أهمية التبرع بالدم في إنقاذ حياة المرضى | الشيخ فارس عمران


نشرت: يوم السبت،12-يونيو-2021

أهمية التبرع بالدم في إنقاذ حياة المرضى

الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

يَمرُّ في هذا اليوم من كل عام ما يُسمَّى باليوم العالمي للتبرع بالدم، وهو يوم تحتفل به كثير من الدول بالمتبرعين بالدم، وتقيم فيه وزارات الصحة وكثيرٌ من أطبائها في الدول المتعددة حملاتِ توعيةٍ وتثقيفٍ عن أهمية التبرع بالدم، وحاجة النظام الصحي لهذا الأمر.

وقد جاء في موقع منظمة الصحة العالمية في بيان أهمية التبرّع بالدم وما لهذه الفعاليات من الأثر: "وهذه الفعالية السنوية هي بمثابة مناسبة تُزفّ فيها آيات الشكر إلى المتبرّعين طوعاً بالدم من دون مقابل لقاء دمهم الممنوح هديةً لإنقاذ الأرواح، ويُرفع فيها مستوى الوعي بضرورة المواظبة على التبرّع به ضماناً لجودة ما يُوفّر من كمياته ومنتجاته الْمُتبرّع بها ومستوى توافرها ومأمونيتها لمن تلزمهم من المرضى"

ثم ذكروا بعد ذلك ما للتبرع بالدم من الأثر الكبير في إنقاذ حياة الملايين من الناس حول العالم، الذين يعانون من أمراض كثيرة يحتاجون معها إلى الدم، كما أن كثيراً من الحوادث والعمليات في المستشفيات تحتاج إلى الدم،

"وتساعد عملية نقل الدم ومنتجاته على إنقاذ ملايين الأرواح سنوياً، وبإمكانها أن تطيل أعمار المرضى المصابين بحالات مرضية تهدّد حياتهم وتمتّعهم بنوعية حياة أفضل، وتقدّم الدعم لإجراء العمليات الطبّية والجراحية المعقّدة. كما تؤدي هذه العملية دوراً أساسياً في إنقاذ أرواح الأمهات والأطفال في إطار رعايتهم، وأثناء الاستجابة الطارئة للكوارث التي هي من صنع الإنسان والكوارث الطبيعية".

ولا شكَّ أن مثل هذه المبادرات مبادرات خير وبرٍّ يُثمِّنها الإسلام ويحثُّ على مثلها، فالتكافل الاجتماعي ومساعدة الفقراء والمحتاجين، باب عظيم من أبواب الخير، جاء الحثُّ عليه في الكتاب والسنة المطهّرة، وهو مظهر من مظاهر الرحمة في هذه الدنيا، وقد جاء رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، قال تعالى:

وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ.(الأنبياء: ١٠٧)

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتكافل والتعاون، فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَّهَر والحمّى. (أخرجه البخاري: ٦٠١١، ومسلم: ٢٥٨٦)

وقد جاء هذا الحديث على سبيل الإخبار ولكن أُرِيد به الأمر، ولذا قال الإمام المناوي في شرحه لهذا الحديث: "لفظ الحديث خبر ومعناه أمر أي كما أن الرجل إذا تألّم بعض جسده سرى ذلك الألم إلى جميع جسده فكذا المؤمنون ليكونوا كنفس واحدة إذا أصاب أحدهم مصيبة يغتمّ جميعهم ويقصدوا إزالتها، وفي هذا التشبيه تقريب للفهم وإظهار المعاني في الصور المرئية". (فتح القدير للمناوي: ٥/٦٥٧)

ولا شك أيضاً أن المرضى المحتاجين إلى الدم هم إخوة لنا يؤلمنا ما يؤلمهم ويؤذينا ما يؤذيهم، وهذا النوع من التكافل والشعور بالآخر، والتضلّع بالمسؤولية تجاه إخواننا الضعفاء والمرضى هو من أرفع مراتب الإيمان كما مرّ في الحديث السابق، إذ أراد بالمؤمن عندما قال: "مثل المؤمن" المؤمن الكامل.

ومما ورد في السنة الشريفة من الحثّ على التكافل ومساعدة المحتاجين، قوله صلى الله عليه وسلم:

ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة، فرَّج الله عنه كربة من كُرُبات يوم القيامة. (أخرجه البخاري: ٢٤٤٢، ومسلم: ٢٥٨٠)

ولا شكَّ أن المحتاجين للدم من المرضى هم ممن يصدق عليهم هذا الحديث، والتبرع بالدم شكلٌ من أشكال الصدقة الجارية، إذ بها تُنقَذُ أرواح كثيرٍ من الناس، فما أعظم هذا الأجر، أجرَ قضاءِ الحوائج وتفريجِ الكُرَب.

هذا بعض من الأحاديث الواردة في الحثّ على التعاون ومساعدة الفقراء والمرضى والمحتاجين، والوارد في هذا الباب كثير، ويكفي أنْ جعل الله سبحانه وتعالى مساعدة الفقراء والمرضى والضعفاء، والاعتناء بهم، وبركات دعواتهم، سبباً من أسباب النصر، وباباً من أبواب سعة الرزق، فقد جاء في الحديث الذي أخرجه أبو داود عن سيدنا أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

اِبغُوني الضَّعفاء، فإنما تُرزَقون وتُنصَرون بضعفائكم. (أخرجه أبو داوود: ٧٧٩)

وعوداً على بدء، بعد أن علمنا أجر التكافل والتعاون وقضاء الحوائج ومساعدة المحتاجين، فلا يخفى ما مَرَّ به العالم أجمع خلال السنة الماضية على سبيل الخصوص، من وباء عظيم انتشر في جميع البلاد مخلفاً وراءه مئات الآلاف من الموتى وملايين المصابين، نعم إنه وباء فيروس كورونا (COVID-19) الذي لم يترك بلداً من البلاد إلا زاره وأقام فيه.

وقد كان من نتيجة هذا الوباء أن ازداد الفقر، وتعطّلت أعمال كثير من الناس، وفقد آخرون أعمالهم وأشغالهم، وصاروا بلا مورد رزق، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كان لهذا الوباء أثر سلبي على المنظومة الصحية وخصوصاً على الأطفال المصابين بمرض الثلاسيميا (Thalassemia)، والثلاسيميَّة: "هو اضطراب دم وراثي يؤدي إلى انخفاض نسبة الهيموغلوبين في الجسم عن المعدل الطبيعي. يُمكِّن الهيموغلوبين خلايا الدم الحمراء من حمل الأكسجين. تتطلّب الأشكال الأكثر حدة من هذا المرض إلى عمليات نقل دم منتظمة".

فيحتاج بعض المصابين بهذا المرض إلى الدم بشكل منتظم قد يصل في بعض الأحيان إلى مرّتين في الشهر، ومع انتشار وباء كورونا نقص عدد المتبرّعين بالدم في كثير من البلدان الإسلامية، وصار أصحاب هذا المرض وخصوصاً الأطفال منهم في حالةٍ تُدْمِي القلب وتُذهِب اللبّ.

من هنا، ومن معرفة هذا الواقع، قام فضيلة العارف بالله، الداعية الكبير والعارف الشهير الشيخ محمد إلياس العطار القادري حفظه الله ورعاه وأمتع بحياته بالقيام بواجب العلماء الربّانيّين، الذين يعرفون واجب الوقت ويهتمّون لأمر المسلمين، فالصوفي ابن وقته كما قالوا، فقام الشيخ حفظه الله تعالى بدعوة الناس وحثّهم على التبرّع بالدم من أجل مساعدة هؤلاء المرضى، كما قام من قبلُ خلالَ الأزمة بالدعوة إلى التبرّع بالأموال والأطعمة من أجل مساعدة مئات الآلاف من المسلمين المتضرّرين بسبب وباء كورونا.

وقد أطلق مركز الدعوة الإسلامية مبادرة (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ) فلاقت هذه المبادرة الطيبة استجابةً واسعة، كما لامست كلمات الشيخ كعادتها قلوبَ كثيرٍ من المسلمين، فاستجابوا لدعوات الشيخ وقام الآلاف منهم بالتبرُّع بالدم.

وكان بحمد الله تعالى موظّفوا مركز الدعوة الإسلامية في مقدّمة المتبرّعين بالدم، فقد تبرّع الآلاف منهم بالدم لوجه الله تبارك وتعالى طلباً للثواب وابتغاءً للرضى منه جلَّ وعلا، وقياماً بواجب التكافل الاجتماعي الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد قامت مؤسسة "فيضان العالمية للإغاثة الإنسانية (FGRF)" التي أنشأها مركز الدعوة الإسلامية بتقديم أكثر من ٥٠ ألف كيسٍ من الدم للمحتاجين من مرضى الثلاسيميا، وذلك استجابة لإشارة الشيخ محمد إلياس حفظه الله مؤسس المركز.

ومؤسسة فيضان العالمية للإغاثة الإنسانية (FGRF) هو القسم الذي أنشأه المركز لمساعدة الفقراء والمحتاجين وخصوصاً المتضرّرين من آثار الأوبئة والأمراض والنوازل حول العالم.

وفي الختام، بعد أن رأينا أهمية التبرّع بالدم وكيف أنه كالصدقة الجارية، ورأينا أهمية التكافل والتعاون والتراحم والعمل الصالح، واطلعنا على بعض النشاطات التي يقوم بها مركز الدعوة الإسلامية في هذا المجال، يجدر بكل واحد منا أن يكون له بصمة في هذا المضمار، وذلك من خلال التبرع بالدم والمال، والمساهمةِ في نشر الخير وخدمة المسلمين، ودعمِ هذا الصرح الكبير صرحِ مركز الدعوة الإسلامية العالمي، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يجعلنا ممن يقومون بما كلَّفهم الله به لنكون ممن قاموا بالتكليف فنالوا التشريف إنه سميع قريب مجيب والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

تعليقات



رمز الحماية