إنما أنا قاسم والله يعطي | المفتي محمد حسان رضا العطاري المدني


نشرت: يوم السبت،06-يناير-2024

إنما أنا قاسم والله يعطي

قال رسول الله ﷺ:

إنما أنا قاسم والله يعطي (صحيح البخاري: 1/42، (71)).

شرح الحديث

هذا الحديث الشريف لم يُصرّح فيه بما يقسمه النبي ﷺ، فمعنى الحديث حسب القاعدة يكون: أن كل نعمة مقسّمة من قبله ﷺ فلا ينال أحد شيئا إلا بواسطة النبي ﷺ.

تحصُّل كل شيء بواسطة النبيّ ﷺ

قال شارح البخاريّ محمد شريف الحق الأمجدي رحمه الله تعالى: لا يحصل لأحد في الخلق شيء إلا بواسطة النبي ﷺ، وقد ثبت الحديث الصحيح في البخاري وغيره أنه قال ﷺ: "إنما أنا قاسم والله يعطي"، فـ"قاسم" و"يعطي" متعلقهما "محذوف" وذلك يفيد العموم.

فمعنى الحديث: أن الله سبحانه وتعالى لا يعطي من الخلق من يشاء ما يشاء من نعمة سواء كانت جسمانية أو روحانية، ظاهرة أو باطنة إلا بواسطة النبي ﷺ، ولهذا قال صاحب إرشاد الساريّ الإمام أحمد القسطلانيّ رحمه الله في المواهب اللدنية وأقرّه العلامة محمد بن عبد الباقي الزرقانيّ رحمه الله في شرحه عليه: هو ﷺ خزانة السِّرّ، وموضع نفوذ الأمر، فلا ينفذ أمر إلا منه، ولا ينقل خير إلا عنه (فتاوى شارح البخاري لشريف الحق الأمجدي: 1/351، تعريبًا من الأردية) (المواهب اللدنية: 1/27).

من نال ما نال فقد ناله بواسطة النبي ﷺ

قال المفتي أحمد يار خان النعيمي رحمه الله تعالى:

هذا الحديث يؤخذ منه أن جميع نِعَم الدنيا والآخرة من علم وإيمان ومال وأولاد وغيرها إنما يعطيها الله ويقسّمها النبيّ ﷺ، فمن نال ما نال فقد ناله بواسطة النبي ﷺ، وذلك لأنه لا قيد في الحديث لما يعطيه الله وكذلك لما يقسّمه النبي ﷺ، فقول بعضهم "أن النبي ﷺ لا يقسم إلا العلم"، هي فكرة باطلة، وإلا لزم أن الله تعالى لا يعطي إلا العلم (مرآة المناجيح: 1/187، تعريبًا من الأردية).

فقد ذكر بعض العلماء في شرح هذا الحديث أن النبي ﷺ يقسم العلم فقط ولكن تقسيمه ليس خاصًّا بالعلم، فإن كثيرًا من الأئمة جعلوه عامًا من حيث إن كل نعمة سواء علمًا كان أو مالاً لا يقسّمها إلا النبيّ الكريم ﷺ.

كما قال شارح البخاري ابن بطّال المالكيّ رحمه الله تعالى (المتوفى: 449هـ):

قوله: إنما أنا قاسم: يدلّ على أنه لم يستأثر من مال الله دونهم، وإنما قاله تطييبًا لنفوسهم، لمفاضلته فى العطاء.

وقوله: والله يعطي: أي: والله يعطيكم ما أقسمه عليكم لا أنا، فمن قسمت له قليلًا فذلك بقدَر الله له، ومن قسمت له كثيرًا بقدَر أيضًا (شرح صحيح البخارى لابن بطال: 1/155، ملخصا). وكذلك في شرح النووي.

خليفة الله الأعظم

وقال المحدّث الجليل الحافظ ابن حجر الهيتميّ المكيّ رحمه الله (المتوفى: 974هـ):

أنه ﷺ خليفة الله الذي جعل خزائن كرمه وموائد نعمه طوع يديه وتحت إرادته يعطي منهما من يشاء ويمنع من يشاء (الجوهر المنظم لابن حجر الهيتمي: صـ 42).

ولمزيد من التفصيل حول هذا الموضوع، من المفيد مراجعة ودراسة كتابين للإمام أحمد رضا خان الحنفي الماتريدي رحمه الله وهما "الأمن والعُلَى" و"تَجَلِّي اليقين".


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية

تعليقات



رمز الحماية