مدونات مختارة
الأكثر شهرة
الأخوة في الله والصداقة | الشيخ عادل ديري
هذا المقال من مجلة نفحات المدينة: 18
الأخوة في الله والصداقة من أسمى الروابط التي تجمع بين المؤمنين، وهي من أجمل النعم التي ينعم بها العبد في هذه الحياة، هذه العلاقة تتسم بالسمو، حيث تتجاوز المصالح الدنيوية والمنافع الزائلة لتربط القلوب على طاعة الله، وتعزز المحبة والإخلاص بين المسلمين، ولهذه العلاقة في الإسلام حقوق عظيمة تهدف إلى تقوية أواصر المودة ونشر الخير، كما قال تعالى:
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (مائدة: 2)
فالأخوة في الله هي رابطة روحية تستند إلى الإيمان بالله ورسوله، دون أن تأخذ في الاعتبار أي فوارق دنيوية كالنسَب أو المال أو العرق، وتتجاوز هذه العلاقة الروابط المادية لتكون قائمة على محبة الله ورسوله، والتعاون على البر، والاتحاد في طاعة الله تعالى، كما قال الله تعالى:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (الحجرات: 10)
أي: أن الإيمان هو أساس الاتحاد بين المؤمنين، وقد ورد عن النبي ﷺ قوله: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره (صحيح مسلم: 2564)
مما يعكس أهمية هذه العلاقة في حياة المسلم.
أهمية الأخوة في الله:
الأخوة في الله ليست مجرد علاقة عابرة، بل هي وسيلة لتحقيق الاستقامة وتعزيز الإيمان، فهي من أعظم شعائر الدين، وأوثق عرى الإيمان، فالأخ الصالح يُعين أخاه على طاعة الله، ويذكره عند الغفلة، ويحميه من الزلل، يقول النبي ﷺ: المؤمن مرآة أخيه (سنن أبي داود: 4918)
فهذه العلاقة تعزز من التماسك الاجتماعي بين المسلمين، وتبني مجتمعًا قائمًا على التعاون والمحبة، كما أن الأخوة في الله تُشعر المسلم بأنه جزء من أمة عظيمة، مما يمنحه القوة والدعم في مواجهة تحديات الحياة، فالأخوة بالله والصداقة بالله هي علاقة تزرع الأمل وتبث الطمأنينة في النفوس. كما أن الأخوة في الله والصداقة في الله تُسهم في بناء مجتمع قوي ومتماسك، فعندما يلتزم المسلمون بحقوق الأخوة، ينتشر الخير بينهم، وتقل الخلافات والمشاحنات؛ لأن الأخوة في الله تزرع المحبة، وتُعزز من روح التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع، كما أن هذه العلاقة تُسهم في نشر القيم الإسلامية، وتُظهر للعالم جمال الإسلام في التعامل بين أفراده، فالأخوة في الله تُعد وسيلة فعالة للدعوة إلى الله؛ لأنها تُظهر نموذجًا حيًا للأخلاق الإسلامية.
حقوق الأخوة في الله:
للأخوة في الله حقوق كثيرة يجب على المسلم أن يلتزم بها، ومن أبرزها:
1. النصح والإرشاد:
من حقوق الأخوة أن ينصح المسلم أخاه بما ينفعه في دينه ودنياه، ويحذره مما يضره، يقول النبي ﷺ: الدين النصيحة
(صحيح مسلم: 55)
2. المواساة:
الوقوف مع الأخ في أوقات الشدة، ومساعدته عند الحاجة، من أعظم حقوق الأخوة، يقول النبي ﷺ: ومَن كانَ في حاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرُباتِ يَومِ القِيامَةِ
(صحيح البخاري: 2442)
3. عدم غيبته:
من حقوق الأخوة حفظ أسرار الأخ، وعدم التحدث عنه بسوء في غيابه، يقول الله تعالى:
وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا (الحجرات: 12)
4. الدعاء بظهر الغيب:
الدعاء للأخ بظهر الغيب من أسمى مظاهر المحبة في الله، يقول النبي ﷺ: دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة (صحيح مسلم: 2733)
5. الوفاء بالعهد:
الالتزام بالوعود والعهود مع الأخ، وعدم خيانته أو التقصير في حقه.
6. الإصلاح عند الخلاف:
من حقوق الأخوة أن يُبادر المسلم إلى إصلاح ذات البين عند وقوع الخلاف، وعدم ترك الأمور تتفاقم، يقول النبي ﷺ: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إصلاح ذات البين (سنن أبي داود: 4919)
7. ترك التكلُّف والتكليف:
وذلك بأن لا يكلِّفَ أخاه ما يصعبُ عليه، ولا يحمِّلُه شيئًا من أعبائه، ولا يستمد منه جاهًا ولا مالا، ولا يكلفه القيام بحقوقه، بل يقصد محبة الله تعالى، ويقصد التبرك بدعائه، والاستئناس بلقائه، والاستعانة به على دينه، والتقرب إلى الله تعالى بالقيام بحقوقه.
8. العفو عن الزلات:
وزلة الأخ نوعان: زلة بارتكاب معصية وزلة بالتقصير في حقوق الأخوة.
• عند زلة الأخ بارتكاب معصية: يجب التلطف في نصحه بما يعيده إلى الصلاح والورع.
• عند زلة الأخ بالتقصير في الأخوة: الأولى فيها العفو والاحتمال، وكل ما يحتمل أخذه على وجه حسن، ويتصور له عذر قريب أو بعيد، فالعفو واجبٌ فيه بحق الأخوة. وقد قالوا: ينبغي أن تستنبط لزلة أخيك سبعين عذرًا، فإن لم يقبله قلبك فردّ اللوم على نفسك، وتقول لقلبك: ما أقساك! يعتذر إليك أخوك سبعين عذرًا فلا تقبله! فأنت المعيب لا أخوك.
الأخوة في السيرة النبوية:
بدأ رسول الله ﷺ منذ وصوله إلى المدينة في بناء أسس الدولة الإسلامية الجديدة، وكان من أولى خطواته المباركة إتمام المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، هذه المؤاخاة كانت بمثابة إزالة لكافة عصبيات الجاهلية، وسقوط للفوارق المتعلقة بالنسب واللون والوطن، لتكون حجر الزاوية في بناء الأمة الإسلامية وتأسيس المجتمع المسلم في المدينة المنورة، بذلك، تحقق التآلف والتماسك بين المسلمين ليصبحوا قوة واحدة ضد أعدائهم.
في الفترة الأولى من قدوم النبي ﷺ إلى المدينة، كانت المسؤولية مشتركة بين المهاجرين والأنصار في تعزيز الأخوة والتعاون، وكان لهذه المؤاخاة في حقيقتها قيمة أكبر من أخوة الرحم، حيث أظهر الأنصار أروع الأمثلة في التضحية والإيثار، فواسوا إخوانهم المهاجرين وفضلوا عليهم خير الدنيا، وهذا الشيء يعكس روح التكافل والتعاون التي أسس لها الإسلام، وكما قال تعالى: يقول الله تعالى:
وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ (الحشر: 9)
وقد كان ﷺ مثالًا للأخ الصادق الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فكان يشارك أصحابه أفراحهم وأحزانهم، ويواسيهم في مصائبهم، ويقف إلى جانبهم في كل وقت، هذه المواقف تُبرز أهمية الأخوة في الله والصداقة كقيمة عملية يجب أن تطبق في حياتنا اليومية.
تحديات الأخوة في العصر الحديث:
في العصر الحديث، تواجه الأخوة في الله تحديات كثيرة، فالتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي أدت إلى تقليل التفاعل الشخصي بين الناس، مما أثر على عمق العلاقات الإنسانية، كما أن انتشار النزاعات والخلافات بين المسلمين يُعد من أكبر العوائق أمام تحقيق الأخوة الحقيقية، لكنَّ الإسلام يُذكرنا دائمًا بأهمية إصلاح ذات البين، والابتعاد عن أسباب الفرقة، يقول الله تعالى:
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا (آل عمران: 103)
كيف نعزز الأخوة في الله؟
1. المحبة الصادقة:علينا أن نُخلص في محبتنا لإخواننا، ونبني علاقتنا على طاعة الله عز وجل.
2. التواصل الدائم: يجب الحرص على التواصل مع الإخوة، سواء بالزيارات أو المكالمات أو الرسائل.
3. التعاون على الخير: المشاركة في الأعمال الخيرية والدعوية تعزز من روح الأخوة.
4. حفظ الحقوق: الالتزام بحقوق الأخوة التي أقرها الإسلام، مثل النصح والستر والدعاء.
5. الاقتداء بالنبي ﷺ: تطبيق مبادئ الأخوة التي عاشها النبي ﷺ مع أصحابه.
6. التسامح والاعتذار: الأخوة تتطلب التسامح عند الخطأ، والاعتذار عند الإساءة، مما يزيل الأحقاد ويقوي العلاقات.
7. الصدق والإخلاص: الأخوة الحقيقية لا تكون إلا بالصدق والإخلاص، بعيدًا عن الرياء أو المصلحة الشخصية.
خاتمة:
الصداقة والأخوة في الله نعمة عظيمة يجب أن نشكر الله عليها، ونسعى للحفاظ عليها وتقويتها لأنها علاقة تُقربنا من الله، وتُعيننا على طاعته، وتُثري حياتنا بالخير والمحبة، فلنحرص على الالتزام بحقوق الأخوة، ولنكن مثالًا حيًا للأخلاق الإسلامية في تعاملاتنا، بذلك نكون قد أسهمنا في بناء مجتمع قائم على المحبة والتعاون، يعكس جمال الإسلام وروحه السامية، كما يجب أن نعمل جميعًا على مواجهة تحديات العصر التي تؤثر على هذه العلاقة، من خلال تعزيز القيم الإسلامية والاقتداء بالنبي ﷺ وأصحابه. بهذا نحافظ على هذه الرابطة القوية التي تجمع بين المؤمنين في الدنيا، وتكون سببًا في دخولهم الجنة بإذن الله. قال النبي ﷺ :المتحابّون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء (سنن الترمذي: 2390)

تعليقات