنا، وليست بنافلة.
ومن الأحاديث التي وردت في هذا الباب:
1: عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:
انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، هذا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكيفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ (صحيح البخاري: 2444.).
2: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
المسلمُ أخو المسلمِ لا يظلِمُه ولا يُسلِمُه مَن كان في حاجةِ أخيه كان اللهُ في حاجتِه ومَن فرَّج عن مسلمٍ كُربةً فرَّج اللهُ بها عنه كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ ومَن ستَر مسلمًا ستَره اللهُ يومَ القيامةِ (صحيح البخاري: 2442.).
3: عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة بن سهل الأنصاري رضي الله عنهما أنهما قالا:
قال رسول الله ﷺ: ما منَ امرئٍ يخذلُ أمرأً مسلِمًا في موضعٍ تُنتَهَكُ فيهِ حرمتُهُ ويُنتَقَصُ فيهِ من عِرضِهِ إلَّا خذلَهُ اللَّهُ في موطنٍ يحبُّ فيهِ نصرتَهُ وما منَ امرئٍ ينصُرُ مسلمًا في موضعٍ يُنتَقَصُ فيهِ من عرضِهِ ويُنتَهَكُ فيهِ من حرمتِهِ إلَّا نصرَهُ اللَّهُ في موطنٍ يحبُّ نصرتَهُ (مسند أحمد: 16415.).
ومن أقوال العلماء في هذا الباب:
يقول الإمام مسلم رحمه الله تعالى في كتابه "المنهاج": "وأمَّا نَصْر المظْلوم، فمِن فروض الكِفاية، وهو من جُمْلة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وإنَّما يتوجَّه الأمر به لمن قَدِر عليه، ولم يخَفْ ضررًا" ( المنهاج شرح صحيح مسلم، الجزء: 14، الصفحة: 32.).
ويقول الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى: "هو فرض كِفَاية، وهو عامٌّ في المظْلومين، وكذلك في النَّاصرين، بناء على أنَّ فرض الكِفَاية مُخَاطب به الجميع، وهو الرَّاجح" ( فتح الباري شرح صحيح البخاري، الجزء: 5، الصفحة: 84.).
وهناك الكثير من أقوال العلماء المقاربة لهذه الأقوال الَّتي مفادها أنَّ نصرة المظلومين فرض كفاية، وكل إنسان ينبغي عليه أن يُقدم ما بوسعه لنصرة المظلومين ومد يد العون لهم وعدم التَّخلي عنهم مهما كلف الأمر، وبعد أن علمنا حُكم نصرة المظلومين ينبغي أن نسأل أنفسنا هذا السؤال:
كيف ننصُر المظلومين في يومنا؟ وبعد هذا السؤال ينبغي أن نبحث عن جواب له أيضًا... فنقول وبالله التوفيق في جوابنا على هذا السؤال:
لقد أعطى الله لكل إنسان في هذه الدنيا مكانة، علميةً كانت هذه المكانة أو اجتماعيَّةً أو سياسيَّة أو قبليَّة أو أو... فكل إنسان في هذه الدُّنيا له مكانته، ويعلم ما هي قدراته وإمكانياته وما هي الفئة التي يمكنه التأثير عليها، وما هي الطَّريقة الَّتي يُمكنه نُصرة المظلوم بها، فهل يعقل مثلا أن يكتفي السِّياسي أو التَّاجر بالدعاء في نصرة المظلوم ويقولا:
نحن لا نملك إلا الدُّعاء؟ رغم أنَّنا لا ننكر أهمية الدعاء وأنَّه هو المفتاح لكل شيء ولكن ينبغي ألا يقتصر عملنا عليه، فمع الدّعاء نقوم بالأمور الأخرى الَّتي تجب علينا على حسب قدرتنا ووسعنا ومكانتنا.
- فالتاجر يجب عليه أن ينصر المظلومين بإعانتهم مادِّيًا بكل ما يقدر عليه، وأن يوقف ويقطع علاقاته التِّجارية مع الظَّلمة.
- والسياسي يجب عليه أن ينصر المظلومين بالدفاع عنهم وعن قضيتهم ونشرها بأكبر قدر ممكن.
- والعالم يجب عليه أن ينصر المظلومين بالدفاع عنهم أمام أعدائهم، وبتثبيتهم وإخبارهم بما أعدّ الله لهم من أجر وثواب وأنَّ ما يتعرضون له من ظلم ما هو إلا تكفير لذنوبهم ورفع لدرجاتهم، وأنَّ الظَّالم مهما تمادى في ظلمه فسيأتي الوقت الَّذي ينال فيه عقابه وجزاءه، وأن يُذكرهم بالأخبار الَّتي وردت في هذا الباب وما أكثرها.
- والإعلامي ينبغي عليه أن ينصر المظلوم بإظهار الحقيقة للعالَم ونشرها وبثِّها على مواقع التَّواصل الاجتماعي، ونشر صور الظُّلم الَّتي يتعرض لها إخوانه، بالإضافة إلى فضح الظالم ونشر عدوانه وجرائمه الشَّنيعة.
- والإنسان الَّذي لا قوَّة له ولا حيلة ينصر المظلومين بالدُّعاء لهم والتَّضرع والالتجاء إلى الله بأن يكشف الغُمَّة عنهم وأن ينصُرهم على أعدائهم.
- وهناك أمورٌ مشتركة ينبغي على كل فرد من أبناء المسلمين أن يقوم بها نصرةً للمظلوم، وألا يملَّ منها مهما طال الزَّمان:
أوَّلها: الدُّعاء الَّذي هو من أعظم الأمور الَّتي يتوجب علينا ألا نتركه ولا نمَّل منه، وأن نتحرَّى أوقات الإجابة ونكثر فيها من الدعاء، كذلك ينبغي أن نتأدَّب بآداب الدُّعاء المعروفة.
وهناك مسألة متعلقة بموضوع الدعاء وهي أن البعض أصبح يستخف به ويقول:
دعاؤكم ماذا يقدم أو يؤخر لإخوانكم المظلومين؟ هم ليسوا بحاجة للدعاء وإنما حاجتهم لأمور أخرى، فنقول لهذا الأخ:
إيَّاك ثمَّ إيَّاك أن تستخف بالدعاء فهو من أقوى الأسلحة بيد العبد، نعم! ينبغي ألا نقتصر على الدعاء، ولكن في المقابل ينبغي ألا نتركه ونستخف به ورحم الله الإمام الشافعي حيث قال:
أَتَهزَأُ بِالدُعاءِ وَتَزدَريهِ*****وَما تَدري بِما صَنَعَ الدُّعاءُ
سِهامُ اللَيلِ لا تُخطِي وَلَكِن*****لَها أَمَدٌ وَلِلأَمَدِ اِنقِضاءُ
والأمر الآخر الَّذي ينبغي ألا نملَّ منه أيضًا وألا نحيد عنه "عدم الركون إلى الظلمة وهجرهم بشكل كلي"، فهذا الأمر هو باب مهمٌّ من أبواب نُصرة المظلومين، فمن الضَّروري ألا نملَّ من هذا الشَّيء وإن طال الوقت، وينبغي أن نستحضر أنَّنا في حال لم نقاطع هؤلاء الظَّلمة وأعوانهم ومموِّليهم فنحن شركاء في ظلم إخواننا وفي معاناتهم ومأساتهم، فهجر الأعداء على حالهم هو أقل يمكننا تقديمه لإخواننا، فلنحذر من العدول عن هذا الباب العظيم.
وفي الختام نقول:
نصرة المظلوم واجبة علينا بقدر وسعنا، وفي أثناء أدائنا لهذا الواجب سنلاقي شيئًا من الشِّدة والابتلاء والعَنت؛ لأنَّ لكل شيء ضريبته وثمنه، فينبغي علينا ألا نملَّ ولا نتعب ولا نيأس، ولنلزم باب الصَّبر والاحتساب والتَّوكل على الله تعالى فهو حسبنا وحسبهم ونعم الوكيل.
تعليقات