ولكن مع الأَسَف الشَّديد نحنُ مُنهمِكون في بِناء البُنيان وتَشْيِيدِ الْمَعاقِل، وغافِلون عن الموت وسَكَراتِه والقبرِ وأهوالِه، وقال شاعرٌ:
زَيَّنْتَ بيتَك جاهِلاً وعَمَرْتَهُ ولَـعَلَّ غيرَك صاحبُ البيتِ
مَـنْ كانتِ الأيّامُ سائِرَةً به فــكأنّه قد حـلَّ بِـالـمـوتِ
والمَرءُ مُرتَهَنٌ بِسَوْفَ ولَيْتَنِي وهَلاكُهُ في السَّوْفِ وَاللَّيْتِ
للهِ دَرُّ فَـتـًـى تَـدَبَّـرَ أَمْــرَهُ فغَدا وراحَ مُبادِرَ الْمَوتِ([1]).
واعلموا إخواني المسلمين أنّ النبيَّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم كان يَكرَه التَّطاول في البُنيان والاستِغراقَ في زَخْرَفَته، كما رُوِيَ عن سيِّدنا أنس بن مالكٍ رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خَرَجَ، فرأى قُبَّةً مُشْرِفَةً فقال: «ما هذه؟». قال له أصحابه: هذه لفلان، رجل من الأنصار قال: فسَكَتَ، وحَمَلَها في نفسه حتّى إذا جاء صاحبُها رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم، يُسَلِّمُ عليه في الناس أَعْرَضَ عنه، صَنَـعَ ذلـك مِـرارًا حتّـى عَـرَفَ الرجـلُ الغَـضَـب فيــه والإعـراضَ عـنـه،