دروس خالدة من ينابيع كربلاء | محمد إلياس السكندري


نشرت: يوم الثلاثاء،09-يوليو-2024

دروس خالدة من ينابيع كربلاء

ينير لنا التاريخ دروب الحكمة والهدى، ويرشدنا إلى معالم السعادة والنجاح ومن أعظم كنوز المعرفة تلك السير العطرة للأنبياء والمرسلين وعلى رأسهم سيدهم وخاتمهم سيدنا محمد ﷺ ثم أصحابه رضوان الله عليهم ثم التابعين وتبع التابعين وغيرهم من الأولياء المربين والعلماء الصالحين الذين أضاءوا الدنيا بنور علمهم وتقواهم. وقد أحسن القائل:

"فاتني أن أرى الديار بطرفي*****فلعلي أرى الديار بسمعي"
(طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 10/282)

يؤكد العلامة ابن الجوزي رحمه الله تعالى على أهمية ملاحظة سير السلف قائلا: عليكم بملاحظة سير السلف ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم (صيد الخاطر: 1/454)

واعلموا أن سير الصحابة الكرام والأولياء الكاملين هي مدارس ننهل منها طريق الحياة وكيفية عمرانها بالتقوى والصلاح. ففي سيرهم تضيء لنا معالم النجاح الدنيوي والأخروي، ونرى كيف صبروا وجاهدوا وعاشوا حياة مباركة حافلة بالخير والعطاء يؤكد العلامة محمد بن يونس رحمه الله تعالى قائلا: ما رأيت للقلب أنفع من ذكر الصالحين" (صفة الصفوة: 1/18).

فذكرهم يحرك القلوب ويشعل فيها شمعة الإيمان والتقوى، ويحفزنا على السير على خطىهم كما قال الله تعالى في سورة يوسف:

لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي ٱلْأَلْبَٰبِۗ (يوسف: 111).

من ينابيع التاريخ الإسلامي

فمن ينابيع التاريخ الإسلامي العظيم، تظهر علينا حكاية "كربلاء"، مأساة خالدة تُروى عبر الأجيال، ففي تلك الواقعة الأليمة، تجلت أروع معاني البطولة والتضحية والفداء، وبرزت عظمة الإيمان والصبر في أسمى صورها.

فمن بين ثنايا تلك الأحداث، نستقي دروسًا عظيمة تنير دروبنا، وترشدنا إلى طريق الحق والفضيلة.

ففي صمود الإمام الحسين رضي الله عنه وصحبه رحمهم الله، نتعلم معنى الثبات على المبدأ، والدفاع عن الحق مهما كانت التضحيات.

وفي تضحياتهم الجسيمة، ندرك قيمة الإيمان الحقيقي، وندرك عظمة رسالة الإسلام السمحة.

فـ"كربلاء" ليست مجرد حادثة تاريخية، بل هي شمس أشرقت في سماء التاريخ، ونور هدى الضالين، وظلّ أوى به اللاجئون، وحكاية خالدة تجسّد أسمى معاني التضحية، والبطولة، والإيمان.

فنحن اليوم لا نسرد أحداثها، بل نقف أمامها وقفة تأمّل، نستقي من دروسها، ونتعلم من تضحيات أبطالها، ونستلهم من إيمانهم، ليكونوا لنا نورًا نستضيء به، وهديًا نتبعه في دروب الحياة."

من هو بطل كربلاء؟

إنه ريحانة النبي ﷺ في الدنيا، إنه ابن سيدنا علي كرم الله وجهه الكريم، إنه ابن بنت رسول الله ﷺ سيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، إنه سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما.

فقد حظي بمكانة عظيمة ومنزلة رفيعة ليس لأنه سبط رسول الله ﷺ فحسب بل لما بذله من تضحيات جسام في سبيل نشر الإسلام والدفاع عن الحقّ والعدالة.

الدروس المستفادة:

تتدفق من ينابيع "كربلاء" العظيمة دروسٌ لا تنضب، وعبرٌ خالدة تنير دروبنا، وترشد خطواتنا نحو الحق والعدل والإنسانية، فمن هذه الدروس الجليلة:

(1) الصمود والثبات في مواجهة كل التحديات: التحديات الفكرية، والثقافية، والنفسية، والاجتماعية، والسياسية، والإعلامية كما يروى أنه رضي الله عنه قد دُعي من قبل والي المدينة "الوليد بن عتبة" للبيعة ليزيد بن معاوية، فرفض الإمام الحسين رضي الله عنه البيعة علنًا، مؤكّدًا على موقفه الثابت من مبادئ الإسلام وعدم تنازله عن قيمه قائلا:

فَإِنَّ مِثْلِي لَا يُبَايِعُ سِرًّا وَلَا يُجْتَزَأُ بِهَا مِنِّي سِرًّا. (الكامل في التاريخ: 3/128)

(2) التضحية لأجل الحفظ على حرمات شعائر الله تعالى: كما مر معنا ردّ الإمام الحسين على ابن عباس رضي الله عنهما حين استشاره في الخروج كان ردّه رضي الله عنه صريحًا وقاطعًا: لان أقتل في مكان كذا وكذا أحب إلي من أن أقتل بمكة. (البداية والنهاية: 8/ 172)

(3) الحفاظ على أداء الفرائض والواجبات: ففي ليلة عاشوراء، وبينما كان ساحة المعركة تشتعل ضراوة، وقف سيدنا الحسين رضي الله عنه شامخًا، محاطًا بأعدائه من كل جانب، لم يثنه زئير السيوف وحدة الرماح عن هدفه الأسمى، بل ظل إيمانه الراسخ وتقواه العميقة ينيران طريقه.

وبينما كان الموت يلوح في الأفق، لم ينسَ لحظةً واجبه الديني، ولم يضعف إيمانه، بل حافظ على أداء الصلاة والدعاء، كما روي أنه خاطب سيدنا الحسين رضي الله عنه أحد أصحابه، قائلاً: "ارْجِعْ فَارْدُدْهُمْ هَذِهِ الْعَشِيَّةَ لَعَلَّنَا نُصَلِّي لربنا هذه الليلة ونستغفره وندعوه، فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ مِنِّي أَنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ لَهُ، وَتِلَاوَةَ كِتَابِهِ، وَالِاسْتِغْفَارَ وَالدُّعَاءَ". (البداية والنهاية: 8/ 191)

(4) الرضي والتسليم لقضاء الله تعالى وقدره: ففي يوم عاشوراء، وقف سيدنا الحسين رضي الله عنه، كجبل شامخ، لا تهزه العواصف، ولا تلين عزيمته، واجه المصائب العظيمة، التي لو وضعت على الجبال لذابت من شدتها، بصبرٍ وإيمانٍ لا مثيل لهما وقد أحسن القائل:

صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبٌ لَوْ أَنَّهَا*****صُبَّتْ عَلَى الأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا
(سير أعلام النبلاء: 3/ 426)

ولكن لم يصدر من سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما أي شكوى أو جزع، بل سلم أمره لله تعالى في جميع المواقف، فقد قُتل ابنه علي الأكبر، وأخوه أبو الفضل العباس، وطفله الرضيع عبد الله، وأهل بيته وأصحابه جميعًا، ولم يصدر عنه كلمة واحدة أو موقف واحد يدل على عدم الصبر، بل الرضى التام بقضاء الله وقدره.

ولكن دروس كربلاء لا تنحصر في هذه الأمثلة، بل تمتد لتشمل:

الشجاعة والإقدام: فقد واجه الإمام الحسين رضي الله عنه جيشًا جرارًا بقلة قليلة، إيمانًا منه بعدالة قضيته.

الأخوة والتعاون: فقد وقف أصحابه معه موقفا بطوليا، يدافعون عنه بكل ما أوتوا من قوة.

العطاء والإيثار: فقد بذل الإمام الحسين رضي الله عنه وأهل بيته وأصحابه كل ما يملكون في سبيل نصرة الحق.

تعد واقعة كربلاء ينبوعًا لا ينضب من الدروس والعبر، ومدرسة تعلمنا قيمًا إنسانية سامية، مثل: الإيمان والعدالة والتضحية والصبر والإيثار والأخلاق الحميدة والوفاء بالعهد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشعور بالمسؤولية فلنتأسى به -رضي الله عنه- في أخلاقه وسلوكه، ونستنر بعلمه ونتحلى بتقواه، ونتذكر فضله العظيم علينا، فهو نجم ساطع في سماء الإسلام، يهتدى به في دروب الحق والهدى، ونور مضيء ينير دروب المسلمين في كل زمان ومكان.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية

تعليقات



رمز الحماية