صور من محبة الكائنات لسيدالسادات صلي الله عليه وسلم | الشيخ فارس عمران


نشرت: يوم السبت،30-أكتوبر-2021

صور من محبة الكائنات لسيدالسادات صلي الله عليه وسلم

الحمد لله الذي أرسل نبيّه بالهدى والرحمة، والصلاة والسلام على نور المصطفى، كاشف الغمّة ومجلي الظلمة، وعلى آله وأصحابه نجوم الاهتداء في العتمة، وعلى من اهتدى بهديه وسار على نهجه، وبعد: ها هي أنوار شهر ربيع تلوح في الآفاق، وها هو الشوق يحدو بالعشّاق، وريح الصبا تحرك المشتاق، كيف لا وفيه مولد خير البرايا ونور الكائنات، وسراج الظلمات، ونبي الرحمات ﷺ.

بهجة ربيع الأول

وفي مثل هذا الشهر المبارك جرت عادة المسلمين وعباد الله الصالحين من العلماء الربّانيين والمحبّين الصادقين بالاحتفال بمولد سيد الأنبياء والمرسلين ﷺ تجديدًا للشوق وفتحًا لأنوار المحبة في قلوب المسلمين، فلا تخلو دار من دور المسلمين ولا قرية من قراهم ولا مصر كبر أو صغر من أمصارهم من زينة تُنْشَر وبهجة تُنْثَر، وحُقَّ لهم ذلك فقد فرحت به ﷺ جميع الكائنات، أفلا يفرح به من جاء مبعوثًا بالرحمة إليهم!؟

يقول العلامة القاضي الشيخ يوسف النبهاني رحمه الله في مولده المشهور:

واعلم بأن من أحبّ أحمدا
لابدّ أن يهوى اسمه مُرَدَّدَا
لذاك أهل العلم سنوا المولدا
من بعده فكان أمرًا رشدا
أرضى الورى إلا عديم رشدي
[حجة الله على العالمين، ص ١٧٩، بتصرف]

ولا شك أنّنا معاشر البشر لسنا الوحيدين في محبة سيد المرسلين، بل إنّ غيرنا من الكائنات يشاركنا هذا الشرف العظيم، فإنّ الكون بأجمعه لا شك طرب لمبعثه وابتهج بمولده ﷺ، ولْنُشِر في عجالة إلى بعض الصور التي تجلّت فيها محبة هذه الكائنات لسيد الوجودات ﷺ، ولنأخذَ من ذلك العبرة ونُرَوِّيَ أُوَار المحبة ونُحرِّكَ لواعج الشوق له ﷺ فإنّ في محبته خير الدنيا والآخرة.

حب الجمادات

أما الجمادات فقد قال سيدنا علي رضي الله عنه :

كُنتُ مع النبيِّ ﷺ بِمكَّةَ، فخَرَجْنا في بَعضِ نَواحِيها، فما اسْتقبَلَهُ جَبَلٌ ولا شَجَرٌ إلا وهُوَ يَقولُ: السلامُ عليكَ يا رسولَ اللهِ. (سنن الترمذي: ٣٦٢٦)

أما الجمادات فإليك جبل أحد ذلك الجبل العظيم الفخيم الضارب في الأرض جذوره، عندما صعد عليه النبي ﷺ لم يتمالك ذلك الطود العظيم نفسه فاهتزّ محبةً وطربًا بالنبي ﷺ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه

أنَّ رسول اللَّه ﷺ صعد أحدًا وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم، فقال رسول اللَّه ﷺ: اثبت أحدُ فإنَّما عليك نبيٌّ وصدِّيقٌ وشهيدان [صحيح البخاري، ٥٢٤/٢، (٣٦٧٥)]

وقد شهد النبي ﷺ لجبل أحد بالمحبة، ففي الحديث أيضًا عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

خرجت مع رسول الله ﷺ إلى خيبر أخدُمُه، فلما قدم النبي ﷺ راجعًا، وبدا له أُحُد، قال: «هذا جبلٌ يحبّنا ونحبّه» [صحيح البخاري، ٢٧٨/٢، (٢٨٨٩)]

لا تَلوموا لرجفةٍ واِضطرابٍ
أُحداً إذ علاه فالوجد داءُ
أحُد لا يُلام فهـو محبٌّ
ولَكَمْ أطرب المحبَّ لقاء

حنين الجذع وتسبيح الحصا

أما الحصى فقد سبّحت في يديه وأما الماء فقد نبع من أصبعيه ﷺ، وأما جذع النخيل فقد حنّ شوقًا إليه حين عنه نأى، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه

أنَّ النبي ﷺ، كان يخطبُ إلى جِذعٍ، فلمَّا اتّخذ المنبر ذهب إلى المنبر، فحنّ الجذعُ فأتاه فاحتضنه فسكن، فقال: «لو لم أحتَضِنهُ لحنَّ إلى يوم القيامة» [سنن ابن ماجه، ١٧٨/٢، (١٤١٥)]

حنّ جذعُ النخيلِ حين نأى
عنــهُ حَنيناً كأنّه عشراءُ
لَو قَلاهُ ولَم يصلهُ بضمٍّ
أحرَقتهُ مِن وجده الصعداءُ
وَالحَصى سبّحت لعظمِ نبيٍّ
جلَّ قَدراً وجلّت الخلفاءُ
مِثلَما سبّح الطعامُ سروراً
حينَ همّت بضمّه الأحشاءُ

شكوى الجمل لرسول اللهﷺ

وأما الجمل الذي أجهده التعب وأنهكته الحياة، لم يجد له من الضرّاء ملجًأ يرتمي على أعتابه غير الرحمة المهداة ﷺ، فعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما

أنّ النبي ﷺ دخل يَومًا حائطًا من حيطان الأنصار، فإذا جملٌ قد أتاه فجَرجَرَ، وذرفَتْ عيناه -قال بهزٌ وعفّان: فلما رأى النبي ﷺ حنّ وذرفَتْ عيناه- فمسح رسولُ الله ﷺ سَرَاتَه وذِفراه فسكن، فقال: «مَن صاحبُ الجمل؟» فجاء فتًى من الأنصار، فقال: هو لي يا رسول الله، فقال: «أمَا تتّقي اللهَ في هذه البهيمة التي ملّككها اللهُ، إنّه شكا إليَّ أنّك تُجيعُه وتُدئبُه» [مسند أحمد بن حنبل، ٤٣٦/١، (١٧٤٥)]

شكوى العصفور لرسول اللهﷺ

وأما الطير فلم يكن أقلّ معرفة من الجمل بمقدار النبي ﷺ، فقد ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:

كنّا مع رسول الله ﷺ في سفرٍ، ومررنا بشجرةٍ فيها فرخَا حُمَّرةٍ (طائر صغير كالعصفور)، فأخذناهُما، قال: فجاءت الحُمَّرة إلى رسول الله ﷺ وهي تصيحُ، فقال النبي ﷺ: «مَن فجَعَ هذه بفَرخيها؟» قال: فقلنا: نحن، قال: «فردوهما» [المستدرك للحاكم، ٣٣٩/٥، (٧٦٧٣)]

فها هي جموع الكائنات ترتمي على أعتاب هذا الحبيب، فمن جبل يطرب لملامسة جسده، وحجرٍ يسعد برؤية طلعة وجهه، وجذع ِنخلٍ يحنّ شوقًا لفقده قربه، أفلا يجدر بنا نحن معاشر البشر أن نكون أعظم محبة منهم للحبيب ﷺ وأشدَّ شوقًا له وأعظم ابتهاجًا به!؟

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يملأ أفئدتنا بمحبته وأن يحيينا على سنّته وأن يميتنا على محبّته وملَّته، إنه سميع قريب مجيب، والحمد لله رب العالمين.

تعليقات



رمز الحماية