مدونات مختارة

مازالت السيرة النبوية أسوة حسنة للجميع، وهي بمنزلة النخلة المرطبة التي لا يزال يسقط علينا شيء منها، وهي كالماء الذي نزل إلى الأرض، فروت، وأورقت، وأخضرت، وأينعت، فرُوي الظمآن منها، وامتلأ العطشى من روايتها، وفي سيرته ﷺ راحة للعاشقين، وسراج للسالكين، ومصباح للمقربين، ومنهاج للعابدين، وقد فاح المسك من جوانب سيرته العطرة ﷺ في كتب السير والمغازي، والصحاح والسنن، وهكذا تطلّعتْ إلى معجزاته الظاهرة عقول العلماء رحمهم الله، لكن لا يقف أحد على استقصاء معجزاته ﷺ، ومن معجزاته الساطعة "الإسراء والمعراج"، الذي كان على مشهور أقوال العلماء في ليلة السابع والعشرين من رجب في السنة الحادية عشر من البعثة قبل الهجرة بسنتين. (روضة الطالبين للنووي: 10/206)

والمعجزة هي من الظواهر الخارقة التي تميزت بها الرسالات السماوية، حيث تُظهر قدرة الله تعالى في تحدي نواميس الكون، لتكون دليلًا على صدق الأنبياء في دعواهم، وفيما يلي تعريفٌ موجزٌ للمعجزة وفقًا لبيان العلماء، مع توضيح لأهم عناصره الأساسية، وبعده تعريف الإسراء والمعراج لنتعرف على الدروس والعبر المستفادة منهما.

تعريف المعجزة:

المعجزة هي: أمرٌ خارق للحكم العادي، مقرونٌ بالتحدّي، مع عدم المعارضة. (شرح المقاصد: 3/273)

تفصيل هذا التعريف:

والمقصود بخارق للحكم العادي أي: ليس على وفق عادة وسنن الكون.

ومقرون بالتحدّي أي: أنّ المعجزة تظهر على يد مدّعٍ للنّبوّة.

والمقصود بعدم المعارضة: ألا يقدر أحدٌ غيره على فعل مثلها بلا واسطة.

فالإسراء من مكة إلى القدس يعتبر معجزة لأنه تم بلا واسطة مادية، أما الانتقال بالطائرة فهو ليس معجزة؛ لأنه يتم بواسطة مادية وبحسب قوانين الكون. (مجلة نفحات المدينة: العدد الرابع، صـ 30)

رحلة الإسراء والمعراج

تعريف الإسراء والمعراج:

الإسراء: هي رحلة أرضية أكرم الله بها نبيه ﷺ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.

وأما المعراج: فهو عروجه ﷺ من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى، إلى سدرة المنتهى، ثم إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام، ثم إلى مقامٍ رأى فيه ربه بلا كيف ولا تمثيل، والمعراج رحلة سماوية علوية، إلى عوالم غيبية.

حقيقة رحلة الإسراء والمعراج وحكم منكرهما:

هي الرحلة المباركة كانت بالجسم والروح معًا عند الجمهور، وهي ثابتة بنص القرآن، والسنة، وإجماع المسلمين، فمن أنكر الإسراء فهو كافر، ومن أنكر المعراج فهو ضال مبتدع. (شرح الفقه الأكبر للملا علي القاري: 1/322)

الدروس المستفادة من الإسراء والمعراج

بعد تعريف الإسراء والمعراج وحمكهما في النهاية نحن نشير إلى العبر والدروس المستفادة منهما.

أهم الدروس والعبر:

رحلة الإسراء والمعراج أتت بمصابيح في الدجى ومفاتيح لهدْي للحائرين والضالين، منهما يستمد كل من له قلب عبرًا ودروسًا:

منها: في الإسراء والمعراج إظهار لقدرة الله تعالى بأنه قادر على كل شيء، وعلى العبد ألا ييأس من أتفه أموره، بل يجعل قبلة قلبِه إلى الذي قال: (سبحان الذي أسرى بعبده).

منها.... إخبار نبوة النبي محمد ﷺ وصدقها.

منها.... إخبار أفضلية رسولنا الصادق الأمين ﷺ على الجميع حيث أن نبينا محمدًا ﷺ كان إمامًا للأنبياء والمرسلين عليهم السلام في تلك الليلة.

منها.... إخبار أن النبي محمدًا ﷺ هو خاتم الأنبياء بعدما صلّى بهم إمامًا.

منها: الإسراء والمعراج يقويان إيماننا بالغيب حيث رأى نبيُنا محمدٌ ﷺ الجنةَ التي أعدّت للمتقين والنار التي أعدّت للكافرين.

منها.... مكانة القبلة الأولى للمسلمين وشأنها في نظر القرآن، حيث جعلها اللهُ الأرضَ المباركة للعالمين.

منها..... أهمية الصلاة ومنزلتها عند الله -سبحانه وتعالى-؛ لأن الله فرضها في ليلة الإسراء والمعراج، فإذا كان النبي ﷺ قد عرج به إلى السماوات العلا فلك يا أخي المسلم معراج روحي، تستطيع أن ترقى به ما شاء الله عز وجل، بواسطة الصلاة التي قيل عنها "الصلاة معراج المؤمن".

منها.... إظهار شجاعة النبي ﷺ في الجهر بالحقّ، حيث ظهر ذلك في مواجهته ﷺ للمشركين بأمر تنكره عقولهم، ولم يمنعه ذلك من الجهر به، فضرب بذلك ﷺ لأمته أروع الأمثلة في وقوف الحق أمام الباطل وأهله.

منها.... انتقال النبى ﷺ من مرتبة علم اليقين إلى مرتبة عين اليقين، وأنه إذا قلنا أن النبي ﷺ أخبرنا بأن الجنة فيها ما لا عينٌ رَأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر فنحن نصدّقه ولكننا لم نر شيئًا.

منها.... صلابة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وثقته في قائده، فقد دعمه وصدقه حينما كذب بقصته أهل مكة.

اللهم اجعلنا من الذين يستفيدون من دروس الإسراء والمعراج، واجعلنا ممن يشهدون بفضل نبينا وحبيبنا محمد ﷺ ويقتفون أثره. آمين.