من أسباب محق البركة وغلاء الأسعار | عرفان غجراتي


نشرت: يوم الخميس،25-مايو-2023

من أسباب محق البركة وغلاء الأسعار

التلميذ: ما معنى البركة؟ يا شيخي!

الشيخ: البركةُ: هي النماء والزيادةُ، وهي ثبوت الخير الإلهيّ في الشيء يا بنيّ! كما قال الله تعالى:

كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ

فلكثرة خيره ومنافعه وعلمه الغزير، وكونه هدايةً من كلِّ ضلالةٍ، وشفاءًا من كلّ داء، فهو أحقّ أن يُسمّى مُباركًا.

التلميذ: وما معنى مَحْق البركةِ؟ يا شيخي!

الشيخُ: المحقُ في لغة العرب: النقصان والمحو وذهاب البركة من الأشياء كما قال الله تعالى في كتابه الكريم:

يَمۡحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰاْ وَيُرۡبِي ٱلصَّدَقَٰتِۗ

أي: ينقص الله المال الرّبويّ ويستأصله ويذهب ببركته فلا يقبل منه عملا، ولا يجعل فيه نفعا لأصحابه، بخلاف المال المزكّى بالحلال والذي فيه نصيبٌ للصدقات على الفقراء، فإنّ الله يزيده ويبارك فيه ويقبل الصدقات التي يتصدّق بها أصحابه ويُضاعف لهم الأجر في دار الآخرة

التلميذ: ولكن يا شيخي! النّاس في هذه الأيام يعانون في أنحاء العالم كلّه من مشقّة تكاليف المعيشة وغلاء الأسعار، فهل لذلك علاقة بنزع البركة من حياتنا؟

الشيخ: بالطبع يا ولدي! لأن الله جل وعلا إذا جعل البركة في حياة الإنسان؛ صار القليل كثيرا، وعظم النفع وإن قل المال، فهناك كثير من أصحاب الدخل المنخفض يعيشون حياة سعيدة يرضون بها، ولا تظهر عليهم الحاجة، بل ويحسبهم الجاهل أغنياء من شدة التعفف والنزاهة، فالعبرة يا ولدي ليست بالكثرة ولكنها بالبركة، وإذا محق الله سبحانه وتعالى البركة من حياة الإنسان؛ صار الكثير قليلا، وقل النفع وإن كثر المال وفاض وازداد، ولذا نرى كثيرا من الناس يتذمرون دوما من ارتفاع الأسعار، ويتأففون من المشاكل الاقتصادية، فيغضبون ويقلقون ويتخيلون الواقع كارثيا مشرفا على نهاية العالم، وسبب ذلك محق البركة يا ولدي، فالعبرة ليست بالكثرة بل بالبركة.

التلميذ: إذا فكيف نستطيع أن ننال البركة في أرزاقنا ونتخلص من الأزمات المالية والاقتصادية العالمية؟

الشيخ: لقد سألت سؤالا في غاية الأهمية يا بني! وجواب سؤالك موجود في القرآن الكريم، يقول الله تعالى في كتابه الكريم:

وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَفَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَرَكَٰتٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ

أي: المطر من السماء والنبات من الأرض، فينال البشر في العالم كله الخير والبركة بالإيمان ولزوم التقوى، وهما أعظم الأسباب لرغد العيش وسلامة الحياة

ومن الأسباب الأخرى التي تَستجذب البركة في الحياة:

1- التوبة والاستغفار.

2. الأخذ بأسباب الكسب وتحرّي العمل الحلال مع التوكّل على الله تعالى.

3. برّ الوالدين وصلة الرحم.

4. أداء فريضة الزّكاة، والإنفاق في سبيل الله تعالى من الصّدقات النّافلة.

5. الإحسان إلى الضعفاءِ.

6. شكر الله تعالى على كلّ حال.

7. الزواج من أجل التعفّف.

8. استحضار القلب والخشوع في العبادات.

9. المتابعة بين الحجّ والعمرة.

التلميذ: وما هي الأسباب التي تمحق البركةَ من الأموال؟

الشيخ: جعل الله تعالى للمحق أسباب يا ولدي، إن تجرأ عليها الناس نزعت البركة من حياتهم، وقلت البركة في أرزاقهم، وهذه سنة إلهية ثابتة في الأرزاق والأموال، ونجدها جلية واضحة في قول الله تعالى:

وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن رِّبٗا لِّيَرۡبُوَاْ فِيٓ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ فَلَا يَرۡبُواْ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن زَكَوٰةٖ تُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُضۡعِفُونَ ٣٩

وفي قوله سبحانه وتعالى المذكور سابقًا:

يَمۡحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰاْ وَيُرۡبِي ٱلصَّدَقَٰتِۗ

فالأسباب التي تمحق البركة من الحياة والأموال والأرزاق كثيرةٌ منها:

1 ـ التعامل بالرّبا: وهو من أهمّ الأسباب التي تمحق البركة، وتنذر بالغضب والحرب الإلهيّة، قال تعالى في كتابه الكريم:

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ٢٧٨ فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُواْ فَأۡذَنُواْ بِحَرۡبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَإِن تُبۡتُمۡ فَلَكُمۡ رُءُوسُ أَمۡوَٰلِكُمۡ لَا تَظۡلِمُونَ وَلَا تُظۡلَمُونَ ٢٧٩

فالله لا يطرح البركة في أموال الذين يحاربونه بالرّبا، بل يُؤذِنهم ويحذّرهم بحرب منه عزّ وجلّ.

2 ـ كثرة المعاصي: لا شك أن كثرة الذنوب تنزع البركة من الرزق، فقد روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده عن سيدنا ثوبان رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ:

إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه

3 ـ الخيانة والغشّ في المعاملة: هذه أيضًا من أسباب نزع البركة، وقد تفشّى الخداع والحلف بالله تعالى كذبا بين الناس

في المجتمعات المتنوعة عامّة، وفي المجتمعات الإسلاميّة خاصّة، وقد قال الحبيب المصطفى ﷺ فيما رواه الشيخان:

الحلف مَنْفَقَةٌ للسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ للبركة،

وعن سيدنا حكيم بن حِزام رضي الله تعالى عنه قال: قال النبيّ ﷺ:

البيِّعان بالخيار ما لم يتفرّقا، فإن صدقا وبيّنا بُورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما مُحقتْ بركة بيعهما

4 ـ الطمع والحرص في طلب الدنيا: ورد في صحيح البخاريّ أنَّ سيدنا حكيم بن حزام ﷺ قال:

سألت رسول الله ﷺ فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ قال لي: يا حكيم! إنّ هذا المال خَضِرٌ حُلْوٌ، فمن أخذه بسخاوة نفسٍ بُورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفسٍ لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خيرٌ من اليد السّفلى

أي: إنّ المال محبوبٌ للنفس ومرغوبٌ، فمن حصل عليه عن طيب نفس، ودون إلحاحٍ وشرهٍ وتطلّعٍ؛ جعل الله له فيه البركة فينمو ويتكاثر وإن كان قليلاً، ويرزق الله صاحبَه القناعةَ، فيصبح غنيَّ النفس، مُرتاح القلب، ويعيش به سعيدًا، أمّا الذي يحصل على المال بالتطلّع إليه والرغبة الملحّة فيه؛ فإن اللهَ يمحق بركة المال، فيقلّ المال وإن كان كثيرًا، ويسلب الله من صاحبه القناعة؛ فيُصبح فقير النفس معدم القيمة، ولو أُوتي كنوز الأرض كلّها.

التلميذ: يا شيخي! وهل لانحطاط المسلمين علاقةٌ بزوال البركة؟

الشيخُ: بالطبع يا بني! فكما ترى الأمة اليوم كثيرة العدد، ولكنها قليلة البركة، حيث إن نزع البركة من الأفراد، ربما يؤدّي إلى نزعها من جميع الأمة، ففي الحديث عند الإمام أحمد رحمه الله تعالى، عن سيدنا ثوبان مولى رسول الله ﷺ قال: قال رسول الله ﷺ:

يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها، قال: قلنا: يا رسول الله! أمن قلة بنا يومئذ؟ قال:أنتم يومئذ كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل، تنتزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن، قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: حب الحياة وكراهية الموت

التلميذ: وهل ارتفعت الأسعارُ في عصر النبوّة؟

الشيخ: نعم! لم يخل عصر من العصور من هذه المشكلة، فقد أخرج أبو داود والترمذي رحمهما الله تعالى من حديث سيدنا أنس رضي الله تعالى عنه قال:

غلا السعر على عهد النبي ﷺ، فقالوا: يا رسول الله، سعر لنا، فقال: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق، وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال

فسيدنا النبي ﷺ لم يرخص السلع عن ثمنها الحقيقي حتى لا يظلم التجار، وفي المقابل أمر التجار أن يتقوا الله ويبروا ويصدقوا الناس بالبيع فلا يرفعون السلع عن ثمنها، ولا يحتكرونها أو يمسكونها حتى تصبح مفقودة فيرتفع سعرها، فعن سيدنا رفاعة بن رافع رضي الله تعالى عنه قال:

قال رسول الله ﷺ: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا، إلا من اتقى الله وبر وصدق

التلميذ: وهل وردت عن الحبيب المصطفى ﷺ أحاديث عن الغلاء في آخر الزمان؟

الشيخ: نعم! ورد ذكر غلاء الخيل والنساء في بعض الأحاديث، وهذا من أشراط الساعة، فعن سيدنا خارجة بن الصلت البرجمي رضي الله تعالى عنه قال:

دخلت مع سيدنا عبد الله -أي: ابن مسعود رضي الله تعالى عنه- المسجد، فإذا القوم ركوع فركع، فمرّ رجل فسلم عليه، فقال سيدنا عبد الله: صدق الله ورسوله، ثم وصل إلى الصف، فلما فرغ سألته عن قوله: صدق الله ورسوله، فقال: إنه كان يقول: لا تقوم الساعة حتى تتخذ المساجد طرقا، وحتى يسلم الرجل على الرجل بالمعرفة، وحتى تتجر المرأة وزوجها، وحتى تغلو الخيل والنساء -أي: مهورها-، ثم ترخّص فلا تغلو إلى يوم القيامة

التلميذ: شكرًا كثيرًا لكم على هذه المعلومات القيّمة يا شيخي!.

الشيخ: أهلاً بك، يا ولدي!.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة

تعليقات



رمز الحماية