آداب الجواب وثمرات حسن الخلق والخطاب | ام حيان عطاريه


نشرت: يوم الخميس،24-مارس-2022

آداب الجواب وثمرات حسن الخلق والخطاب

الأدب مفهوم شامل لحسن الأخلاق في الأقوال والأفعال، وحسنُ اختيار الكلمات له قيمة عالية في ديننا الحنيف..

ولقد عَرّف الجرجانيُّ الأدبَ بأنه "عبارة عن معرفة ما يُحترز به عن جميع أنواع الخطأ"

فهو علم يصلح ويضبط للمرء لسانه وأفعاله. وقد أشار سلفُنا الصالح إلى أهمية الأدب بقولهم: نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم.

ويقول الإمام القرافي في كتابه "الفُروق": واعلم أنّ قليلًا من الأدب خيرٌ من كثير من العمل، ولذلك هلك إبليس وضاع أكثر عمله بقلَّةِ أدبه.

فالنبي عليه السلام عندما نهى عن الغضب كان المقصود هو النهي عن الأفعال الناتجة عنه، أَلَا وهي ردة الفعل والشعور لا يُحاسب المرء عليه إنّما الحساب على الأقوال والأفعال..

فبعض الناس إذا كان الذي أمامَه مؤدّبًا كان كذلك، وإذا ما كان فظًّا كان ردة فعله مثله، فالحكمة مطلوبة حسبَ المواقف والأفعال، وسرعة البديهة في الجواب القوي المؤدّب يكون أقوى وأشدّ على قلب المخاطب من الكلام الغليظ الجارح، والقرآن حثّنا على حسن الخطاب بقوله تعالى:

﴿وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ﴾

أي: علينا اختيار أحسن الألفاظ فهذا ما أمرَنا به ربُّنا سبحانه وتعالى ...

وكما أنّ القرآن خصَّ في محكم آياته الحوارَ الذي هو في غاية الأدب مع غير المسلمين فقال تعالى:

﴿قُل لَّا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّآ أَجۡرَمۡنَا وَلَا نُسۡـَٔلُ عَمَّا تَعۡمَلُونَ ٢٥﴾

حيث نسب الإجرام إلى نفسه والعمل للمخاطب ليفتح أُذُن السامع وقلبه بهذا الأدب الرفيع إلى تقبّل كلامه،

فلقد كانت العرب تمدح الشخص سريع البديهة في رده الحكيم المهذب، فهناك مواقف تحتاج لحكمة بالغة في الرد المسكت، وذلك فيما إذا كان الشخص يريد الدفاع عن نفسه، فيرد ردًّا مؤدّبًا بليغًا بحيث يستعيد كرامته، ويكون هذا الجوابُ أشدّ من الضرب على القائل.

ومما ورد في هذا الباب من الأجوبة القوية المهذّبة قصة بثينة التي ذكرها الشاعرُ جميل في أشعاره فقد رُوي أنها لما دخلت على عبد الملك بن مروان فقال لها: والله! يا بثينة! ما أرى فيك شيئاً مما كان يقول جميل. قالت: يا أمير المؤمنين، إنه كان يرنو إليَّ بعينين ليستا في رأسك..

وسأل إنسان ثقيل الشاعر بشار بن برد قائلا: ما أعمى الله رجلاً إلا عوّضه، فبماذا عوضك؟!

فقال بشار: بأن لا أرى أمثالك.!!

لكن إذا لم يكن هناك استهزاء من الطرف الآخر فإنّ الأدب والخلق الحسن في الردّ بدون إيقاع المخاطب في إحراج يجعل الإنسان محبوبًا عند الله والناس، وليس كلّ موقف يحتاج لردٍّ، فأحيانًا يكون الصمت أبلغ من الكلام، كما قال الله تعالى في وصف عباد الرحمن:

﴿وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا ٦٣﴾

وفي هذا الباب قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:

إذا كلّمك السفيهُ فلا تُجبْه
فخير من إجابته السكوت.

فالمؤمن الفطن الحكيم يعرف المواقف التي تجعله يصمت ويكون صمته فيها عبادة، وخاصة في المواقف التي قد يفتح الجواب فيها بابًا للجدال المنهيّ عنه شرعًا، فهنا يكون السكوت أسلم.

ورسولنا الكريم قد ضمِن لنا بيتًا في ربض الجنة لمن ترك الجدال ولو كان محقًّا ...

وقد وضع القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أُصولًا وقواعدَ للتعامل مع الخلق كي يضمنوا لنا علاقات إيجابية حسنة، مع جيل ينشأ في ربوع الإيمان قولًا وفعلًا، فكان للأدب من الفضل ما له.. فوضع لنا الدين إرشادات في التربية والتهذيب، وقواعد للسلوك والأخلاق والمعاملة، فجعل لحسن الخلق مراتب عالية؛ لينشأ مجتمع متماسك خلوق، وبهذا انتشر الإسلام، وكان انتشاره في الخلق الحسن أكبر بكثير من انتشاره بأي شيء آخر.

وأخيرًا نسأله تعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو، ويصرف عنّا سيّئها، لا يصرف عنّا سيّئها إلا هو، وأن يرزقنا حسن الأدب وجميل الخصال، لنحظى بمرافقة خير الأنام خَلقًا وخُلقًا صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مركز_فيضان_المدينة
#مؤسسة_مركز_الدعوة_الإسلامية

تعليقات



رمز الحماية