نبذة عن سلطان الأولياء الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله تعالى | محمد رضا القريشي


نشرت: يوم الأَربعاء،09-أكتوبر-2024

نبذة عن سلطان الأولياء الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله تعالى

برز في تاريخ التصوف الإسلامي رجال كان لهم دور كبير في الدعوة والإرشاد، ومن أبرز هؤلاء الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله تعالى تميّزت سيرته بالجمع بين التصوف والدعوة إلى الإصلاح المجتمعي، والتمسك بالشريعة الإسلامية، وكانت دعوته تركّز على الجدية في العمل والتحلي بالأخلاق الإسلامية..

وفي هذا المقال، سنستعرض بعض الجوانب من حياة الشيخ عبد القادر رحمه الله ومكانته العلمية، وموقف العلماء منها، وسنسلّط الضوء على اهتمامه بالجانب التربوي وتأسيسه للطريقة القادرية، التي تعدّ أول الطرق الصوفية التي ظهرت بشكل جماعي في العالم الإسلامي، القائم على جمع المريدين وربطهم بمشايخ الطريقة، وإبراز الأسس التي قامت عليها الطريقة.

• اسمه ونسبه الشريف:

هو السيد الشريف الشيخ أبو صالح محي الدين عبد القادر بن أبي صالح موسى جنكي دوست بن عبد الله بن يحيى بن محمد بن داود بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن سيدنا الإمام الحسن السبط بن مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنهم أجمعين (بهجة الأسرار، غبطة الناظر لابن حجر العسقلاني: 1/9).

• نسبه من جهة أمّه:

أمه هي فاطمة بنت السيد عبد الله الصومعي الزاهد بن أبي عبد الله جمال الدين محمد بن محمود بن أبي العطاء عبد الله بن كمال الدين عيسى بن أبي عبد الله علاء الدين محمد الجواد بن الإمام علي الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. (إتحاف الأكابر في سيرة ومناقب الإمام محي الدين عبد القادر: 115)

• كنيته ولقبه:

اتفقت كتب السير والتراجم على أن كنيته أبو محمد ونسبته الجيلاني أو الجيلي.

وأما الألقاب فهي كثيرة توحي بدلالات متعددة وهي تشبه في عصرنا الإجازات العلمية والأوسمة التي تمنح للعلماء والعظماء إقرارًا بفضلهم وبيانًا لعلو منزلتهم، فمن الألقاب التي أطلقت عليه "الإمام" ( ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب الحنبلي: 3/32.) ، و"شيخ الإسلام" ( سير أعلام النبلاء للذهبي: 20/439).

• مولده ونشأته:

ولد رضي الله تعالى عنه في الليلة الأولى من شهر رمضان في بيت كريم اشتهر بالتقوى والورع، واتفقت معظم المصادر أنه ولد في جيلان سنة ٤٧٠ هـ وهي قرى متفرقة وراء طبرستان(تفريح الخاطر) ولله در من قال مشيرًا لولادته وعمره ووفاته حيث نظم:

إن باز الله سلطان الرجال
جاء في عشق توفي في كمال

فعلى هذا كلمة (عشق) عددها بالجمل أربعمائة وسبعين، وهي تاريخ الولادة، وكلمة (كمال)، أحد وتسعون وهو مدة العمر، وإذا ضمينا كلمة (عشق) مع كلمة (كمال) يكون الحاصل من العدد خمسمائة وأحد وستون، فهو تاريخ الوفاة (سر الأسرار ومظهر الأنوار فيما يحتاج اليه الأبرار: 141)

• رحلته إلى بغداد:

ارتحل الشيخ رحمه الله تعالى من جيلان إلى بغداد حيث دخلها سنة 488 هـ، وهو في الثامنة عشر من عمره والتقى في بغداد بمجموعة من كبار العلماء ومشاهيرهم الذين نهل من علومهم واستفاد من معارفهم إلى أن صار عالِمًا كبيرًا في مختلف العلوم إذ يصفه ابن رجب الحنبلي رحمه الله في ذيل طبقات الحنابلة بـ"أنه شيخ العصر وقدوة العارفين وسلطان المشايخ صاحب المقامات والكرامات والعلوم والمعارف". ( ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب الحنبلي: 2/189)

• صفته ومكانته:

قال الشيخ موفق الدين بن قدامة المقدسي رحمه الله:

كان شيخُنا محيي الدّين عبد القادر رحمه الله، نحيفَ البدن، رَبْعَ القامة، عريضَ الصَّدْر واللِّحية، طويلها، أسمر، مقرون الحاجبين، حفيًّا، ذا صوتٍ جَهْوَرِي، وسَمْتٍ بهيٍّ، وقَدْرٍ عليٍّ، وعِلْمٍ وفيٍّ رضي الله عنه (مرآة الزمان في تواريخ الأعيان لسبط ابن الجوزي: 21/92)

• بعض شيوخه وأساتذته:

نال الشيخ رحمه الله تعالى علوم القرآن والأصول والفروع على أيدي العلماء البارزين، منهم: علي بن عقيل الحنبلي ومحفوظ الكلوذاني رحمهما الله، وتأثّر بشيخه حمّاد الدباس الذي حبب إليه المجاهدات والرياضات الروحية فساح الشيخ في صحراء العراق، ملازمًا الخلوة والمجاهدة، متحملاً المشاق من مخالفة النفس ومحاربة الهوى، وملازمة السهر والجوع، والمقام في الأماكن المنعزلة، مقبلاً على الاشتغال بالعبادة، وتلاوة الأذكار. (جامع كرامات الأولياء للنبهاني: 2/202)

• من تلامذته المشتهرين:

حدّث عنه الكثير منهم السمعاني صاحب الأنساب وعمر بن علي القريشي، والحافظ عبد الغني المقدسي والشيخ موفق الدين ابن قدامة: وعبد الرزاق وموسى ولداه، والشيخ علي بن إدريس اليعقوبي، وأحمد بن مطيع الباجسرائي وخلق آخرون، انتمى إليه جمع من العلماء وتلمّذ له خلق كثير لا يحصون.

• منزلته العلمية:

قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمد الإشبيلي رحمه الله تعالى عليه: فقيه الحنابلة والشافعية ببغداد وشيخ جماعتها، وله القبول التام عند الفقهاء والفقراء والعوام، وهو أحد أركان الإسلام، وقد انتفع به الخاص والعام، وكان مجاب الدعوة، سريع الدمعة، دائم الذكر، كثير الفكر، رقيق القلب، دائم البشر، كريم النفس، سخي اليد، غزير العلم، شريف الأخلاق، طيب الأعراق مع قدم راسخ فى العبادة والاجتهاد. (قلائد الجواهر للتاذفي: 193)

• فتاواه:

وقال الشيخ عمر البزاز رحمه الله تعالى:

كانت الفتاوى تأتيه من بلاد العراق وغيره، وما رأيناه تبيتُ عنده فتوى ليطالع عليها أو يفكر فيها، بل يكتب عليها عقيب قراءتها، وكان يفتي على مذهب الإمام الشَّافعي وأحمد رحمهما الله، وتعرض فتاواه على علماء العراق، فما كان تَعَجُّبهم من صوابه أشدَّ من تعجُّبهم من سُرْعة جوابه فيها، وكان من اشتغل عليه في فنٍّ من الفنون الشَّرعية افتُقِرَ إليه فيه، وساد على أقرانه. (مرآة الزمان في تواريخ الأعيان لسبط ابن الجوزي: 21/92)

• ورعه وتقواه:

كان الشيخ عبد القادر رحمه الله تعالى متعلقًا بأهداب الورع طوال حياته، وكان يأخذ بالعزيمة في أحواله جميعًا، ويُكثر من النوافل في أوقاته كلها حتى أنه كان يعتبرها بالنسبة إليه كالفروض من حيث التزامه بأدائها.

• زواجه وأولاده:

حين بلغ الشيخ رحمه الله سن الثامنة عشرة دخل إلى بغداد (بهجة الأسرار: صـ 171) ، فانشغل بطلب العلم والعبادة، ولهذا السبب تأخّر زواجه حتى تجاوز الثلاثين من عمره، نتيجة ظروفه ورغبته في الانشغال بالعلم والمجاهدة. ولما صبر على ذلك، رزقه الله أربع زوجات، وأنجب منهن تسعة وأربعين ولدًا؛ سبعة وعشرون منهم ذكور والباقي إناث. (قلائد الجواهر للتاذفي: صـ 246)

دور الشيخ رحمه الله تعالى في مواجهة القوى المعارضة والمخالفة للإسلام:

أخذت مدرسة الشيخ عبد القادر الجيلاني دورًا رئيسيًا في إعداد جيل لمواجهة القوى المعارضة والمخالفة للإسلام، من خلال تأهيل أبناء المناطق المحتلة علميًا وعمليًا، وتجهيزهم للمواجهة في مجالات الفقه والسياسة والعسكرة، وساهم تلاميذ المدرسة القادرية في تحرير القدس بإشراف الشيخ، حيث قاموا بتنسيق الجهود بين القيادات العلمية والسياسية والعسكرية لتحقيق هذا الهدف.

• سند طريقته الصوفية:

أخذ رحمه الله الطريقةَ عن شيخه وأستاذه أبي سعيد المبارك المخزومي، عن الشيخ أبي الحسن علي الهَكّاري، عن أبي الفرح محمَّد يوسف الطرطوسي، عن أبي الفضل عبد الواحد التميمي، عن أبي بكر الشبلي، عن سيِّد الطائفة أبي القاسم الجنيد البغدادي، عن خاله المولى الشيخ أبي الحسن السريّ السقطي، عن شيخه أبي محفوظ معروف الكرخي، عن الإمام أبي الحسن السيِّد علي الرضا، عن أبيه أبي الحسن السيِّد موسى الكاظم، عن أبيه السيِّد جعفر الصادق، عن أبيه السيِّد محمد الباقر، عن أبيه الإمام السيِّد السجَّاد زين العابدين، عن أبيه ريحانة النَّبيِّ ﷺ وسيِّد الشهداء السيِّد أبي عبد الله الحسين، عن أبيه أبي التراب وزوج البتول سيِّدنا الإمام علي بن أبي طالبٍ كرم الله تعالى وجهه الكريم ورضي الله عنهم أجمعين. وهو عن خاتم الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا محمد رسول ربّ العالمين صلَّى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

• خصائص السلوك للطريقة القادرية

كان الشيخ رحمه الله تعالى أول من نظم الصوفية في جماعات على طريقة مبنية على كتاب الله وسنة رسوله، وقد شدد على هذا في وصاياه لابنه عبد الرزاق، قائلاً:

أوصيك بتقوى الله، وطاعته ولزوم الشرع وحفظ حدوده، واعلم يا ولدي - وفقنا الله وإياك والمسلميـن - أن طريقتنا هذه مبنيّةٌ على الكتاب والسنة وسلامة الصدر وسخاء اليد وبذل الندى وكف الجفا وحمل الأذى والصفح عن عثرات الإخوان. (إتحاف الأكابر في سيرة ومناقب الإمام محي الدين عبد القادر: 299)

• شهرة كراماته:

قال شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى:

ما وصلت إلينا كرامات أحد بطريق التواتر مثل ما وصلت إلينا كرامات سلطان الأولياء الشيخ عبد القادر رضي الله عنه، فالشيخ عبد القادر كان حاضر الحس متمسكا بقوانين الشريعة ويدعو إليها وينفر عن مخالفتها ويشغل الناس فيها مع تمسكه بالعبادة والمجاهدة، ومزج ذلك بمخالطة الشاغل عنها غالبا كالأزواج والأولاد، ومن كان هذا سبيله كان أكمل من غيره، ولأنها صفة صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم. (قلائد الجواهر في مناقب عبد القادر الجيلاني للتاذفي: 193)

• من مؤلّفاته القيمة:

كتب الشيخ رحمه الله تعالى أو نسبت إليه مصنفات كثيرة في الأصول والفروع وفي أهل الأحوال والحقائق والتصوف، منها: ما هو مطبوع ومنها مخطوط ومنها مصوّر، منها:

o الغُنية لطالبي طريق الحق (من أشهر كتب الشيخ في الآخلاق والآداب)

o الفتح الرباني والفيض الرحماني (مجالس للشيوخ في الوعظ والإرشاد)

o فتوح الغيب (مقالات للشيخ في العقائد والإرشاد)

o سر الأسرار في التصوف

o الطريق إلى الله

o إغاثة العارفين وغاية منى الواصلين

o آداب السلوك والتوصل

o جلاء الخاطر في الظاهر والباطن

o ديوان عبد القادر الجيلاني

o الحزب الكبير

o دعاء البسملة

• أشهر الكتب المؤلفة في حقّه:

1. بهجة الأسرار ومعدن الأنوار للشيخ نور الدين الشطنوفي

2. قلائد الجواهر للشيخ محمد بن يحي التاذفي الحنبلي

3. غبطة الناظر في ترجمة عبد القادر الجيلاني لابن حجر العسقلاني

4. إتحاف الأكابر في مناقب الشيخ عبد القادر

5. الشيخ عبد القادر الجيلاني للدكتور عبد الرزاق الكيلاني

6. جغرافية الباز الأشهب للشيخ جمال الدين فالح الكيلاني

• وفاته ومدفنه:

توفي الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله يوم الحادي عشر من ربيع الآخر - سنة 561 هـ وله من العمر تسعون سنة (الشيخ عبد القادر الجيلاني للدكتور عبد الرزاق الكيلاني: 265) ، وقيل: غيره، وشيّعه خلق لا يحصون، ودفن بمدرسته رحمه الله تعالى، (سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/185) في بغداد وقبره معروف يزار ويتبرّك به.

هذه السيرة العطرة والصورة المنيرة لهذا الشيخ الجليل رحمه الله تعالى توضح الوجه الوضاء المشرق للمسلم المتصوف الصافي، والقدوة التي يحتذى بها في الدعوة إلى الله تعالى.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمّده برحمته الواسعة ويغفر له ويرفع درجاته ويغفر لنا به أجمعين، وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد وآله وأصحابه وأولياء أمته أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


تعليقات



رمز الحماية