مدونات مختارة
الأكثر شهرة
فضائل وثمرات قيام الليل | الشيخ أيمن ياسر بكار
هو إقامة للروح على معارج القدس، وإقامة للحياة وترويحٌ للنفس، ومناجاة للمولى وكلام همس، حيث يحلو القرب من الله والأنس، هذه السنة والعبادة التي أصبحت منسيةً، فتسلط علينا كل وسواس خناس، فاضطربت الأحوال وضاقت الحياة على الناس، هل عرفتم عن ماذا أتحدث؟ إنها (قيام الليل) وهذه كلماتٌ وقطوف من دوحة القانتين والذاكرين، نستشعر بها معاني الصلاة في جوف الليل،
فضائل قيام الليل:
يقول الله تعالى مادحاً عباده المؤمنين بخصالٍ جميلة وأعمالٍ جليلة:
(تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)
ومن أخص هذه الصفات (قيام الليل) الذي هو طريق الأولياء إلى الله، الولاية تلك المنزلة التي يتمناها كل مسلم، منزلة القرب والعناية فندخل في قوله تعالى
(أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
فطريق الأولياء إلى الله هو: الابتعاد عن المحرمات، وأداء الفرائض، والتقرب بالنوافل كلٌ بحسب استطاعته وإقباله، وأفضل النوافل قيام الليل، جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:
"أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل"
وهذا الفضل الكبير لقيام الليل لأنه أقرب إلى الإخلاص فهو عبادة سرية لا يعلم بها أحد، وفيه مشقة على النفس فالمؤمن يقوم من فراشه ونومه وراحته، وهو أقرب إلى التدبر والخشوع .. ولهذا سميَ قيام الليل (شرف المؤمن) قال عليه الصلاة والسلام:
”أتاني جبريل فقال يا محمد، عِشْ ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس“
فوائد وثمرات قيام الليل:
وفوائد قيام الليل عظيمة وثمراته كثيرة أذكر لكم بعضها:
(ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني، فأستجيب له من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له)
«إنَّ من اللَّيل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرًا إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة»
«عليكم بقيام الليل؛ فإنَّه دأبُ الصالحين قبلكم؛ فإنَّ قيامَ الليل قُرْبَةٌ إلى الله عز وجل وتكفيرٌ للذُّنوب ومَطْرَدَةٌ للدَّاء عن الجسد ومنهاة عن الإثم» وقال العراقيُّ: إسنادُه حسنٌ
(وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ)
«رَحم اللهُ رجلاً قام من الليل فصلَّى وأيقظَ امرأتَه، فإن أَبَتْ نضح في وجهها الماءَ، ورحم اللهُ امرأةً قامت من اللَّيل فصلَّت وأيقظت زوجَها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء»
" يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل،والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام "
حال السلف مع قيام الليل:
ولهذه الفضائل والفوائد صار قيام الليل حال الصالحين ودأب العابدين، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يَمُرُّ بالآية من ورده بالليل فيسقط، حتى يعاد منها أيَّامًا كثيرة كما يُعادُ المريضُ
وكان ابنُ مسعود رضي الله عنه إذا هدأت العيونُ قام فيُسْمَعُ له دَويٌ كَدَويِّ النَّحل حتى يصبحَ
كل ذلك الحرص على قيام الليل خوفاً من عذاب الله سبحانه، ورجاء لرضى الله سبحانه، قال المغيرةُ بن حبيب: رمقتُ مالك بن دينار رحمه اللهُ فتوضَّأ بعد العشاء ثم قام إلى مُصَلَّاه فقبضَ على لحيته فخنقته العبرةُ فجعل يقول: اللهم حَرِّمْ شيبةَ مالك على النار، إلهي قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار، فأيُّ الرجلين مالك، وأيُّ الدَّارين دار مالك؟! فلم يزل ذلك قوله حتى طلع الفجر
سبحان الله، هذا حال الولي الصالح والرجل العابد مالك بن دينار فما حالنا نحن اليوم الذين غرقنا في الذنوب والغفلة؟!!
وكما أن الطعام لنا أمر لا نتركه في كل يوم فكذلك كان حال سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين مع قيام الليل، ويندر أن تجد أحداً في ذلك الزمان لا يصلي في جوف الليل، وإن وجد فهو أمرٌ منكرٌ مستغرب، كان للحسن بن صالح جاريةٌ فباعها من قوم، فلما كان في جوف الليل قامت الجاريةُ فقالت يا أهلَ الدار، الصلاة الصلاة فقالوا : أصبحنا؟ أَطَلَعَ الفجرُ؟ فقالت: وما تُصَلُّون إلا المكتوبة؟! قالوا: نعم، فرجعت إلى الحسن فقالت: يا مولاي بعتني من قوم لا يُصَلُّون إلا المكتوبة؛ رُدَّني، فَرَدَّها
وعن مسعر عن رجل قال: أتى طاووس رجلاً في السحر، فقالوا: هو نائم، فقال: ما كنت أرى أن أحداً ينام في السحر؟
الحث على قيام الليل:
إن قيام الليل هو السبيل الأوفى للإصلاح للفرد والأسرة والمجتمع والمنزل الأكرم للسعادة والرضى والعلاج الأنجع للحفظ من الفتن، وبعد أن استعرضنا بعض الفضائل والفوائد لقيام الليل فحريٌ بنا أن نسارع إلى امتثال هذه العبادة العظيمة، لما يترتب عليها من مهنئة في العيش وسعة في الرزق، ورضى الرحمن ومسارعة الدخول إلى الجنان بسلام، كل هذه الخيرات الدنيوية والأخروية مفتاح بابها الصلاة في جوف الليل، فهل يليق بمسلمٍ أن يتأخر عنها؟ هل يليق بمسلم أن يقصر فيها؟ إن الإنسان فُطرَ على حب الخير والسعادة، وها نحن الآن نتعرف على مفتاح الخير كله (قيام الليل) فهيا لنشمر عن ساعد الجد، ونسعى لنكون من أهل القرب، ونسارع لنخرج من الغفلة ونكتب مع الذاكرين قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم
(من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين)
ومن الأسباب التي تعيننا على قيام الليل: ترك المعاصي، والحرص على الأكل الحلال وتجنب الحرام، الاستعانة والتقوي بقيلولة في النهار، والإكثار من ذكر الله في النهار. عسى نحظى برضى التواب الغفار، وندخل في فريق أتباع المختار صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
صلاة قيام الليل وطريقة تأديتها:
ويندب أن تكون صلاة الليل في آخره، فهو أفضل الأوقات، وأقل ما ينبغي أن يتنفل بالليل ثمان ركعات، والأفضل أن يصليها أربعاً أربعا، وطول القيام فيها أفضل، هذا مذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى
فيا أيها المسلم اشددْ مئزرك واسْعَ لإرضاء الله تعالى، وقف بين يدي ربك متواضعاً وخاضعاً في جوف الليل، وكن من المستغفرين بالأسحار، فلن يخيب أملك ولن يُبعدك عن رحمته بل سيدنيك منه ويُكرمك بالخير الكثير ويمن عليك بالنعم الوفيرة،
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لقيام الليل ويجعلنا من الذين يعبدونه أناء الليل وأطراف النهار.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
تعليقات