الحج رحلة إيمانية وتربوية اجتماعية | إدارة الشؤون العربية التابعة لمركز الدعوة الإسلامية


نشرت: يوم الخميس،13-يونيو-2024

الحج رحلة إيمانية وتربوية اجتماعية

الحج أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام لقول النبي ﷺ:

بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ. (صحيح البخاري: 8)

فالحج فرض مركب من العبادة القولية والفعلية والبدنية والمالية معًا، ورحلة الحج رحلة إيمانية تلامس الروح، وتحرك المشاعر، يتحرك المسلمون من شتى بقاع الأرض متوجهين نحو البقعة المباركة، حيث فيها بيت الله العتيق والمشاعر المقدسة، وقد نزل هناك أول الوحي على حبيبنا ونبينا وسيدنا محمد ﷺ، يجد المؤمن في تلك الرحلة راحة روحية لا مثيل لها، ويتحد مع إخوانه من شتى أنحاء العالم في شعور عميق بالإيمان والوحدة، ويشتاق لرؤية بيت الله الحرام وقد أحسن القائل:

أشواقنا نحو الحجـاز تطلعـت كحنين مغترب إلى الأوطـان

إن الطيور وإن قصصت جناحها تسمو بفطرتها إلى الطيـران

مفهوم الحج:

الحج لغة: القصد إلى معظّم لا مطلق القصد كما يظن البعض. (رد المحتار على الدر المختار: 2/454)

وكما قال الشاعر:

وأشهد من عوف حلولا كثيرة ... يحجون سب الزبرقان المزعفرا

أي يقصدون له معظمين إياه. (المبسوط: 4/2)

وفي الشريعة: عبارة عن زيارة بيت الله العتيق على وجه التعظيم لأداء ركن من أركان الدين عظيم (المبسوط: 4/2 بتصرف)

حكم الحج:

الحج فريضة محكمة ثبتت فرضيتها بدلائل مقطوعة حتى أنه يكفر جاحدها، ولا يجب في العمر إلا مرة واحدة على المستطيع (الفتاوى الهندية: 1/ 216)

فرضية الحج:

ثبتت مشروعيته بالنصوص القطعية من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وبإجماع علماء الأمة الإسلامية والمعقول أيضا وهو فرض عين لا فرض كفاية فهو واجب على كل من استجمع شرائط الوجوب (بدائع الصنائع: 2/118-119 بتصرف)

فرضية الحج بالكتاب:

من آيات القرآن الكريم الدالة على وجوب الحج قوله تعالى:

وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ (آل عمران: 97)

وقوله تعالى:

وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ٢٧ (الحج)

فرضية الحج في الأحاديث المباركة:

روي عن النبي ﷺ أنه قال:

بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ (صحيح البخاري: 8)

ولما روي عن النبي ﷺ أنه قال:

مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا (سنن الترمذي: 812)

فرضية الحج بإجماع الأمة:

لقد اتفق المسلمون على وجوب الحج بعد فرضيته كما قال العلامة أبو بكر الكاساني إن الأمة أجمعت على فرضيته. (بدائع الصنائع: 2/118)

فرضية الحج بالمعقول:

إن العبادات وجبت لحق العبودية، أو لحق شكر النعمة إذ كل ذلك لازم في المعقول وفي الحج إظهار العبودية، وشكر النعمة (بدائع الصنائع: 2/118)

متى فرض الحج؟

الصحيح أن الحج فرض في أواخر سنة تسع، وأن آية فرضه هي قوله تعالى:

وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ (آل عمران: 97)

وهي نزلت عام الوفود أواخر سنة تسع، وأنه ﷺ لم يؤخر الحج بعد فرضه عاماً واحداً، وهذا هو اللائق بهديه وحاله ﷺ. (رد المحتار على الدر المختار: 2/455)

أحكام الحج:

رحلة الحج رحلة مميزة من نوعها، حيث يلتزم فيها الحجاج بشروط وأحكام معينة، تُضفي على رحلتهم القدسية والهيبة، ويستشعرون التقرب إلى الله من خلال هذا الركن العظيم، وفي هذا المقال، نُقدم للقارئ بعض هذه الأحكام:

أولا: شروط وجوب الحج

وهي على نوعين:

النوع الأول: عام للرجال والنساء وهو:

1. الإسلام

2. العقل

3. البلوغ

4. الحرية

5. صحة البدن

6. ملك الزاد والقدرة على الراحلة (أن يكون هذا المال زائدا عن احتياجات المسلم الأساسية، مثل المسكن والطعام والملبس ووسائل النقل ونفقة عياله إلى عودته)

7. الوقت لقوله تعالى:

ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٞ مَّعۡلُومَٰتٞۚ (البقرة: 197)

8. العلم بكون الحج فرضا (العلم المذكور يثبت: لمن في دار الإسلام بمجرد الوجود فيها، ولمن في دار الحرب بإخبار رجلين أو رجل وامرأتين، ولو مستورين أو واحد عدل)

النوع الثاني: يخص النساء فقط:

(1) وجود المحرم أو الزوج

(2) ألا تكون معتدة عن طلاق أو وفاة

فلا يجب الحج على الكافر ولا على العبد ولا على المريض غير القادر على السفر ولا على المرأة التي ليس لها محرم أو هي معتدة عن طلاق أو وفاة، ولا على المجنون ولا على الصغير، ولكن لو حج الصغير أو المجنون ونوى عنهما وليّهما صح الحج تطوعاً ولا تسقط فريضة الحج، فلو بلغ الصبي أو أفاق المجنون وجبت عليهما الفريضة. (الفتاوى الهندية وبدائع الصنائع، كنز الدقائق، البناية شرح الهداية)

ثانيا أركان الحج:

للحج ركنان فقط:

1. الوقوف بعرفة

2. طواف الزيارة.

أما الإحرام فهو شرط لصحة أدائه كتكبيرة الافتتاح في الصلاة وقد عده البعض في الأركان

ثالثا واجبات الحج:

واجباته خمسة:

1. السعي بين الصفا والمروة

2. الوقوف بمزدلفة

3. رمي الجمار

4. الحلق أو التقصير

5. طواف الصدر للآفاقي (الفتاوى الهندية، وبدائع الصنائع، در المحتار على الرد المختار، البناية شرح الهداية)

أنواع الحج

أنواعه ثلاثة:

التمتع: وهو أن يبتدئ من الميقات في أشهر الحج فيحرم بعمرة ويدخل مكة فيطوف لها ويسعى ويحلق أو يقصر، وقد حل من عمرته، ويقطع التلبية إذا ابتدأ بالطواف، ويقيم بمكة حلالاً، فإذا كان يوم التروية أحرم بالحج من المسجد، وفعل ما فعله الحاج المفرد.

غير أنه لا يطوف طواف التحية

القران: وهو أن يهل بالعمرة والحج معاً من الميقات

الإفراد: وهو أن يحرم المرء وينوي الحجّ فقط دون العمرة

الفوائد:

(1) يجب الهدي في القران والتمتع ولا يجب في الإفراد

(2) التمتع والقران للأفاقي فقط وليسا لأهل مكة ومن كان داخل المواقيت وإنما لهم الإفراد خاصة.

(3) حج القران أفضل من التمتع والإفراد، والتمتع أفضل من الإفراد. (الفتاوى الهندية، وبدائع الصنائع، در المحتار على الرد المختار، البناية شرح الهداية)

خطوات الإحرام وآدابه:

إذا أراد المسلم الإحرام اغتسل أو توضأ ولبس ثوبين جديدين أو غسيلين إزاراً ورداءً ومس طيباً وصلى ركعتين ثم يقول: اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني، ثم يلبي عقيب صلاته، والتلبية أن يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

فإذا لبى فقد أحرم، فليتق ما نهى الله عنه من الرفث والفسوق والجدال، ولا يقتل صيداً، ولا يشير إليه، ولا يدل عليه، ولا يلبس قميصاً ولا سراويل ولا عمامةً ولا قلنسوةً ولا قباءً ولا خفين إلا ألّا يجد النعلين فيقطعهما أسفل الكعبين، ولا يغطي رأسه ولا وجهه، ولا يمس طيباً، ولا يحلق رأسه، ولا شعر بدنه، ولا يقص لحيته، ولا من ظفره، ولا يلبس ثوباً مصبوغاً بورسٍ ولا زعفرانٍ ولا عصفرٍ ولا بأس أن يغتسل، ويدخل الحمام، ويستظل بالبيت، والمحمل، ويشد في وسطه الهميان، ولا يغسل رأسه ولا ليته بالخطمي ويكثر من التلبية عقب الصلوات، وكلما علا شرفاً، أو هبط وادياً، أو لقي ركباناً، وبالأسحار ويرفع صوته بالتلبية. (بداية المبتدي: 1/ 43 بتصرف)

فضائل الحج وفوائده

تمثل فريضة الحج رحلة إيمانية وتربوية واجتماعية عبر التاريخ، تؤثر على حياة المسلم بشكل كبير، وتغير من سلوكه وأخلاقه، مما يؤدي إلى بناء مجتمع إسلامي متحد وقوي.

شرعه الله لعباده رحمة بهم وإحسانا إليهم وحماية لهم، وللحج فضائل عديدة ومنافع كثيرة منها:

* الحج يهدم ما قبله من الذنوب

* الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة

* الحج من أفضل أعمال البر

* الحج يعدل الجهاد في سبيل الله

* الحج يطهر النفس من الذنوب والسيئات

* الحج فرصة للتوبة والرجوع إلى الله تعالى

* الحج فرصة لاستجابة الأدعية

* الحج فرصة لزيارة الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

* الحاج وافد على الله سبحانه وتعالى

وأما الفوائد فهي:

التقرب إلى الله تعالى

التفكر في عظمة الله تعالى

تربية النفس على الصبر والتحمل

تعزيز الأخوة الإسلامية

التعلم من تجارب الآخرين

الشعور بالراحة النفسية

الشعور بالرضا والسعادة

الشعور بالوحدة الإسلامية

التعارف بين المسلمين

وغيرها مما لا يحصى...

وإنّ ما تقدّم من أفكار لا يمثل سوى غيض من فيض مما ورد في الكتاب والسنة من هدي وبيان.

ختامًا:

يشهد التاريخ على عظمة بيت الله الحرام، ذلك البناء الشامخ الذي يمدّ جذوره في عمق الحضارة الإنسانية. فمنذ فجر التاريخ، ظلّ رمزا للوحدة والإيمان، وقبلة للمسلمين من كلّ فجّ عميق كما قال الله تعالى:

وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ٢٧ (الحج)

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيرها: أَيْ: نَادِ فِي النَّاسِ دَاعِيًا لَهُمُ إِلَى الْحَجِّ إِلَى هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَمَرْنَاكَ بِبِنَائِهِ.

فَذُكر أَنَّهُ قَالَ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أُبْلِغُ النَّاسَ وَصَوْتِي لَا يَنْفُذُهُمْ؟

فَقِيلَ: نَادِ وَعَلَيْنَا الْبَلَاغُ.

فَقَامَ وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنّ رَبَّكُمْ قَدِ اتَّخَذَ بَيْتًا فَحُجُّوهُ، فَيُقَالُ: إِنَّ الْجِبَالَ تَوَاضَعَتْ حَتَّى بَلَغَ الصَّوْتُ أَرْجَاءَ الْأَرْضِ، وأسمَعَ مَن فِي الْأَرْحَامِ وَالْأَصْلَابِ، وَأَجَابَهُ كُلُّ شَيْءٍ سَمِعَهُ مِنْ حَجَر ومَدَر وَشَجَرٍ، وَمَنْ كَتَبَ اللَّهُ أَنَّهُ يَحُجُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ........... (تفسير ابن كثير: 5/414)

نسأل الله تعالى أن يجود علينا بزيارة بيت الله الحرام، وروضة حبيبه سيد الأنام ﷺ، ونلتمس منه سبحانه وتعالى أن يهيئ لنا سبل الراحة والتيسير، ويجعل قلوبنا خاشعةً، وخشوعنا خالصاً لوجهه الكريم.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية

تعليقات



رمز الحماية