الدعوة الفردية | الشيخ علاء زيات


نشرت: يوم الجمعة،15-أبريل-2022

الدعوة الفردية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، أما بعد:

ما زلنا أحبتنا في سلسلتنا المباركة هذه نتحدث عن الأعمال الدينية الاثنتي عشرة لمركز الدعوة الإسلامية، التي تعتبر جوهر نشاطات وأهداف هذا المركز الدعوي المبارك، والتي تنقسم كما ذكرنا سابقًا إلى خمسة أعمال يومية، وخمسة أسبوعية، وعملين شهريين، وقد تحدثنا في العدد السابق عن حلقة السنة وأهميتها.. واليوم نتحدث عن عمل آخر يسمى "الدعوة الفردية".

أهمية الدعوة الفردية:

الدعوة إلى الله تعالى أحد أركان الأعمال الدينية الهامة، والتي لا يتمّ صلاح المجتمع إلا بها، كما قال الله تعالى:

﴿وَٱلۡعَصۡرِ ١ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ ٢ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ ٣﴾

فبعد أن أقسم المولى جلّ جلاله بالعصر بيّن أنّ الإنسان في هذه الحياة خاسر لا محالة إلا إذا تحقّق بأربع صفات: 1- الإيمان بالله ورسوله، 2- والعمل الصالح، 3- والتواصي بالحقّ، 4- والثبات عليه.

ومن أهمّ نماذج التواصي بالحقّ: الدعوة الفردية، حيث يجتهد كل مسلم بتوصية أهله، وجيرانه، ومن حوله بطاعة الله، والابتعاد عن معاصيه، وقد أمر الله سبحانه وتعالى هذه الأمة المحمديّة بالنهوض في أمر الدعوة، فأوصى بتشكيل فئة من العلماء الذين يأمرون الناس بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، ووصف القائمين على هذا العمل بالمفلحين، فقال تعالى:

﴿وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٠٤﴾

وفي خِضَمّ غفلات الدنيا التي تغرق الإنسان في شهواتها، وملهياتها، تجد مجالس العامة من الناس مليئة باللغو والفضول إن لم تكن في المعاصي والآثام، في حين إذا ما حضر المؤمن هذه المجالس قام لينطق بأحسن الكلام وخيره، ويدعو إلى الله تعالى، ويذكر بالتوبة، والعمل الصالح، قال الله تعالى:

﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ٣٣﴾

ولا يخفى على مسلم الأجر والثواب الذي يجنيه حينما يدعو إلى الله تعالى فقد روى البخاري وغيره أن النبي ﷺ قال لعليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه:

لما بعثه إلى خيبر: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم).

والأعظم من ذلك أنّ له من ثواب أعمالهم نفس الأجر دون أن ينقص من أجورهم، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنّ رسول الله ﷺ قال:

(من دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا).

مفهوم الدعوة الفردية في مركز الدعوة الإسلامية:

إن مفهوم الدعوة الفردية يعتبر الشق الثاني من شعار مركز الدعوة الإسلامية ألا وهو: (عليّ محاولة إصلاح نفسي وجميع أناس العالم... إن شاء الله عز وجل)، وتتمثل رؤية فضيلة الشيخ محمد إلياس العطار القادري حفظه الله تعالى في أن يخرج الدُّعَاةُ إلى الأسواقِ والْمحلات والدوائر لوعظ الناسِ وتَرقيقِ قلوبِهم وتذكيرهم بالله تعالى، وحَثِّهِمْ على حضور الاجتماع الأسبوعي للمركز ليتلقّوا العلوم الشرعيّة الفرضيّة، وذلك انطلاقًا من قول الله سبحانه وتعالى:

﴿وَذَكِّرۡ فَإِنَّ ٱلذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٥٥﴾

ولا شكّ أن الداعية ينبغي أن يكون متحلّيًا بالأخلاق الحميدة الفاضلة، فيجتهد بين الناس في الدعوة، ويصبر على آذاهم، ويضع نصب عينيه قول الله عز وجل:

﴿وَذَكِّرۡ فَإِنَّ ٱلذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٥٥﴾

ثم يحرص على التواصل مع الإخوة الذين استجابوا لدعوته، ومساعدتهم للحضور في الاجتماعات، وترغيبهم بطاعة الله تعالى والتزام هدي الحبيب ﷺ، ومن ثم الخروج مع القوافل الدعوية، والمشاركة في الأعمال الدينية للمركز...

كما أن دعاة المركز يحرصون على حضور المناسبات العامة والخاصة بين الناس، حتى يتسنّى لهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترغيب الناس بالالتحاق بركب الدعوة في مركز الدعوة الإسلامية ليحملوا هذه الرسالة المباركة إلى كلّ الدنيا..

من الصفات المطلوبة في الداعية:

لابد لنا أن نذكُر بعضًا من الصفات الهامة التي ينبغي على الداعية أن يتحلى بها في سبيل النجاح والفوز في عمله:

الإخلاص: أهم صفة ينبغي أن يتصف بها المسلم في كل أعماله؛ لأن صدق النية هو المعول عليه في قبول الأعمال، والله تعالى لا يقبل من العبادات إلا ما كان خالصًا لوجهه الكريم، والداعية يمثل القدوة الحسنة للناس، فينبغي أن يخلص نيته لله تعالى حتى يكتب له القبول من الله تعالى، والقبول من الناس، قال الله سبحانه وتعالى:

﴿وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ ٥﴾

حسن الخلق: لا شيء أسرع إلى دخول قلوب الناس من حسن الخلق، وهذا أعظم صفة وصف بها الحبيب ﷺ من الله تعالى حين قال له:

﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ ٤﴾

لذلك أحيا الله تعالى به الأمة الجاهلية، وأخرجها من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الإيمان والهداية، ولولا عظيم خلقه ﷺ لما كُتب لهذه الدعوة المحمدية التوفيق والنجاح، قال الله تعالى:

﴿وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ﴾

لذا وجب على الداعية أن يبقى طول عمره ساعيًا في تزكية نفسه، ويرتقي بها في مكارم الأخلاق على خطى الحبيب ﷺ.

العلم: الدعوة الفردية لا يمكن أن تؤتي أكلها إن لم يكن حاملها عالِمًا بما يدعو إليه، وأقل النصاب أن يكون ملمًّا بالعلوم الفرضية فهي واجبة على كل مسلم، وسيتعرض كثيرًا للسؤال عنها في مسيرته، ثم عليه أن يكون عالِمًا عاملاً بسنن الحبيب ﷺ، إذْ أنه يدعو في النهاية إلى الاقتداء به، فكيف لا يكون عالِمًا وعاملاً بها، مستنيرًا بقوله تعالى:

﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٠٨﴾

العمل: أخطر شيء يسيء إلى الدعوة عدم صدق حامليها في تطبيقها، أما بالنسبة للناس: فهم ينظرون إلى الداعي نظرة القدوة، إذا ما عمل عملوا، وإذا ما ترك تركوا، فكيف بهم إذا رأوه يدعو إلى أمر ولا يأتيه، أو ينهى عن أمر ويأتيه..!؟ سيسقط من أعينهم، ثم تأتي بعد ذلك المصيبة الكبرى من الناس ألا وهي التعميم، فيظنون أن كل الدعاة والعلماء غير صادقين في دعوتهم، حينمها تسقط راية الدعوة في أعينهم، وهمّها من قلوبهم.

وأما بالنسبة للآخرة: فيكفي ذلا وهوانا أنه اتصف بصفة من صفات المنافقين، وقد حذرنا مولانا جلّ شأنه من هذا، فقال سبحانه وتعالى:

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ ٢ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ ٣﴾

قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى: (يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا وصدَّقوا الله ورسوله، لِمَ تقولون القول الذي لا تصدّقونه بالعمل، فأعمالكم مخالفة أقوالكم). (تفسير الطبيري: 12/79) نسأل الله تعالى أن يخلقنا بأخلاق الحبيب ﷺ، وأن يسلك بنا على هداه، وأن يحشرنا تحت لوائه، إنه سميع قريب مجيب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين..


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مركز_فيضان_المدينة
#مؤسسة_مركز_الدعوة_الإسلامية

تعليقات



رمز الحماية