من أركان الإسلام الصيام | إدارة الشؤون العربية


نشرت: يوم السبت،11-يناير-2025

من أركان الإسلام الصيام

الصوم هو التعبّد لله عز وجل بالإمساك عن الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس كما قال الله تعالى:

وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ [البقرة: 187]

فهو من أعظم أركان الدين وأوثق قوانين الشرع المتين، به قهر النفس الأمارة بالسوء، وهو مركب من أعمال القلب، إلى جانب المنع عن المآكل والمشارب والمناكح عامّة يومه، وهو أجمل الخصال غير أنه أشق التكاليف على النفوس (رد المحتار على الدر المختار: 2/ 369-370، بتصرف).

قد جعله الله سبحانه وتعالى أحد أركان الإسلام الخمسة، وأخبر جل وعلا أنه لا غنى للأمم عنه، لما فيه من فوائد جمة تشتمل على تهذيب الأخلاق، وتطهير النفوس، وحملها على الصبر، وإحياء مشاعر الرحمة والعطف على الفقراء والمحتاجين.

فالصوم ليس مجرد حبس النفس عن الطعام والشراب، بل هو رحلة روحية عميقة تقرّبنا من الله تعالى وتزكّي نفوسنا، ففي هذه الرحلة نفطم أنفسنا عن الشهوات المألوفة ونُعِدّها لطلب السعادة الحقيقية والنعيم الأبدي.

مفهوم الصيام:

هو عبارة عن ترك الأكل والشرب والجماع من الصبح إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله (الفتاوى الهندية: 1/197).

فرضية الصيام:

لقد ثبتت فرضية الصيام بكتاب الله العزيز والسنة النبوية الشريفة وإجماع الأمة وبالمعقول أيضًا (بدائع الصنائع: 2/75 بتصرف).

فرضية الصيام في كتاب الله تعالى:

قال الله تعالى:

يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٨٣ [البقرة: 183]

وقال الله عز وجل:

فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ [البقرة: 185]

فرضية الصيام بالأحاديث النبوية الشريفة:

قال رسول الله ﷺ:

بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ (صحيح البخاري: 8).

فرضية الصيام بإجماع الأمة:

أجمع العلماء على فرضية صوم رمضان وأنه ركن من أركان الإسلام كما قال الإمام علاء الدين الكاساني رحمه الله تعالى في بدائع الصنائع: إن الأمة أجمعت على فرضية شهر رمضان، لا يجحدها إلا كافر (بدائع الصنائع: 2/75).

فرضية الصيام بالمعقول:

ثبتت فرضية الصيام بالمعقول من وجوه متعددة منها: أن الصوم وسيلة إلى شكر النعمة ومنها أنه وسيلة إلى التقوى، ومنها أن فيه قهر الطبع، وكسر الشهوة لأن النفس إذا شبعت تمنت الشهوات، وإذا جاعت امتنعت عما تهوى (بدائع الصنائع: 2/75-76، بتصرف).

متى فرض الصيام:

فرض الصيام في شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة قبل وقعة بدر، وعليه فإن النبي ﷺ صام تسع رمضانات (البناية شرح الهداية: / 4/3 بتصرف).

وقال العلامة الماوردي رحمه الله تعالى: أول ما فرض بالمدينة من العبادات بعد فرض الصلوات الخمس بمكة صيام شهر رمضان في الثانية من الهجرة في شعبان (أعلام النبوة: 1/242).

الحكمة من فرضية الصيام:

فرض الله تعالى الصيام لحكم بالغة، فهو عبادة عظيمة تقرّب العبد من خالقه تعالى، وتنمي فيه مشاعر الإيمان والتقوى، لأن النفس إذا انقادت للامتناع عن الحلال طمعاً في مرضاة الله، وخوفاً من أليم عقابه، فمن باب أولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام، فكان الصوم سبباً للتقوى قال تعالى:

يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٨٣ [البقرة: 183]

قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: لأن الصوم فيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان؛ إلخ (تفسير ابن كثير: 1/ 497).

والتقوى هي ما عرفها طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ رحمه الله تعالى بقوله: التَّقْوَى الْعَمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ رَجَاءَ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالتَّقْوَى تَرْكُ مَعَاصِي اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ مَخَافَةَ عَذَابِ اللَّهِ (الزهد الكبير للبيهقي: 965).

ولهذا قال النبي ﷺ:

مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ (صحيح البخاري: 1903).

شروط وجوب الصوم:

فهي على ثلاثة أنواع:
1) شروط لوجوب الصوم
2) شروط لوجوب أداء الصوم
3) شروط لصحة أداء الصوم

شروط لوجوب الصوم:

1. الإسلام

2. العقل

3. البلوغ

4. العلم بالوجوب لمن أسلم بدار الحرب

شروط لوجوب أداء الصوم:

* الصحة من مرض وحيض ونفاس

* الإقامة

شروط لصحة أداء الصوم:

* النية

* الخلو عما ينافيه من حيض ونفاس وعما يفسده (مراقي الفلاح: 1/233-234 بتصرف).

فلا يجب الصيام على الكافر ولا على المجنون ولا على الصبي ولا على المسافر على الفور، وإن صام الصبي المميز والمسافر صح صومهما مع أنه لا يجب عليهما، وكذلك يسقط وجوبه عن المسن الكبير العاجز عن الصوم وعن المرأة في أيام الحيض والنفاس ويُرخص للمريض والمرأة في أيام الحمل والرضاع في بعض الأحيان ويجب على الجميع القضاء أو الفدية ولكل واحد منهم حكم خاص في كتب الفقه.

أنواع الصيام:

والصوم على ستة أنواع:

صوم الفرض:

وهو على نوعين:

* المعين: هو ما له وقت معين كصوم رمضان

* غير المعين: هو ما له وقت غير معين

• جزاء الصيد

• فدية الأذى في الإحرام

• صوم الكفارات بأنواعها: مثل كفارة اليمين، والقتل، والظهار، وفدية الأذى في الإحرام وغيرها لثبوت ذلك بالأدلة القطعية من القرآن والإجماع (درر الحكام شرح غرر الأحكام: 1/197 بتصرف).

صوم الواجب:

• وهو صوم المنذور المطلق والمعين(المرجع السابق).

• قضاء ما أفسده من نفل (البحر الرائق شرح كنز الدقائق: 2/278، بتصرف).

• إتمام صوم النفل بعدما شرع فيه (بدائع الصنائع: 2/94 بتصرف).

• صوم الاعتكاف المنذور، كأن نذر أن يعتكف خمسة أو ستة أيام فيجب أن يصومها وهو في اعتكافه (رد المحتار على الدر المختار: 2/ 440 بتصرف).

صوم المسنون:

وهو صوم اليوم التاسع مع العاشر في المحرم (البحر الرائق شرح كنز الدقائق: 2/277 بتصرف).

صوم المندوب:

صوم ثلاثة أيام من كل شهر، ويندب فيها كونها الأيام البيض، ونُدِب كل صوم ثبت بالسنة طلبه والوعد عليه كصوم داود عليه الصلاة والسلام (المرجع السابق).

صوم النفل:

ما سوى ذلك مما لم تثبت كراهته (المرجع السابق).

الصوم المكروه:

وهو على نوعين: المكروه تنزيهًا والمكروه تحريمًا

المكروه تنزيهًا:

* عاشوراء مفرداً عن التاسع والحادي عشر

* صوم يوم السبت مفردا

* صوم الدهر

* صوم السكوت

* صوم يوم النيروز مفردا (وهو عيد رأس السنة الفارسية والسنة الكردية)

* صوم يوم المهرجان مفردا (وهو أحد الأعياد القديمة للفرس)

المكروه تحريمًا:

• صوم أيام التشريق

• صوم العيدين (المرجع السابق)

درجات الصيام:

للصوم ثلاث درجات:

1. صوم العموم: وهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة

2. صوم الخصوص: ويزيد على الأول بكف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام

3. صوم خصوص الخصوص: ويزيد على ما سبق بصوم القلب عن الهِمم الدّنِيَّةِ وَالْأَفْكَارِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَكَفُّهُ عَمَّا سِوَى اللَّهِ عز وجل بالكلية (إحياء علوم الدين: 1/234 بتصرف).

فضائل الصيام ومنافعه:

إن مصالح الصوم مشهودة للعقول السليمة والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة بهم وإحسانا إليهم وحمية وجُنَّة لهم وللصيام فضائل عديدة ومنافع كثيرة منها:

فضائل الصيام:

1. أنه من أفضل الأعمال

2. أنه يشفع يوم القيامة لصاحبه

3. أنه جُنَّة من شهوات الدنيا

4. أنه أضيف إلى الله تعالى تشريفا لقدره

5. أنه سبب لمضاعفة الحسنات

6. أنه سبب لرفع الدرجات

7. أنه سبب لاستجابة الدعاء

8. أنه سبب لمغفرة الذنوب

9. أنه سبب لدخول الجنة

10. أنه سبب لطهارة القلب

11. أنه سبب لحصول أجر الصبر

12. أنه سبب لطيب خلوف فم الصائم

13. أن فيه مباهاة الله تعالى الملائكة بعباده الصائمين

14. أنه سبب فرحتين للصائم (فرحة عند فطره وفرحة عند لقائه بربه)

15. أنه يوجد باب في الجنة خاص لا يدخل منه غير الصائمين.....وغير ذلك الكثير.

وكل ذلك ثابت في كتاب الله عز وجل أو في الأحاديث النبوية الشريفة.

فوائد الصيام:

الصوم هو قهر للشيطان اللعين؛ لأن وسيلته الشهوات، والشهوات تتقوى بالأكل والشرب، بينما تنكسر بالجوع، ويحتوي الجوع على فوائد كثيرة، منها ما ذكره الإمام الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين":

1. صحة البدن ودفع الأمراض

2. تيسير المواظبة على العبادة

3. دفع النوم ودوام السهر

4. تذكر بلاء الله وعذابه

5. تمكين العبد من الإيثار والتصدق

6. صحة القلب وصفاء الذهن

7. صفاء القلب وإيقاد القريحة وإنفاذ البصيرة

8. الانكسار والذل، وزوال البطر، والفرح، والأشر.

9. كسر شهوات المعاصي والاستيلاء على النفس الأمارة بالسوء

10. خفة المؤونة

فهذه عشرة فوائد، يتشعب من كل فائدة فوائد لا ينحصر عددها، ولا تتناهى فوائدها، فالجوع خزانة عظيمة لفوائد الآخرة، ولأجل هذا قيل: البطن والفرج باب من أبواب النار، وأصله الشبع، والذل والانكسار باب من أبواب الجنة، وأصله الجوع، ومن أغلق بابًا من أبواب النار فقد فتح بابًا من أبواب الجنة (إحياء علوم الدين: 3/84-88 بتصرف).

أخيرا!

من يفهم حقيقة الصيام، يدرك يقيناً أنه حاملٌ لفوائد عظيمة جليلة، لا يُمكن إنكارها أو التشكيك في أهميتها الحيوية ومن حكمة الله في شرع الصيام، أنه يُنقي الجسد والروح، ويُعزز الصحة، ويُربي النفس على الصبر والتقوى.

فمن واجبنا اغتنام هذه الفرصة الثمينة، وجعل الصيام بوابة للتغيير والتطوير، لنستفيد من فوائده الجسدية والنفسية والروحية.

تعليقات



رمز الحماية