مدونات مختارة
الأكثر شهرة
الإمام الحسين رضي الله عنه نور الحق وشعلة الخلود في مسيرة الإنسانية | محمد رضا القريشي
كان سيدنا الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما رمزًا خالدًا في العدل والشجاعة والتضحية في سبيل الحق، قاد ثورةً عظيمة ضد الظلم والاستبداد، مثّلت شخصيته الالتزام العميق بالقيم الإسلامية، فصار اسمه مرتبطًا بالتضحية والكرامة، حيث قدم حياته في معركة كربلاء ليحافظ على مبادئ الإسلام، ولا تزال ذكراه حية في قلوب ملايين المسلمين، لكونه منارةً للحرية والعدل في وجه الطغاة، وقد شكّلت مسيرته العظيمة منعطفاً كبيراً في تاريخ الأمة الإسلامية والعالم الإنساني.
نسبه ومولده:
سبطُ النبي ﷺ وريحانته ينتمي إلى أشرف بيت عرفه التاريخ، فهو ابن سيدنا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، والسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنهما بنت رسول الله ﷺ سيدة نساء العالمين.
ولد في 5 شعبان سنة 4 هـ بالمدينة المنورة (معجم الصحابة للبغوي: 2/14)،
وسمّاه جده "الحسين" وهو اسم لم يُسمع به من قبل في الجاهلية. ( تاريخ دمشق لابن عساكر: 13/171)
وترعرع في كنف بيت النبوة، فنهل من نورها وتعلم من حكمتها، وظل نسبه الشريف وحياته عنوانًا للعظمة والكرامة، مما جعله موضع محبة واحترام لدى المسلمين.
رؤيا أمّ الفضل قبل مولده:
رأت السيدة أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنهما رؤيا غريبة في منامها ولم تستطع تفسيرها، فتوجهت إلى رسول الله ﷺ لتسأله، فقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي رأيْتُ حُلمًا مُنكَرًا اللَّيلةَ، قالَ: «وما هو؟» قالَتْ: إنَّه شَديدٌ، قالَ: «وما هو؟» قالَتْ: رأيْتُ كأنَّ قِطْعةً من جسَدِكَ قُطِعَتْ ووُضِعَتْ في حِجْري، فقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: «رأيْتِ خَيرًا، تلِدُ فاطِمةُ إنْ شاءَ اللهُ غُلامًا، فيَكونُ في حِجرِكِ»، فولَدَتْ فاطِمةُ الحُسينَ رضي الله عنهما، فكانَ في حِجْري كما قالَ رَسولُ اللهِ ﷺ (المستدرك على الصحيحين للحاكم: 4818).
كنيته وألقابه:
كُني الإمام الحسين رضي الله عنه بـ"أبي عبد الله"، وهي أشهر كنية تدلّ على شخصيته الأبوية الحنونة، كما أطلق عليه ألقاب عديدة تدل على مكانته مثل "السبط" و"سيد الشهداء" و"ريحانة النبي ﷺ " و"سيد شباب أهل الجنة".
بيئته ونشأته:
نشأ الإمام الحسين رضي الله عنه في بيت النبوة، بيت تغمره القيم الإيمانية والأخلاق الرفيعة، تربّى على يد جده رسول الله ﷺ ، وتعلّم منه الأخلاق المصطفوية والعلم النافع كما قال حبر الأمة سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "الحسين من أهل بيت النبوة وهم ورثة العلم" ( تاريخ دمشق لابن عساكر: 14/183).
زوجاته وأبناؤه:
تزوج الإمام الحسين رضي الله عنه من عدة نساء في أوقات مختلفة، منهن:
شهر بانويه بنت يزدجرد رضي الله عنهما: وهي أم الإمام زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما، وكانت أميرة فارسية وابنة آخر ملوك الفرس، معروفة بشاه زنان أي ملكة النساء (لباب الأنساب للبيهقي: 22).
• ليلى بنت أبي مرة الثقفي رضي الله عنهما: وهي من عائلة نبيلة من الطائف ومكة، ووالدة علي الأكبر رضي الله عنه الذي استشهد في كربلاء بين يدي والده الحسين (تاريخ دمشق لابن عساكر: 41/362).
• الرباب بنت امرئ القيس رضي الله عنهما: وهي أم عبد الله الرضيع رضي الله عنه الذي قُتل في كربلاء، وأم سكينة بنت الحسين رضي الله عنهما ( نسب قريش للزبيري: 59).
• أُم إسحاق بنت طلحة التيمية رضي الله عنهما: كانت زوجة الإمام الحسن قبل الحسين رضي الله عنهما، وتزوّجها الحسين رضي الله عنه بوصية من أخيه الحسن رضي الله عنه وهي أم فاطمة رضي الله عنهما. (نسب قريش للزبيري: 59)
• امرأة من قبيلة قضاعة، وهي أم جعفر بن الحسين رضي الله عنهما الذي توفي في حياة والده (الطبقات الكبرى لابن سعد: 1/370).
أوصافه وملامحه
كان الإمام الحسين رضي الله عنه جميل الوجه، يشبه جده النبي ﷺ في ملامحه، كما كان يشبهه في أخلاقه ﷺ وقد وصفه محمد بن الضحاك قائلاً: " كان جسد الحسين شِبْهَ جسد رسول الله ﷺ" (المعجم الكبير للطبراني: 2845).
وقد تميز بابتسامة هادئة وأسلوب جذاب في الحديث، مما جعله محبوبًا بين الناس وقريبًا من قلوبهم، فقد جاء في الحديث عن عليّ كرم الله وجهه الكريم: " من سرّه أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله ﷺ ما بين عنقه إلى كعبه خلقًا ولونًا فلينظر إلى الحسين بن علي -رضي الله عنهما-". (المعجم الكبير للطبراني: 2768)
سماته وأخلاقه:
تميز الإمام الحسين رضي الله عنه بأخلاقه الرفيعة التي ورثها عن جده رسول الله ﷺ وأبيه علي رضي الله عنه" وكان سيِّداً زاهداً ورعاً صالحاً ناصحاً حسن الخُلُقِ" متواضعًا بعيدا عن الغرور والتكبر.
كرمه وشجاعته:
كان الإمام الحسين رضي الله عنه رمزًا للكرم والشجاعة في آن واحد، كيف لا وقد قال النبي ﷺ:
"أما الحسن فإن له هيبتي وسؤددي، وأما الحسين فله جرأتي وجودي" ( الشريعة للآجري: 1630).
فلم يكن يتردد في إكرام الضيف ومساعدة المحتاج، وفي ميدان الشجاعة، كانت معركة كربلاء خير شاهد على بطولته وصموده في وجه جيش كبير رغم قلة أنصاره.
قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى:
"بقي عامة يومه -في كربلاء- لا يقدم عليه أحد، حتى أحاطت به الرجالة، وهو رابط الجأش، يقاتل قتال الفارس الشجاع، إن كان ليشد عليهم، فينكشفون عنه انكشاف المعزى شد فيها الأسد" ( سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/302).
مواهبه العلمية:
كان الإمام الحسين رضي الله عنه عالِمًا ذا بصيرة نافذة، ورث عن جده وأبيه العلم الواسع، فكان مرجعًا للفقهاء في عصره، وكانت تعاليمه منارةً للعلماء والمفكرين إلى يومنا هذا.
وكان مجلسه مجلس علم ووقار في جامع جده رسول الله ﷺ، وله حلقة خاصة به، سأل رجل من قريش معاوية يومًا: أين يجد الحسين ؟ فقال له : " إذا دخلت مسجد رسول الله ﷺ فرأيت حلقة فيها قوم كأنّ على رؤوسهم الطير فتلك حلقة أبي عبد الله ". ( الطبقات الكبرى لابن سعد: 1/412)
من كلماته المضيئة:
• مَن أحبّنا للدنيا فإن صاحب الدنيا يحبه البر والفاجر، ومَن أحبّنا لله كنا نحن وهو يوم القيامة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى. ( المعجم الكبير للطبراني: 2880)
أدعيته ومناجاته:
كان للإمام الحسين رضي الله عنه أدعية ومناجات عظيمة، أشهرها دعاؤه في يوم واقعة الطف الذي يعكس روحه النقية وتواضعه أمام الله سبحانه وتعالى:
"اللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ وَرَجَائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ، وَأَنْتَ لِي فِي كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِي ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ، كَمْ مِنْ هَمٍّ يَضْعُفُ فِيهِ الْفُؤَادُ وَتَقِلُّ فِيهِ الْحِيلَةُ وَيَخْذُلُ فِيهِ الصَّدِيقُ وَيَشْمَتُ بِهِ الْعَدُوُّ أَنْزَلْتُهُ بِكَ وَشَكَوْتُهُ إِلَيْكَ رَغْبَةً إِلَيْكَ عَمَّنْ سِوَاكَ فَفَرَّجْتَهُ وَكَشَفْتَهُ وَكَفَيْتَنِيهِ، فَأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ، وَمُنْتَهَى كُلِّ رَغْبَةٍ". ( تاريخ الطبري: 5/423)
دعاء النبي لكل من يحب الإمام الحسين رضي الله عنه:
كان رسول الله ﷺ قد دعا لمن أحب الحسين بالخير والرحمة، وحثّ المسلمين على حبه حيث قال:
"حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط" ( سنن ابن ماجه: 144).
مكانته لدى معاصريه:
كان الإمام الحسين رضي الله عنهيحظى بمكانة عظيمة بين معاصريه، حيث كان محط احترام الجميع، حتى أعداؤه كانوا يشهدون بنبله وأخلاقه الرفعية، كان أهل المدينة والكوفة والعديد من البلدان الإسلامية يعرفونه كرجل عادل وصادق، اكتسب احترام القادة والعامة على حد سواء، لما كان يتمتع به من صدق وشجاعة.
* فقد قَالَ عبد الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما: " ابنا رسول الله ﷺ إنما كانا يُغَرَّان العلم غَرّاً" ( المعجم الأوسط للطبراني: 4/91).
* وفي إحدى المرات، تعب الحسين فقعد على الطريق فجعل سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال الحسين: يا أبا هريرة ماذا تفعل؟ فقال سيدنا أبو هريرة: دعني فوالله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم (الطبقات الكبرى لابن سعد: 1/396).
فقهه وروايته للحديث:
كان الإمام الحسين رضي الله عنهمرجعًا في الفقه الإسلامي، فنقل عنه العديد من الصحابة والتابعين، وروى العديد من الأحاديث النبوية، وعُرف برؤيته المتعمقة في تفسير القرآن، وكانت فتاواه وآراؤه محط اهتمام الفقهاء، حيث أظهر فقهًا يعتمد على العقل والنقل. اشتهر بحكمته ودقة فهمه للشريعة، وكان له دور بارز في نقل التعاليم النبوية.
موقفه من أحداث وفتن الأمة الإسلامية:
اتخذ الإمام الحسين رضي الله عنه موقفًا حازمًا في مواجهة الفتن والأحداث التي عصفت بالأمة الإسلامية في عصره. فكان يسعى للإصلاح و يندد بكل ظلم وفساد ممن كان يسيطر على السلطة في زمانه وقد قال: "ألا ترون الحق لا يُعمل به، والباطل لا يتناهى عنه؟ ليرغبِ المؤمن في لقاء الله..." ( معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني: 2/669)،
" ثم قدّم نفسه دفاعاً عن قيم الإسلام الحقيقية، وكان يرى أن الوحدة والعدل هما السبيل للخروج من الفتن.
مشاركته في الفتوحات:
شارك الإمام الحسين رضي الله عنهفي عدد من الفتوحات الإسلامية خلال خلافة أبيه سيدنا عليّ وخلافة عثمان رضي الله عنهما، كان مقاتلًا شجاعًا، يقف في مقدمة الجيش مدافعًا عن الإسلام فنشره في البلاد، وساهم في المعارك التي عززت من قوة الدولة الإسلامية وتوسيع رقعتها، وكانت مشاركته في الفتوحات جزءًا من خدمته للأمة وجهوده في نشر الحق، منها:
1. غزو إفريقية عام 26 ه مع عبد الله بن أبي السرح (تاريخ ابن خلدون: 2/573)
2. فتوحات شمال إفريقيا عام 27 هـ.
3. حملة جرجان عام 30 ه بقيادة سعيد بن العاص ( الكامل في التاريخ لابن الأثير: 2/480)
4. فتح طبرستان عام 30 هـ مع سعيد بن العاص (البداية والنهاية لابن كثير: 10/232)
5. غزو القسطنطينية عام 51 هـ في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم. ( تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال للذهبي: 2/356)
إخبار النبي بمقتله:
أخبر النبي ﷺ عن استشهاد سيدنا الحسين رضي الله عنه في كربلاء فقال:
إن جبريل أخبرني أن ابني حسينا مقتول في أرض الطف، وأن أمتي ستفتن بعدي.." (مجمع الزوائد للهيثمي: 15114)
كما روى سيدنا عليّ رضي الله عنه: " ليُقتلن الحسين ظلماً، وإني لأعرف بتربة الأرض التي يُقتل فيها قريبا من النهرين" ( مصنف ابن أبي شيبة: 30690).
كانت هذه النبوءة مؤلمة لأهل البيت رضوان الله عليهم، حيث أدركوا مصير الحسين المحتوم، فكان النبي ﷺ دائمًا يدعو له ولأهل بيته، ويشدد على ضرورة محبتهم، وهذا الإخبار كان دليلاً على مكانة الحسين وعمق التضحية التي سيقدمها.
الإمام الحسين رضي الله عنه في معركة كربلاء:
كانت معركة كربلاء حدثًا فارقًا في تاريخ الإسلام، حيث قدم الإمام الحسين وأصحابه أرواحهم في سبيل الله، حين وقف بشجاعة في وجه جيش يزيد الذي فاقه عددًا وعتادًا، لكنه رفض الاستسلام للظلم. وقال: " وإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا جرما.." (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني: 2/39)
أصحابه الأوفياء:
رافق الإمام الحسين رضي الله عنه في كربلاء مجموعة من الأصحاب الأوفياء الذين قدموا حياتهم دفاعًا عن مبادئه. " وهم اثنان وسبعون رجلا" ( الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3/184)
كانوا قلّة لكنهم كانوا يتمتعون بإيمان قوي وشجاعة لا تُبارى، ضحوا بأنفسهم في سبيل نصرة الحسين والوقوف في وجه جيش الظلم حتى قال سيدنا الحسين رضي الله عنه: "فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي" ( الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3/166).
استشهاده ومكان دفنه:
استشهد الإمام الحسين رضي الله عنه يوم الجمعة في يوم عاشوراء من المحرم سنة 61 هـ في معركة كربلاء، (الطبقات الكبرى لابن سعد: 1/474)
بعد قتالٍ شرس ضد جيش يزيد، ودفن الحسينَ وأصحَابَه أهلُ الغاضرية من بني أسد بعد ما قتلوا بيوم (تاريخ الطبري: 5/455)
وكان استشهاده لحظة فارقة في تاريخ الأمة الإسلامية لأنه كان رمزاً للثبات في وجه الظلم.
تقول الرباب بنت امرئ القيس الكلبية، ترثي زوجها الحسين بن علي رضي الله عنهما:
إنَّ الذي كان نوراً يُستضاء به ... بكربلاء قتيلاً غيرَ مَدْفونِ
سِبط النبيِّ جزاكَ الله صالحةً ... عنا وجُنِّبتَ خُسرانَ الموازينِ
قد كنتَ لي جَبَلاً صعباً ألوذ به ... وكنتَ تَصْحبُنا بالرَّحْم والدين
مَن لليَتَامى ومن للسائلين ومَن ... يَقي ويأوي إليهِ كلُّ مِسكنِ؟ (الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة لمحمد التلمساني: 2/219)
كراماته بعد استشهاده:
ظهرت له العديد من الكرامات بعد استشهاده، وشهدها الناس على مر العصور، روى الزهري فقال: "لما قُتل الحسين بن علي رضي الله عنه لم يُرفع حجر ببيت المقدس إلا وجد تحته دمٌ عبيطْ" ( المعجم الكبير للطبراني: 2834)
كما ذكر بعضهم: "لما قتل الحسين اسودت السماء وظهرت الكواكب نهارا حتى رأيت الجوزاء عند العصر وسقط التراب الأحمر" ( تاريخ دمشق لابن عساكر: 14/226)،
وهناك الكثير من الكرامات الأخرى التي وقعت بعد مقتله، وتناقلتها الألسن ودوّنتها الكتب.
في الختام! هذا هو سيدنا الحسين رضي الله عنه ولقد كان رمزًا خالدًا للحق والعدل في أسمى معاني التضحية والفداء، وكان استشهاده في كربلاء ليس مجرد حدث تاريخي، بل هو درس للأجيال القادمة في مقاومة الظلم والدفاع عن القيم الإنسانية، وستظل ذكراه العطرة تضيء دروب الحق، وتجدد العزيمة في قلوب المؤمنين في كل زمان ومكان.
تعليقات