مدونات مختارة
الأكثر شهرة
العالَم وصل إلى القمر فأين علماء الدين من ذلك؟ | الشيخ محمد قاسم العطاري
بعض الناس يقولون: إن الإسلام يحتاج إلى التطوّر والإصلاح؛ لأن العالَم وصل إلى القمر والإنسان قد سخر الرياح، ولكن المسلمين ما زالوا مشتغلين بمذاكرة الكُتُب التي صُنّفْت قبل ألف وأربعمائة سنة من صحيح البخاري ومسلم وسنن الترمذي وغيرها، وملتزمين بتعليماتها، وفي عصرنا هذا نحن نحتاج إلى نسخةٍ نموذجية من الإسلام على حسب مقتضياته الجديدة، وهكذا نسمع عبارات أخرى مشابهة لهذا، لذا سنناقش هذا الموضوع بدقّة من خلال النقاط التالية:
لا تنسوا أنّ هذا الكلام قد تردّد على ألسنة النّاس، وأكثر الناس قد سمعه من قبل وأنّ العالَم قد وصل لسطح القمر، ونحن نقول له: أيها الأخ! اِصْعد أنت أيضًا، ما الذي يمنعك من الصعود إلى القمر؟ والدين لم يمنعك من ذلك، لكنّنا ننصحك ألاّ تذهبَ لضياع الوقت إلا إذا وجدت منفعة بذلك، وكل ما يخصّ المريخ من صعود وهبوط وإرسال للآلات وغيرها من الأمور الأخرى ما علاقة هذا بالتعليمات الدينيّة؟ فلكل فنٍّ رجال، إن الهبوط على سطح الأرض وإرسال الآلات إلى المرّيخ هي من تخصصات علماء الطبيعة، وهم فعلوها، ولكن لماذا يُسْتَخْدم هذا العمل ضدّ الدين، ولماذا يُستخدم في غير محلّه بدون فهم لحقيقته؟ إذا كان هذا الاستخدام صحيحًا هكذا فهناك كثير من الأماكن يجب نشر هذه الفكرة عندهم على حدّ فهمكم!
1) منها ما يجمعه الصحفيّون من الأخبار، ويكتبون فيه عَمودًا (من صحيفة يومية) ويُعلّقون عليها ويحلّلُونها، لماذا لا تذهبوا إليهم وتقولوا: أيا أحبتي! أنتم بشرٌ غرباء الأطوار، وإنّ العالَم قد وصل إلى القمر وأنتم ما زلتم تجمعون الأخبار! ألم تنتهوا من كتابة الأعمدة؟ اتركوا كلّ هذا، وتعالوا بنا لنصعد القمر.
2) وهكذا فلتذهبوا إلى الإسكافي الفقير المسكين الذي يكسب المعاش بتصليح الأحذية، ليُطعِم أهله، وقوموا بالثّرثرة معه أيضًا بأنّ العالَم والغرب قد وصل إلى القمر، وأنت ما زلت تصلح الأحذية! فلْتصعد إلى القمر! ولكن قد يكون هذا خطيرًا بالنسبة له فمن الممكن أن يوافق هؤلاء الحمقى فيتخلّى عن معاشه ليصعد القمر، ثم يجد نفسه قد فَقَدَ معاشه وعمله ولم يصعد إلى القمر!.
3) وأيضًا اذهبوا إلى هؤلاء المعلّمين في التربية المدنيّة أو الاقتصاد الإجتماعي أو الجغرافيا في المدارس والجامعات، وقوموا بهذه الثرثرة معهم أيضًا، يا معلّم الجغرافيا! ما هذا التعليم عن الجغرافيا وعن مواقع البحار وحدودها، وهذه الأنهار وبدايتها ونهايتها، وهي باقية في مكانها، لماذا تُشغلوا أنفسكم بها؛ ألا تعلمون أن العالَم قد وصل إلى القمر، وأنتم ما زلتم منشغلين بطول الأنهار وموعد فيضانها وضعفها! لتقولوا لمن يعلّم التربيّة المدنيّة: أنتم ما زلتم منشغلين بتحديد تعريف الدّولة وأنّ فلانًا عرّف الدولة كذا وفلانًا كذا، ما هذه العلوم التي تعملونها؟ إن العالَم قد وصل إلى القمر!
4) وهناك المزيد من المواقع، مثلاً: رجلٌ في حفلة زواجه، فليأته مثل هذا الرجل الذي يتكلّم في كل وقت عن الوصول إلى القمر وليقل للعريس: يا للعجب! يا أخي! أنت مشغول في هذه الأعمال المتخلّفة من الزّواج والاحتفال والعالَم قد وصل إلى القمر! سينظر إليه ذاك العريس مندهشًا ليسأله! من أيّ مستشفى للمجانين هربتَ؟ ثمّ يقول له: ما علاقتي بهبوط العالَم على سطح الأرض أو القمر؟ لماذا تريد أن تكون عائقًا في حفلة زواجي؟.
ما سبق من الكلام قد يبدو وكأنّه مزاحًا، ولكنه في الحقيقة أنّ ربط الكلام عن الوصول إلى القمر بجمع الصّحفي للأخبار، وتصليحِ الإسْكافي للأحذية، وكلام الجغرافيّ عن البحار والأنهار، وكلام علماء التربية المدنيّة عن الدّولة، وزواج العريس غاية في الحماقة والغباوة، وربط هذا الكلام الفارغ بتعاليم الدين أشد بطلانًا وغباءً منه ألف مرة.
الجواب الحقيقيّ لهذا الكلام:
هو نفس الجواب الذي عَلّمَنا إياه القرآنُ إجابةً على مثل هؤلاء النّاس:
﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰماً ٦٣﴾
أي: السفهاء بما يكرهون خاطبهم أهلُ الإيمان خطابًا سديدًا من القول يسلمون فيه من الإثم والإيذاء والإفك ويتخلّصون منهم، فالإغضاء عن السفهاء مستحسن شرعًا ومروءة
والمهمّ أنه إذا خاض المخاطِب في الأمور التي لا جدوى منها فلا داعي للردّ عليه، بل يجب على الإنسان أن يتعامل معه بالعقل والفهم والشعور.
ويتّضح لنا ممّا سبق أنّ الدّنيا واسعة، وهناك آلافٌ من جوانب الحياة البشريّة، وحياة الإنسان وحدها تتطلّب ألفًا من الضّروريّات، وتحتاج قلمًا للكتابة وهاتفًا محمولاً للاتّصال عن بُعْد وكرسيًّا للجلوس وسريرًا للاستلقاء ومكيّفًا أو مِرواحةً للوقاية من الحرارة، وسخّانةً للوقاية من البرد وغيرها من الأشياء الأخرى التي لا تُعدّ ولا تُحصى في مزيد من الاحتياجات، هذه كلها احتياجات جسديّة، وغير ذلك هناك احتياجات أخرى لراحة الرّوح والقلب، وهناك متطلّبات خاصّة لقضاء العيش مع الأسرة والمجتمع، ولو فكّرنا في الدنيا التي تحتضن مليارات من النّاس فإننا سنحتاج إلى كثير من الأشياء المختلفة، فيجب على الأشخاص المختلفين القيام بعملهم في مجالهم الخاص، وإذا استمرّ أحد من الْمُدّعين للعلم والوصول إلى القمر بنفس السؤال وأنّ العالَم قد وصل إلى القمر وأنتم ماذا تفعلون؟ فنحن ننصحه ونقول له: يا أخي! كل إنسان له مجالٌ ونطاق يعمل فيه، لا يمكن لواحد القيامُ بجميع الأعمال، والتعاليم الإسلامية والوصول إلى القمر شيئان مختلفان، والهبوط على سطح القمر أو البحث عنه والاستعداد له أو غيره من الاختراعات العلميّة هي موضوع علم الطبيعة وليست موضوعاً دينيًّا.
موضوع الدين والإسلام هو كيف يمكن للإنسان أن يكون صالحًا؟ وما هو الغرض من حياته؟ وكيف يمكن له أن يصحّح أموره الأخلاقيّة والروحيّة؟ وكيف ينبغي للإنسان أن يتواصل مع غيره من البشر وقبل كلّ شيءٍ مع خالقه؟ ما هي أوامر خالقه وربّه؟ وكيف يُمكن للعبد الامتثال لها؟
كل هذا الكلام يشبه كلام أهل العلوم الاجتماعيّة عن القضايا العامّة للحياة، أو أهل التربيّة المدنيّة عن العلاقات المتبادلة بين الشعب، وما هي الحقوق التي تجب على الدولة والمواطنين.
ولا يمكن استرداد العلوم الاجتماعيّة والتربويّة والمدنيّة باسم أيّ تطوّر علميّ، كأنْ يبدأ أحد بالقول: إنّ علم الطبيعة قد أدهش العالَم بمختراعاته وأنتم ما زلتم تتحدّثون عن الأسرة والدولة والشعب!، مثل هذا الكلام عديم الجدوى وخطأٌ تمامًا وهو أكثر خطأً بملايين المرّات ممّا يقال باسم التقدّم العلميّ: إنّ الأوامر التي أنزلها الله والتّعليمات الإسلاميّة وما يتّصل بها من أبحاث وبحوث وتعليم لا طائل من ورائها.
صُنْع البنادق والمدافع والصّواريخ من مهامّ علم الطبيعة والصناعة ولكن هذا العلم لا يرشدك إلى أن تستخدمَ هذه الأسلحة ظلمًا على أحد؛ إنما الإسلام هو من يخبرك عن هذا العمل وحرمته أو مشروعيته، صنع الكامرا عمل من علوم الاختراع، لكن الدين هو من يخبرك بأنّ تسجيل الفيديو ضد أحد تهديدًا هو من الحرام، الأمانة والخيانة، الوفاء والخداع، حسن الخلق وسوءه، العدل والظلم، الإحسان والاغتصاب، المحبّة والكُرْه، الصّداقة والعداوة، العفو والانتقام، الشعور بالمسؤولية والخيانة بالعمل، الشّفقة والقسوة، السّخاء والبخْل، التّواضع والكِبر، الصبر والجزع، الشكر والكفران، القناعة والطمع، ضبط النفس وشدّة الغضب، السعادة والشّقاوة، الإخلاص والاحتيال، الفضائل والرذائل وغيرها الكثير من الأوصاف والشِيم والأخلاق موجودة في الإسلام دون غيرها من العلوم الأخرى وخاصة علوم الطبيعة، هل المصباح والهاتف والمكيّف والسيّارة والطّائرة والوصول إلى القمر مهمّة لحياة الإنسان؟ ولا يوجد أهميّة لأن يكون الإنسان صالحًا!
إذا كان هذا هو ما يعتقده اللّيبراليّون الأصليّون ونحوهم فليبق هذا الفهم والعلم مبارك لهم، وإذا كان السعي لأن يكون الإنسان صالحًا هو أيضًا الحاجة الأساسيّة للحياة، وبالتأكيد هو كذلك فإنّ الإسلام فقط هو من يخبرنا بذلك؛ لأنّه لا أحد يعرف الإنسانَ أفضل من خالقه، والطّريقة التي وصفها هذا الخالقُ ليكون الإنسان عبدًا صالحًا تُسمّى بـ"الإسلام" وهذا أكثر ما يحتاجه الإنسان.
#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
تعليقات