رُوَّاد العلم والمعرفة | أبو الحسن محمد راشد المدني


نشرت: يوم الثلاثاء،14-مايو-2024

رُوَّاد العلم والمعرفة

عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتّخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا (صحيح البخاري: 1/54، (100)).

شرح الحديث:

يتبيّن بوضوحٍ من خلال هذا الحديث الشريف أنه سيأتي زمان يُرفع فيه العلم، وليس معنى رفع العلم أنه ينساه الناس أو يُنزع من صدورهم، وإنما سيكون رفعه بوفاة العلماء الكرام.

قال أبو الحسن عليّ بن خلف بن بطال رحمه الله تعالى: معنى ذلك أن الله لا يهبُ العلم لخلقه، ثم ينتزعه بعد أن تفضَّل به عليهم، وتعالى الله أن يسترجع ما وهب لعباده من علمه الذي يؤدى إلى معرفته والإيمان به وبرسله، وإنما يكون قبض العلم بتضييع التعلُّم فلا يوجد فيمن يبقى مَن يخلف مَن مضى (شرح البخاري لابن بطال: 1/177).

تحفيز العلماء على الاستمرار في تربية الأجيال الجديدة

قال الإمام أحمد رضا خان الحنفي الماتريدي رحمه الله تعالى في ذكر وفاة المحدّث العلامة وصيّ أحمد السورتيّ الهندي رحمه الله تعالى:

إن القيامة قد قربت، ولا يزال الصالحون يرحلون عن هذه الدار الفانية واحداً تلو الآخر، وكل من يموت لا يترك خلفه نائبًا له، وحين توفّي الإمام البخاري رحمه الله تعالى كان قد ترك تسعين ألف تلميذ من المحدثين، ومات الإمام الأعظم أبو حنيفة رحمه الله وقد ترك ألف تلميذ من المجتهدين، علمًا أن يكون الرجل محدِّثًا هو أَوَّل سُلَّمِ العِلمِ، وأن يكون مجتهدًا هو آخر منزلة منه، وأما الآن فقد وصل الأمر إلى أن الألْف يموتون ولا يتركون خلفًا لهم! ( ملفوظاتِ اعلیٰ حضرت : صـ 238).

شرح کلمات الحديث: "واتخاذ الناس رؤوسًا جهّالاً..":

قال العلامة بدر الدين العينى الحنفي رحمه الله تعالى: اتخاذ الناس رؤوسًا جهّالاً فيحكمون في دين الله تعالى برأيهم ويفتون بجهلهم.

ويقول العلامة العيني رحمه الله تعالى: قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:

قد وجد ذلك في زماننا، كما أخبر به عليه الصلاة والسلام.

قال الشيخ قطب الدين رحمه الله تعالى: قلت: هذا قوله مع توفّر العلماء في زمانه، فكيف بزماننا؟

قال العبد الضعيف (أي العيني): هذا قوله مع كثرة الفقهاء والعلماء من المذاهب الأربعة والمحدثين الكبار في زمانه، فكيف بزماننا الذي خلت البلاد عنهم، وتصدّرت الجهّال بالإفتاء والتعيين في المجالس والتدريس في المدارس؟ فنسأل السلامة والعافية (عمدة القاري: 2/116، تحت الحديث: (80)).

أيها الأحبة! لما كان هذا الوضع المتدهور قبل ثمان مئة عامًا من اليوم فكيف في عصرنا الراهن؟ إن هذا العصر هو عصر الحذر الشديد واليقظة التامة، حيث يجب علينا أن نحافظ على عقيدتنا وأعمالنا.

موت العالِم ثُلْمَة لا تسدّ

إن موت العلماء خسارة كبيرة لا تعوّض وإليكم سبعة آثار في هذا الشأن:

(1) قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: موت ألف عابد قائم الليل صائم النهار أهون من موت العاقل البصير بحلال الله وحرامه (جامع بيان العلم وفضله: صـ 42، (115)).

(2) قال سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الكريم: إذا مات العالم شيّعه سبعة وسبعون ألفًا من مقرّبي السماء، وإذا مات العالم انثلم بموته في الإسلام ثُلمة لا تُسدّ إلى يوم القيامة (الفقيه والمتفقه: 2/198).

(3) وقال سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: إني لأحسب تسعة أعشار العلم ذهب يوم ذهب عمر رضي الله عنه (المعجم الكبير: 9/163، (8809)).

(4) قال سيدنا هلال بن خباب رضي الله تعالى عنه: سألت سعيد بن جبير رضي الله تعالى عنه، قلت: يا أبا عبد الله! ما علامة هلاك الناس؟ قال: إذا هلك علماؤهم (سنن الدارمي: 1/90، (241)).

(5) وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدّها شيء ما طرد الليل والنهار (جامع بيان العلم وفضله: صـ 213، (654)).

(6) قال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: أي عقوبة أشد على أهل الجهل أن يذهب أهل العلم (شرح السنة للبغوي: 1/249).

مثال العلماء العظام:

قال محمد بن الحسين الآجري رحمه الله تعالى: فما ظنّكم -رحمكم الله- بطريق فيه آفات كثيرة، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء، فإن لم يكن فيه مصباح وإلا تحيروا، فقيض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم، فسلكوه على السلامة والعافية، ثم جاءت طبقات من الناس لابد لهم من السلوك فيه، فسلكوا، فبينما هم كذلك، إذ طفئت المصابيح، فبقوا في الظلمة، فما ظنكم بهم؟ هكذا العلماء في الناس لا يعلم كثير من الناس كيف أداء الفرائض، وكيف اجتناب المحارم، ولا كيف يعبد الله في جميع ما يعبده به خلقه، إلا ببقاء العلماء، فإذا مات العلماء تحير الناس، ودُرِس العلم بموتهم، وظهر الجهل، فإنا لله وإنا إليه راجعون ‍مصيبة ما أعظمها على المسلمين! (أخلاق العلماء للآجري: صـ 30).

أيها الأحبة! إن وفاة العلماء هي لحظة تأمّل بالنسبة لنا، ومن الضروريّ جداً أن نغتنم وجود العلماء الذين ما زالوا على قيد الحياة ونحترمَهم وأن نسعى جاهدين لتحصيل العلوم الدينية على أيديهم، وأن نربّيَ أطفالنا على حِفظِ القرآن الكريم والجلوس بين يدي العلماء العظام.

العلم بوجود العلماء

إن وجود العلم مرتبط بوجود العلماء، فإذا انتقل العلماء من الدنيا جلس الجهلاء مكانهم، فيُسألون فيُفتونَ فيضِلّون ويُضلّون، وفي عصرنا الحالي، أصبح نشر التفسيرات الدينية وفق الهوى شائعًا على الإنترنت، فعلى كل مسلم أن يتمسّك بالعلماء الذين يحبّون الله ورسوله ﷺ على منهج أهل السنة والجماعة من منطقته وبلده وألا يأخذ التوجيه الشرعي في كل ما يعرض له من المسائل إلا منهم.

وكما تقع على عاتق العلماء الشباب المسؤولية الأكبر حيث إنهم يقومون بإلقاء المحاضرات والتدريس والتأليف وذلك بهدف حماية معتقدات وأعمال المسلمين، وكذا من أجل تربية الجيل الجديد من الناحية الأخلاقية والعلمية ليسدّوا بهذه الطريقة النقصَ الذي نشأ بموت أكابر العلماء.

ليكونوا خيرَ خلف لخير سلف

لسدّ هذا الخلل الذي يهدد الأمة، وفّر مركز الدعوة الإسلامية مدارسَ وجامعاتٍ تلبّي احتياجات الطالب، فتجعله مفتيًا أو عالِمًا من علماء الإسلام، أو داعيًا أو مبلّغًا يرشد الناس إلى الله تعالى وإلى سنة رسوله ﷺ.

لذا ينبغي عليكم أن تسجّلوا أبنائكم في مدارس المركز وجامعاته حول العالم، ليكونوا خيرَ خلف لخير سلف، ويساهموا في بناء جيلٍ مسلمٍ صالحٍ، يقود الأمة إلى العزة والرفعة.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية

تعليقات



رمز الحماية