نظِّم وقتك لتستقيم حياتك | عبد الله المدني


نشرت: يوم الأَربعاء،15-مايو-2024

نظِّم وقتك لتستقيم حياتك

كلما نتذكَّر الماضي يتبادر إلى أذهاننا دائمًا هو أن الوقت قد مضى بسرعة، فما هو الوقت؟ وكيف بدأ؟ وهل له من نهاية؟! ومتى سوف ينتهي؟!

في السطور الآتية إجابات عن كل هذه الأسئلة وسأعرّفك -أيها القارئ العزيز- ما أهمية الوقت؟ وما هي فوائد تنظيم الوقت؟ وكيف يمكنك إدارة الوقت بشكل منظّم؟ وكيف يمكن الاستفادة من الفراغ؟ إلى غير ذلك من المعلومات المفيدة الأخرى، فهذا المقال لا ينبغي أن تكون مستغنيًا عنه حتى تكمل قراءته إلى آخر سطوره، لتتعرَّف على نمط متوازن يمكنك به إدارة شؤونك وأعمالك ونشاطاتك وحياتك، وتتمكن من الاستفادة من وقتك أكثر.

أولًا: بداية الزمن ونهايته:

لم يبدأ الزمن والكون بالانفجار العظيم (Big Bang) كما يظنّه الفلاسفة والباحثون العلميّون، وإنما خلقه الله تعالى بقدرته الجليلة البديعة، وإن توسعة هذا الكون المستمر لا يكون تلقائيًّا، بل هو من الله تعالى وهو يدبّر نظام الكون كله بتدبيره العظيم، وتخضع كل التصرفات التي تجري في العالم لأمره وحُكمه، وما ذلك على الله بعزيز..

فبداية الزمن أو الوقت حدثت مع خلق الكون، وتدفّقُه كله يقتصر فقط على حدود هذا الكون المادّي، وليس للوقت أي أهمية خارج حدود الكون المادّي، ولذلك فإن الزمن الذي يجري بين عالمنا لا أهمية له بالنسبة للملائكة وغيرهم من المخلوقات النورانية التي لا ترتبط مباشرة بهذا الكون المادّي.

ولهذا السبب تتحرّر هذه المخلوقات تمامًا من كل الحدود والضوابط الطبيعية للكون، وتصبح أهمية الزمان والمكان (Time-Space) بالنسبة لها معدومة، وهكذا كان الحال قبل خلق الكون وسيكون بعد نهايته، فالزمن والوقت بدأ مع خلق الكون، وهذا التسلسل الطويل منه سوف يتوقف عند نهاية الكون التي نعرفها باسم يوم القيامة.

ثانيًا: تعريف الوقت:

في الحقيقة أننا لا نستطيع تعريف الوقت بالتحديد، لعدم قدرتنا على لمسه أو تذوقه أو الإمساك به أو حتى رؤيته، ومع ذلك فإنني أذكر هنا تعريفًا للوقت (Definition Of Time) ولعله أبسط تعريف له من الناحية العلمية، وهو: "المدة المنقضية بين حدَثين يُسمَّى الوقت"، أو يمكن أن نقول: إنه فترة زمنية قابلة للقياس وهو كمقياس لتطوّر الأحداث بدءًا من الماضي ومرورًا بالحاضر نحو المستقبل.

ثالثًا: أهمية الوقت:

الوقت أثمن ما نمتلكه، لأنه لا رجعة فيه بعد مروره، وهو ما يُسمَّى علميًا بـ"سهم الزمن"، والوقت هو أيضًا أعدل شيء في الحياة، فكل إنسان على الأرض يمتلك 24 ساعة فقط، سواء كان كبيرًا أو صغيرًا، غنيًّا أو فقيرًا، وزيرًا أو أميرًا، وكل واحد يملؤها بما يشاء، ومن منظور مادّي يعتبر الوقت أغلى من المال، لأنه يمكن استخدامه لكسب المال، بينما لا يمكن شراء الوقت بالمال.

الوقت أنفَسُ ما عُنِيتَ بحفظه *** وأَراه أسهلَ ما عليك يَضِيع

وإن الوقت له قيمة عظيمة في الإسلام، وقد أقسم الله سبحانه وتعالى به وبأجزائه في القرآن الكريم، كالفجر والضحى والعصر والليل والنهار، ومن المعلوم أنه سبحانه وتعالى لا يقسم بشيء إلا ليلفت أنظارنا وقلوبنا إلى أهميته، أو إلى خطورته، ولقد قسم الله سبحانه الفرائض من العبادات على الأوقات لنشعر بكل جزء من أجزائها.

وكذلك جاءت السنة النبوية الشريفة لتؤكد قيمة الوقت وقدره، وتثبت مسؤولية الإنسان عنه عند الله عز وجل يوم القيامة، ومن ذلك أن الأسئلة الأربعة الأساسية التي توجَّه إلى المكلَّف يوم الحساب منها سؤالان عن وقته وعمره وشبابه، فقد قال ﷺ:

"لَا تَزُولُ قَدْمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ: عَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ". (أخرجه البزار: 1435)

فجاءت السنة الشريفة لتحث المؤمن على اغتنام العمر كله وخاصة مرحلة الشباب في عمل الصالحات ونشر الخيرات التي تعود بالنفع عليه وعلى الأمة الإسلامية.

ولكي ندرك قيمة الوقت وأهميته يقول أحد الحكماء: "مَنْ كَانَ يَوْمُهُ مِثْلَ أَمْسِهِ فَهُوَ فِي نُقْصَانٍ" (حلية الأولياء، 9/265)،

وكأنَّ هذا القول معيار وقاعدة تساعدنا على تقييم وضعنا، وذلك بقياس نشاطاتنا يوميًّا فإذا كان يومنا مثل أمسنا دون إنجاز أو تقدّم، فهذا يعتبر ضياعًا لوقتنا الثمين، وإذا كنا قد فعلنا شيئًا اليوم يفيدنا في حياتنا الحاضرة أو المستقبلية، فيُعَدّ اغتنامًا جيدًا لوقتنا الغالي.

رابعًا: مهارات تنظيم الوقت:

إن مفهوم إدارة الوقت (Time Management) يختلف لدى الأفراد باختلاف الاحتياجات والدوافع والطبائع وباختلاف الثقافات أيضًا.

ومن يتعلَّل بضيق الوقت لتنظيم وقته، فحاله كحال الحطَّاب الذي كان يجتهد في قطع الشجرة بفأس غير مشحوذ، فقيل له: ألا تشحذ فأسك؟! فردَّ عليه، ألا ترى أنَّني مشغول!! مع أنه لو شحذ فأسه لقطع الشجرة في أسرع وقت وأقلّ تعب.

وهنا أذكر لك -أيها القارئ العزيز- بعض الأمور التي تعينك على إدارة الوقت وحسن استغلاله بشكل فعّال:

1. جهّز قائمة بالمهام اليومية وحدد الأولويات منها

2. حدّد مدة زمنية معقولة لكل مهمة حسب قدراتك

3. استخدم أدوات تنظيم الوقت لترتيب المهام

4. راجع المهام التي أنجزتها في نهاية كل يوم

5. سجّل المهام المتبقية في قائمة مهام اليوم التالي

6. طّور حس المسؤولية بإنهاء أي مهمة تبدأ بها مع الالتزام الجاد

7. حدّد مصادر التشتت في بيئة العمل، وقم بالتخلص منها

8. قلّل من استخدام الهاتف المحمول

9. ابتعد عن الذين يُعيقون تقدمك أو يُضيعون وقتك

10. احرص على قراءة سير الصالحين

11. تواصل مع أشخاص إيجابيين

12. خصّص وقتًا للتواصل وتعزيز العلاقات الاجتماعية

13. اهتمّ بصحتك ومارس الرياضة بانتظام

14. اجعل محاسبة نفسك جزءًا من روتينك الخاص

خامسًا: نعمة الفراغ وكيفية الاستفادة منها:

إن الفراغ نعمة عظيمة من نعم الله عز وجل التي يُسأَل عنها يوم القيامة، ولكن هنالك الكثير من الناس مغبونون فيها، يجهلون قدرها ولا يقومون بحق شكرها، وكل منا يكاد يجد بعض الوقت الفارغ يوميًا أو أسبوعيًّا، لذلك ينبغي عليه أن يحرص على استثماره والاستفادة منه ولا يضعيّه فيما لا يعنيه، وهذه بعض النصائح المفيدة لحسن اغتنامه:

• اقضِه في طاعة الله عز وجل كالصلاة والتلاوة والذكر والتسبيح

• اقرأ الكتب النافعة مثل الكتب الدعوية والتربوية

• انخرط في الأنشطة الدعوية والاجتماعية والثقافية

• شارك في الأنشطة التي تعزز المهارات وتدعم التطوير الذاتي

• تعلّم العلوم النافعة بعد العلوم الواجبة واكتسب خبرات جديدة

• مارس التمارين الرياضية بشكل منتظم

ختامًا: فكرة رئيسية للمقال:

عزيزي القارئ: الهدف من كل ما سبق من المحاور والكلمات هو أن تحرص على اغتنام وقتك بما ينفعك في دنياك وآخرتك، وتترك كل ما لا يعنيك، وتكون نيتك أولًا وأخيرًا أن تقضي أوقاتك في طاعة الله عزَّ وجلَّ، وتضع لنفسك معايير الجودة والتميّز في كل مهامك، وتتحلى بالصبر والثقة في نفسك، وتبتعد عن أصحاب السوء والملهيات مثل الاستخدام المفرط للجوال والذي يتضمَّن متابعة وسائل التواصل الاجتماعي بلا فائدة والتسلية بالمواقع والألعاب الإلكترونية العقيمة وغيرها.. وبهذا ستكون قادرًا على تحقيق أحلامك وطموحاتك بإذن الله تعالى..

ولمعرفة المزيد عن أهمية الوقت وكيفية اغتنامه أنصحك بقراءة كتاب قيّم بعنوان: "ألماس نادر" لفضيلة الشيخ الداعية المصلح محمد إلياس العطار القادري حفظه الله ورعاه، على الموقع الرسمي لمركز الدعوة الإسلامية حيث يمكنك مطالعة هذا الكتاب المفيد والاستفادة منه مباشرة مع إمكانية التحميل مجانًا.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية

تعليقات



رمز الحماية