لذة العلم من أعظم لذات الدنيا | محمد سجاد أنجم القادري


نشرت: يوم الإثنين،13-مايو-2024

لذة العلم من أعظم لذات الدنيا

في عالمنا المعاصر، يجد الإنسان نفسه في حيرة من أمره، لا يدري ما الذي يسعى إليه، ولا ما الذي يحقِقُ له السعادة والرضا، فكثير من الناس يبحثون عن المتعة واللذة في الملذات الحسية، لكنهم سرعان ما يصابون بالملل والفراغ، ويبحثون عن شيء آخر يملؤون به حياتهم، ولم يعلموا بأن هناك لذة لا تنتهي، ولا يصاب صاحبها بالملل أو الفراغ، بل تزداد لذته كلما تعلق بها، ألا وهي لذة العلم.

لذة العلم أيها القارئ الكريم من أعظم اللَّذات، وحلاوته تفوق كل حلاوة، وطعمه يعلو على كل الطعوم، وأهل العلم هم أهل السرور، وهم المنعَمون، فـالعلم بالأشياء لذة لا توازيها لذة كما يقول الإمام الشاطبي في (الموافقات: 1/67).

فلذة العلم تحف به في كل أحواله طلبا وتحصيلا وفهما وتبليغا: فلا يجد العالم وطالب العلم ومعلمه راحةً ولا أُنسًا ولا لذَّةً ولا نشوةً إلَّا بالعلم وفي العلم، حتى يألف الإنسان فيه الوَحدة بلا وحشة، ويفارق لأجل تحصيله الأهل والولد، وينفق من أجله المال والوقت، ويصرف فيه العمر، ويقضي الساعات، وينسى فيه الطعام والشراب مع الجوع والعطش، دون أن تؤزه نفسه عليه أو تشتاق لطلبه؛ كما قال النضر بن شميل اللغوي المحدث: لا يجد الرجل لذة العلم حتى يجوع وينسى جوعه (تذكرة الحفاظ: 1/314).

حلاوة العلم أعظم من حلاوة الرئاسة والوزارة

إن حلاوة العلم لا يضاهيها لذة أخرى، حتى لو كانت لذة الرئاسة والوزارة، كما يروي لنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي بسنده عن ابن العميد أنه كان يعتقد أن حلاوة الرئاسة والوزارة هي أعظم حلاوةٍ في الدنيا، حتى شاهد مذاكرة بين الإمام الطبراني وأبي بكر الجعابي رحمهما الله تعالى فقال:

* كان الطبراني يغلب الجعابي بكثرة حفظه، وكان الجعابي يغلب الطبراني بذكائه، حتى ارتفعت أصواتهما ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه.

ثم قال الجعابي: عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي، فقال: هاته، فقال: أخبرنا أبو خليفة: قال أخبرنا سليمان بن أيوب ....، وحدَّث بالحديث، فقال الطبراني: أنا سليمان بن أيّوب!، مني سمع أبو خليفة، فاسمع مني حتى يعلوَ إسنادك، فإنك تروي عن أبي خليفة عني! فخجل الجعابي وغلبه الطبراني.

قال ابن العميد: فوددت، في مكاني، أن الوزارة والرئاسة ليتها لم تكن لي وكنت الطبراني، وفرحت مثل الفرح الذي فرح به الطبراني لأجل الحديث (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 2/411).

* ويقول سيدنا إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السرور والنعيم إذًا لجالدونا عليه بالسيوف (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: 8/370 ).

العلم عوض عن كل لذة

* قال ابن أبي حاتم: سمعت المزني يقول: قيل للشافعي رحمه الله تعالى: كيف شهوتك في العلم؟ قال: أسمع بالحرف يعني الكلمة مما لم أسمعه؛ فتود أعضائي أن لها أسماعاً تتنعم بما تنعمت به الأذنان.

* وقيل له: كيف حرصك على العلم؟! قال: حرص الجموع المنوع في بلوغ لذته للمال، فقيل له: فكيف طلبك له؟! قال: طلب المرأة المضلة ولدها ليس لها غيره (توالي التأسيس لمعالي محمد بن إدريس: 106) فتخيل امرأة ليس لها سوى ولد واحد، فضلَّ ولدها، فكيف ستجتهد في البحث عنه ونُشدان هذه الضالة؟! يقول: هذا هو طلبي للعلم.

فلذا قيل: العلم عِوَضٌ عن كل لذة، ومُغْن عن كل شهوة، فمن تفرد بالعلم لم توحِشْهُ خلوة، ومَن تَسَلَّى بالكتب لم تَفُتْهُ سَلْوَة، ويقول سهل بن عبد الله التستري: العلم أحد لذات الدنيا، فإذا عمل به صار للآخرة (اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي: 29)

* وقال الإمام الذهبي: كان ابن المبارك يكثر الجلوس في بيته، فقيل له: ألا تستوحش؟ فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟، يعني يطالع سيرهم ويقرأ عنهم (سير أعلام النبلاء: 8/382)

لذة العلم أحلى من العسَل

سيدنا مُعاذ بن جبل رضي الله عنه أعلَمُ أمة محمدٍ ﷺ بالحلال والحرام: فقد بَكى عند موته لِمُفارقته لمجالس العلماء؛ لأنه وجد فيها لذَّة عظيمة، فيقول: إنَّما أبكي على ظمَأِ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومُزاحمة العلماء بالرُّكَب عند حلَقِ الذِّكْر (لطائف المعارف فيما للمواسم من وظائف لابن رجب الحنبلي: 519)

* وهذا الإمام ابن الجوزي رحمه الله قد نال لذَّة طلب العلم، وذاق حلاوته، وسطَّر ذلك بِقَلمه، فقال حاكيًا عن نفسه: ولقد كنتُ في حلاوة طلَبِ العلم أَلْقى من الشَّدائد ما هو أحلى عندي من العسَل في سبيل ما أطلبُ وأرجو، وكنتُ في زمن الصِّبا آخذُ معي أرغفةً يابسة، ثم أذهب به في طلب الحديث، وأقعد عن نهر عيسى، ثُم آكل هذا الرَّغيف، وأشرب الماء، فكلَّما أكلتُ لقمةً شربتُ عليها، وعَيْن هِمَّتِي لا تَرى إلا لذَّة تحصيل العلم (صيد الخاطر: 164-165)

* وقد قال ابنُ الجوزيِّ رحمه الله: والله ما أعرف مَن عاش رفيعَ القَدْر بالِغًا من اللَّذات ما لَم يبلُغْ غيرُه، إلاَّ العلماء المُخلصين؛ كالحسَن وسفيان، والعُبَّاد المُحقِّقين كمعروف؛ فإنَّ لذة العلم تزيد على كلِّ لذة (صيد الخاطر: 287)

أسرار لذة العلم وفوائدها

لذة العلم هي لذة روحانية أبدية، لا تُضاهيها لذة دنيوية، ولا تزول بمرور الزمن، إنها لذة ترافقنا في الدنيا والآخرة، وهي تنبع من أعماق النفس، وتسري في جميع خلاياها، وتجعل صاحبها يشعر بالسعادة والطمأنينة والرضا.

وسر هذه اللذة يكمن في أن العلم هو سبيل المعرفة الإلهية، ومعرفة الله تعالى هي لذة تفوق كل لذة، وتسمو فوق كل غرض، وتمنح الإنسان الشعور بالقرب منه، وتجعله يدرك عظمته وكماله، وتجعله يحرص على طاعة أوامره واجتناب نواهيه، وتتمثل المعرفة الإلهية في معرفة الله تعالى، ومعرفة شرعه، ومعرفة أحكامه، ومعرفة صفاته وأسمائه، وتجعله يدرك عظمته وكماله.

ومن ذاق لذة العلم الشرعي لا يكاد يبتغي غيرها، فكلما ازداد علماً ازداد شغفاً بالمزيد، وكلمّا عرف المزيد ازداد قربًا من الله تعالى، وزاد إيمانه ورضاه.

بادر إلى كنز ثمين

فإذا كنت تريد أيها القارئ الكريم أن تتنعّم بأعظم اللذات وأشرفها، فبادر إلى طلب العلم، ولا تتوقّف عن التعلم حتى آخر يوم في حياتك.

فعندما تتعلم شيئًا جديدًا، فإنك ستشعر بالسعادة والرضا، كما لو أنك اكتشفت كنزًا ثمينًا، وتشعر بالارتياح، كما لو أن عبئًا ثقيلًا رفع عن كاهلك، وإذا كنت معلّمًا، فكن متحمسًا لموضوعك، وقدم الدروس بطريقة مشوّقة وجذابة، واحرص على التواصل مع الطلاب وتحفيزهم على التعلم، فأنت بذلك تساهم في بناء مستقبل أفضل لأبنائنا، وتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة.

فبادر أيها القارئ الكريم إلى طلب العلم، واجعله هدفك في الحياة، فكم من سعادات ونجاحات ستتحقق لك بفضله، وتذكر قول الله تعالى: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية

تعليقات



رمز الحماية