الإسلام منهج للأمم شامل لجميع نواحي الحياة | الشيخ محمد قاسم العطاري


نشرت: يوم الإثنين،18-نوفمبر-2024

الإسلام منهج للأمم شامل لجميع نواحي الحياة

لا شك أن الإسلام منهج شامل لجميع أمور الحياة، هذا هو اعتقادنا ودعوانا باليقين، ويراد بمنهج الحياة "القانون العام والدستور لطريقة العيش".

كون الإسلام منهج حياة شامل يعني أنه ينطبق على جميع جوانب الحياة، في كل زمان ومكان، تبدأ حياة الإنسان بولادته، أي عند ولادة الطفل تبدأ مدة حياته، ومنذ تلك اللحظة حتى وفاته، تبقى تعاليم الإسلام مرافقة له خطوة بخطوة.

ظهور المنهج الإسلامي للحياة قبل ولادة الإنسان:

إرشادات الإسلام لا تبدأ من ولادة الطفل، بل تبدأ قبل ذلك بكثير، حتى قبل زواج والديه، وعلى سبيل المثال: من تعليمات الإسلام:

أن ينظر من يريد الزواج إلى أوصاف المرأة التي سيتزوج بها

وما هي الخلفية العائلية لتلك المرأة؟

وكيف هي أخلاقها، وشخصيتها، وجمالها؟

فالدين والأخلاق هو الأهم كما في الحديث "فاظفر بذات الدين" (صحيح البخاري: 5090) ، إضافة إلى أن يتزوج من عائلة معروفة بأخلاقها الحسنة وتصرفاتها النبيلة، وكل هذا لأن الطفل عندما يولد، سيتفاعل مع عائلة الأم، وسيكتسب صفاتهم، ونفس الأمر يجب على المرأة التي تريد الزواج، أن تنظر إلى الأشياء المذكورة أعلاه في الشاب وعائلته؛ لأن الطفل سيكون مع عائلة الأب أكثر من عائلة الأم، لذلك؛ فإن الصفات والأخلاق التي سيكتسبها الطفل بعد سنوات، تبدأ الإرشادات والتعليمات الإسلامية قبل فترة طويلة من ولادته.

المنهج الإرشادي والإسلامي للحياة من الولادة حتى بداية الشباب:

يستحب عند ولادة الطفل أن يُحنَّك من قبل شخص معروف بالصلاح والأخلاق الحسنة ("شرح النووي على مسلم"، 14/122، مقتبس.)،

وأن يُؤذن في أذنيه ("مرقاة المفاتيح"، 2/330، وبتصرف.)،

وعند بلوغه سبعة أيام، يُعق عنه ويُسمى "اسمًا حسنًا" ("المعجم الأوسط"، 1/170، (558)، بتصرف.)،

ثم يُختتن الطفل ("الفتاوى الهندية"، 5/357، مأخوذًا منه.).

كما تشمل الإرشادات الإسلامية "الرضاعة"، مثل مدة رضاعة الأم لطفلها، ومن يتحمل نفقات رعاية الطفل؟ وإذا حدث انفصال بين الوالدين، يتم تحديد مدة بقاء الطفل مع الأم ومتى يُسلم للأب؟

وإذا بلغ عمُرًا يتمكّن فيه من نطق الكلمات، ينبغي تكرار كلمة "الله" أمامه حتى يكون أول كلمة ينطقها هي اسم خالقه ومالكه ومربّيه "الله".

وإذا بلغ الطفل خمس أو سبع سنوات، يُبدأ بتوجيهه لمبادئ الدين الإسلامي وآدابه، فإذا بلغ السابعة يرغّب في الصلاة ويُعلّم، وعند العاشرة، يُلزم بها بشدة، فقد ورد في الحديث الشريف:

«عَلِّمُوا الصَّبِيَّ "الصَّلَاةَ" ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ» ("سنن الترمذي": 1/416، (407).).

وفي هذا السن إضافة لتعلّمه العبادة، يُهتم بتعليمه أخلاق وآداب الإسلام، فيعلم السخاء وحسن الأخلاق، والعشرة والمودة، والابتسام، واحترام الكبار، والشفقة على الصغار، وحسن التعامل مع خلق الله، والسلوك الحسن مع الجيران.

كما يؤكد الإسلام على أن أعظم هدية يقدمّها الوالدان لأولادهم هي تربيتهم بشكل جيد وتعليمهم الآداب الحسنة؛ لأن التربية الصالحة تجعل الطفل مسلمًا صالحًا وإنسانًا كاملاً فاضلاً في المجتمع.

المنهج الإسلامي للحياة في مختلف جوانبها:

ثم بعد بلوغ الطفل سنّ التكليف تتوجه إليه جميع أحكام الإسلام وتوجيهاته ويكلّف بها في جميع جوانب الحياة تفصيلاً، ويصبح هو المسؤول عن تنفيذها والالتزام بها.

المنهج والنظام الإسلامي في الحياة الاجتماعية:

يكون الإنسان ابنًا لوالديه، وأخًا لإخوته وأخواته، وحفيدًا لجديه، لكل من هذه العلاقات تعليمات إسلامية خاصة تأخذ في الاعتبار طبيعة هذه العلاقة ومدى قربها.

فهناك أحكام خاصة للعلاقة مع الوالدين، وأخرى مع الإخوة والأخوات، والأعمام والأخوال، والعمات والخالات، كما تختلف الأحكام باختلاف نوع العلاقة، سواء كانت محرمًا أو قرابة.. المهم: أن هناك تفصيلًا معقولًا وشاملًا للحياة العائلية.

بالإضافة إلى الأقارب، هناك علاقات اجتماعية أخرى مثل الجيران، الذين وضّح الإسلام حقوقهم بشكل مفصل.

وكذلك الحال لعلاقة الزوجين التي هي من أهم علاقاتها للإنسان، حيث قدّم القانون الإسلامي تفصيلات دقيقة لحقوق وواجبات كل منهما، بما يتضمن العدل والإحسان، وهذه التفصيلات معروضة في الأجزاء من كتب مطولة.

النظام الإسلامي في الحياة الاقتصادية:

تتطلب الحياة البشرية العديد من الاحتياجات التي يسعى الإنسان لتلبيتها من خلال اختيار وسيلة للعيش.

هناك طريقتان للكسب بشكل عام: الوظيفة أو التجارة، إذا كان مصدر الكسب هو الوظيفة، فقد قدم الإسلام للإنسان مجموعة من الأحكام التي تتعلق بالوظيفة، مثل تحديد الراتب، ومقدار العمل ونوعه، ومدة العمل، وأحكام تتعلق بعلاقة الموظفين القدماء والجدد مع رؤسائهم وزملائهم.

ومن جانب آخر إذا كان مصدر الكسب هو التجارة، فلها أحكام مفصلة، بل إن التجارة تحتوي على تفاصيل أكثر من غيرها من مجالات الحياة؛ لأن أنواع التجارة متعددة، مثل تجارة الملابس، والذهب، والقمح، والحيوانات، وغيرها، ولكل نوع من التجارة أحكام خاصة، حيث تختلف أحكام بيع الذهب عن بيع الحيوانات، وأحكام بيع القماش عن بيع السلع الأخرى، وقد تم توضيح تفاصيل أحكام التعامل بالتجارة بشكل متنوّع في القرآن والسنة.

الإسلام وتوجيهاته المتعلقة بوقت الموت وما بعده:

إضافة لما سبق فإن تعاليم الدين الإسلامي وتوجيهاته الكاملة تتعلق أيضًا حتى بأحكام موت الإنسان، مثل تلقين الميت الشهادتين ليختم له بالإيمان، فقد ورد في الحديث الشريف:

«لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» ("صحيح مسلم"، ص 456، (916).).

كذلك بعد الوفاة، هناك أحكام مفصلة لغسل الميت وتكفينه ودفنه وصلاة الجنازة عليه، إضافة لأحكام كيفية حفر القبر من حيث الطول والعرض، وحظر إعادة فتح القبر أو إظهار حالة الميت، ("حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح"، ص 615، بتصرف.) ، وتحريم المشي أو الجلوس على القبور ("ردّ المحتار"، 3/183، وبتصرف.) أو إهانتها.

كما تشمل التعاليم الإسلامية أحكامًا تفصيلية تتعلق بمال الميت المتروك، مثل سداد ديونه وتنفيذ وصيته ثم تقسيم ما تبقى من التركة بين الورثة وفقًا للشريعة الإسلامية.

الإسلام وضوابطه في الأمور الحديثة:

تتطور الحياة البشرية باستمرار، مع استمرار رحلة التقدم وكثرة الاكتشافات والاختراعات الجديدة يخترع كل يوم أشياء جديدة مفيدة وضارة، ومع توسع الحياة صارت ضيقة على الناس، وكأنه سباق يسبق المادية والمذهب المادي في كل شيء. وضمن هذه الأحوال المعقدة والمتعددة للحياة التي لا حصر لها تبرز شمولية الضوابط الإسلامية بوضوح أكبر.

الإسلام يقدم قواعد وضوابط شاملة يمكن تطبيقها بسهولة لفهم مقاصد الشريعة وروحها، والعمل بها في جميع المعاملات الحديثة، بعض هذه القواعد تعتمد على الاجتهاد والتدبر، بينما هناك قواعد يمكن العمل بها بسهولة حتى للأشخاص ذوي الفهم العادي، مثلًا .. هناك مبدأ أساسي أنه لا يجوز استخدام أي شيء لإهلاك أو تدمير مخلوقات الله، وهذا المبدأ يشمل جميع الاختراعات القاتلة، كما يُشدد الإسلام على تقديم النصح والخير للآخرين كأولوية أساسية، سواء كان الشخص طبيبًا أو مهندسًا أو حاكمًا، فيجب مراعاة هذه الضوابط:

فيجب على الطبيب أن يكون معالجًا لا جشعًا للمال ولا مساعدًا في نهب المستشفيات.

وكذا المهندس يجب أن ينفع الناس ولا يشارك في الاختراعات القاتلة.

والحاكم يجب أن يتحمل أعباء الناس ويصرف أموال الحكومة على الشعب، وليس لجمع الثروة، ولا ممارسة الفساد التي تثقل كاهل الناس وتعود بالوبال على الأمة بإيجاز.

تغطي تعاليم الإسلام جميع جوانب الحياة البشرية، سواء كانت تتعلق بالفرد ذاته أو بعلاقاته مع الآخرين، أو بجسده وروحه أو ماله، سواء في الحياة المنزلية أو الخارجية.

لذا كانت هذه التعاليم الإسلامية الشاملة مؤكدة بوضوح على أن الإسلام هو حق عادل وضامن لضبط جميع شؤون حياة الأمم بشر الالتزام بتعاليمه.


تعليقات



رمز الحماية