الصلاة على الميت وما يتعلق به | الشيخ محمد إلياس اليماني


نشرت: يوم الأَربعاء،26-يونيو-2019

الصلاة على الميت وما يتعلق به

اَلحَمدُ لِلّهِ وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وَبَعدُ.

مِنْ الْمَعْلُومِ أَنّ لِلْإِنْسَانِ أَحْكَاماً فِي الحَيَاةِ، لَا بُدّ لَهُ مِنْ مَعْرِفَتِهَا، وَالعَمَلِ عَلَيهَا، وَأَيضاً لَهُ أَحْكَامٌ بَعدَ وَفَاتِهِ، فَلَا بُدّ لَهُ من مَعرِفَتِهَا وَالعَمَلِ بَموجِبِهَا، وَأَيضاً مِنْ الْمَعْلُومِ أنّ كُلَّ نَفْسٍ لَها نِهَايَةٌ وهي ( اَلْمَوتُ) كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى:

كُلُّ نَفۡس ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِ(آل عمران :١٨٥)

وَلَا بُدّ لِلْحَيِّ من مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْمَرِيضِ قَبلَ الْمَوتِ، وَأَحْكَامِهِ بَعدَ مَوْتِهِ مِنْ الغَسْلِ وَالتَكفِينِ وَالصَّلَاةِ عَلَيهِ وَغَير ذَلكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الّتِي تَتَعَلّقُ بِهِ، لِذَا فَقَدْ جَمَعْنَا لَكُمْ فِي هَذِه الرِّسَالةِ الْمُخْتصَرةِ مَا تَيَسّرَ مِنْ الْأَحكَامِ الْمُهِمّةِ الّتِي تَتَعلّقُ فيما بَعدَ المَوتِ بِاخْتِصّارْ...

ما ينبغي أن يُفعل للميت بعد الموت مباشرة

لَقَد اتَّفَقَ الفُقَهاءُ إِذَا مَاتَ المـــُسْلِمُ شُدّ لِحْيَاهُ، وغُمّضَتْ عَينَاهُ، وَيَقَومُ بِهِ أَرفَقُ أَهْلِهِ وبَأَسْهَلِ مَا يَقدِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَشُدُّ لِحْيَاهُ بِالخْرِقَةِ أَو العِصَابَةِ العَرِيضَةِ مِنْ تَحْتِ لِحْيَتِهِ يَرْبِطُهَا عَلَى رَأسِهِ كَمَا وَرَدَ عَنْ النَّبيِّ صَلَى اللهُ تَعَالَى عَلِيهِ وآلِهِ وصحبه وَسَلّمَ: فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:

دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأَغْمَضَهُ وَيَدعُو لِلمَيِّتِ، وَيُلَيِّنُ مَفَاصِلَهُ، وَيقْبضُ له أَصَابِعَ كَفَّيهِ، وَيَمُدُّهَا لتَلْينِ، وَكذَلكَ فَخِذَيْهِ وسَاقيْهِ وبقية مفاصله، وَيُستَحَبُّ نَزعُ ثِيَابِ المِيِّتِ التَي مَاتَ فِيهَا، إِلّا إِذَا كَانَ شَهِيداً فَيُكَفَّنُ فِي ثَوبِهِ(راجع الهندية ج١,ص١٥٤)

الإعلام بموته

كَمَا يُستحَبُّ إِعلَامُ جِيرَانِ المَيِّتِ وَأَصْدِقَائِهِ وَأَقْرِبَائِهِ لِيُؤدُّوا حَقَّهُ بِالصَّلاةِ عَلَيهِ وتشْيِيعِهِ، وَيُكرَهُ أَن يُطَافَ بِهِ فِي المـــَجَالِسِ، لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الجَاهِلِيّةِ وَأَيضاً كُرِهَ النِّدَاءُ فِي الأَسْوَاقِ، وَلَكِنْ قِيلَ لَو كَانَ عَالِماً أَو زَاهِداً أَو مِمَن يُتَبرَّكُ بِهِ، فَقَد اْستُحْسِنَ النِّدَاءُ فِي الأَسْوَاقِ لِجَنَازِتِهِ.

تجهيز الميت

ققَالَ العُلَمَاءُ: إِنْ تَيَقَّنَ مَوتُ المـــُسلِمِ يُبادَرُ إِلَى تَجْهِيزِهِ وَلَا يَصِحُّ التَّأَخُّرُ إِلّا لِعُذرٍ شَرْعِيّ، لِقَوْلِهِ عَلِيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ:

لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ. (سنن ابي داوود , ج ٣ , ص ٢٠٠)

وَقَالَ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ: تَغْسِيلُ المَيِّتِ وَاجِبُ كِفَايةٍ، وَتَكْفِينُهُ بِمَا يَسْتُرُهُ فَرضٌ عَلَى الكِفَايَةِ.

الصلاة على الجنازة، والدعاء للميت

قَالَ جمهُورُ الفقهاء: إِنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الجَنَازَةِ فَرضٌ عَلَى الكِفَايَةِ، وَعِنْدَ البَعْضِ سُنَّةٌ عَلَى الكِفَايَةِ وبَعدَ الصَّلاةِ يَدعُو لِلمَيِّتِ كَمَا ثَبَتَ عَنْ النَّبيِّ صَلَى اللَهُ تَعَالَى عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ

"إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ" (سنن أبي داوود,ج٣,ص ٢١٠ )

أما فضل الصلاة على الجنازة (الميت)

فإذا أردتَّ أن تَعْرِفَ الأَجْرَ وَالثَّوَابَ الذي يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الصَّلاةِ أَخِي المــُسْلِم فإليكَ ما يدلّ على فضْلِها...؟

إِنَّ أَجْرَ صَلاةِ الجَنَازَةِيَعْدِلُ قِيرَاطَينِ إذا اسْتَمرّ حَتّى يَتِمَّ دَفْنُ الـمَيِّتِ، وَالقِيرَاطُ الوَاحِدُ لــِمَن صَلّى صَلاةَ الجَنَازَةِ فَقَط، أَفتَظُنُّهُ قَلِيْلاً...؟ لَا...! بَلْ إنَّ القِيرَاطَ مِثلَ جَبَلِ أُحُدٍ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى اللهُ تعالى عليه وآله وسلم قَالَ:

مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ، إيمَاناً وَاحْتِسَاباً، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإنَّه يَرْجِعُ مِنَ الأجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أنْ تُدْفَنَ، فَإنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ. (البخاري,ج١,ص ١٨)

تشييع الجنازة أحوالها وكيفيتها

ذَهَبَ الجُمهُورُ إِلى أَنّ تَشيِيعَ الرِّجَالِ سُنَّةٌ لِحَدِيثِ البَراءِ بْنِ عَازِبٍ:

أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ

وَالأَمْرُ هِنَا لَلنَّدُبِ لَا لَلوُجُوبِ لِلإِجْمَاعِ، وَقَالَ الزَّينُ بْنِ المُنِيرِ مِنْ المَالِكِيّةِ :

إِنّ اتِّبَاعَ الجَناَزَةِ مِنْ الوَاجِبَاتِ عَلَى الكِفَايِةِ

أما حالاته فهي:
(١) الصَّلَاةُ عَلَيهَا وَالانْصِرَافُ
(٢) الصَّلَاةُ عَلَيهَا ثُمّ المَشْيُ مَعَهَا حَتَّى الدَفنِ
(٣) الصَّلَاةُ عَلَيهَا وَ المَشْيُ مَعَهَا حَتَّى الدَفنِ وَالجُلُوسُ عَلَى قَبرِهِ بَعْدَ الدَّفْنِ مدة لَحْظَات

فوائد اتباع الجنائز:

إِنَّهَا تُذكّرُ بِالمَوتِ، وَتُذكّرُ التَّابِع لها بالاسْتِعْدَادِ لِلآخِرَةِ، وأَنّ الّذِي أَصَابَ أَخَاهُ المُسْلِمَ سَيُصِيبُهُ يَوماً مَا، وَأَيضاً فِيهَا جَبرُ خاطرٍ وَمَواسَاةٌ لِلمُصَابِينَ وَتَعزِيةٌ فِي مَيِّتِهِم، فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ أُجُوراً كَثيراً، أَجْرَ الصَّلاةِ، وَالتَّعْزِيَةِ وَالجَبْرِ وَالمُوَاسَاةِ، وعَلَى كُلِّ حال فإِنّ فِي اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ مَصَالحَ وفوائدَ كَثِيرة..

من يقوم بالتجهيز:

لَقَدْ قُلنَا سَابِقاً إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِذَلِكَ أَرْفَقُ أَهْلِهِ، وبَأَسْهَلِ مَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِماً وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ثِقَةً أَمِيناً عَالماً بِأَحْكَامِ الغَسلِ ثُمّ إِنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلاً تَوَلّى تَغْسِيلَهُ الرِّجَالُ، وِإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ اِمْرأةً تَوَلّى تَغْسِيلَهَا النِّسَاءُ، وَلِكِنْ أصْبَحَ فِي زَمانِنَا كَثِيرٌ مِن النَّاسِ لَا يَعلَمُونَ عنْ مَسَائِلَ التَّكْفِينِ وَالتَغْسِيْلِ وتجهيزِ الميِّت، وهي من أبسطِ الأحكام، لِذَلِكَ فَتَحَ مَركَزُ الدَّعوَةِ الإِسْلَامِيِّةِ قِسْماً خَاصاً سمّاهُ: (قِسْمُ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ) حَيْثُ يَقُومُ هَذَا القِسْمُ بِتَعلِيمِ النَّاسِ الأُمُورَ وَالمَسَائِلَ الّتِي يِنبَغِي الاهْتِمَامُ بِهَا عِندَ تَغْسِيلِ المَيِتِ وَتَكْفِيْنِهِ.

الخاتمة

هَكَذَا بِحَمدِ اللهِ وَفضْلهِ جَمَعْنَا لَكُمْ فِي هَذِهِ الرِّسَالةِ الصَّغِيرةِ الأَحْكَامَ الهَامةَ الّتِي تَتَعَلّقُ بالميتِ وتجهيزِه وعلى الآباءِ أن يَهْتمُّوا بتعليم الأبناء هذه الأحكامِ التي ينبغي أنْ لا تُهمَل..

فَإِنَّنا نرى كثيراً من الكبارِ لا يعرفونَ هذه الأحكام كما نرى أحياناً أكثر الناس يسألون عن بعض أحكام الجنازة البسيطةِ حين يقومُون بالصَّلاةِ عليها، فما أحوجَنَا في هذه الأيامِ لمثل هذه الرسَائلِ والفوائدِ التي تبيّن لنا أحكامَ الشرعِ والدينِ.

تعليقات



رمز الحماية