مدونات مختارة
الأكثر شهرة
المبادئ الليبرالية للحلال والحرام | المفتي محمد قاسم العطاري
لا يستطيع بعض الناس أن يقولوا هكذا ببساطة "نحن لا نؤمن بهذه الأحكام الشرعية" معرضين عن حكم الله جل وعلا؛ لأن معظمهم لا يملكون الشجاعة لقول مثل هذا الكلام علنًا في أي بلد إسلامي أو مجتمع إسلامي؛ لأنه لا يقرُّ مثل هذه المواقف.
لكن يتبرّم البعض عادةً من أحكام الله تعالى باستخدام كلمات وعبارات يتبعون فيها مبادئ النفاق والتلاعب بالألفاظ والاستهداف والأغراض.
وبعض الناس يفسّرون الآيات القرآنية بفهمهم المحدود، وبرأيهم الخاصّ، مثلاً يقولون: "في القرآن الكريم:
لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ [البقرة: 256]
فإذا كان الأمر هكذا بأنه لا إكراه في الدين، فمن الخطأ أن يفرض العلماء قيودًا على الناس، مثل "أن يرى هذا ولا يرى ذاك، ويسمع من هذا ولا يسمع من ذاك، أو يفعل هذا ولا يفعل ذاك، أو يأكل هذا ولا يأكل ذاك وما إلى ذلك".
والجواب عن هذا سهل جدًّا:
وهو أن العلماء لا يضعون قيودًا، وإنما يبينون القيود التي فرضها الله جل وعلا.
ثم إن حقيقة هذه الفكرة أو الوسواس أو المخادعة ناتجة عن فهم كلام الله تعالى برأي العبد نفسه، بل إخضاع معاني القرآن الكريم وآياته للهوى؛ لأن قوله تعالى:
لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ (أيضًا)
يعني: لا يكره أحد بالسيف على الدخول في دين الإسلام.
وليس معنى الآية:
ألا تبلغ الأحكام التي أنزلها الله تعالى لأحد، سواء عمِل بشريعة الله تعالى أو لا، ولا تعنى أن العبد يفعل ما يريد، دون أن يوقفه أحد أو يفهمه، ولكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشق ويصعب على الليبراليين أو العلماء الذين هم ضحايا الحداثة، ولذلك يزعم من يرفضون أوامر الله تعالى ونواهيه أو يحرفون معانيها بسوء التأويل أنه لا ينبغي انتقاد تلك الأفلام والمسلسلات والأمسيات الموسيقية وبرامج الرقص؛ لأن ذلك كله من الفنون الجميلة.
كذلك يظن هؤلاء الليبراليون أنه لا ينبغي الإساءة بأي شكل من الأشكال لأولئك الذين يَظهرون على منصّة عرض الأزياء، مرتدين الملابس الفاحشة وهم يشيعون الفواحش، وينشرون الرذائل في كل مكان فضلاً عن انتقادهم!
أي أن هناك طرق جديدة لبيان الحلال والحرام في عصرنا الحاضر غير القرآن والسنة بحسب الليبراليين وعلماء الحداثة المزيفين، وهي الفنون الجميلة، والحسّ الجمالي، ومظاهر الطبيعة، وما إلى ذلك. -والعياذ بالله تعالى- يجب عليهم أن يتدبّروا من ناحية أن خالق الكون رب العالمين جل وعلا قد صرح بقوله:
قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡيَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ [الأعراف: 33]
تفكّر لحظة:
فكّروا للحظة في مشاهد تلك الأفلام والمسلسلات، أليست مليئة بالفواحش والمنكرات والمخالفات لشرع الله تعالى مائة بالمائة أم لا؟
فعلى سبيل المثال، يتمّ فيها عرض مفاتن النساء وكشف عوراتهن، وسفورهن، وحركات رقصهن، والمحادثة بين الفتيان والفتيات، وأساليب قيامهم وقعودهم، واستلقائهم، والكثير من !
أليس ذلك كلّه فسقًا ومعصية؟
أليس محرمًا في شرع الله تعالى؟
مما لا شك فيه ودون أيّ تردّد: أن كل مسلم يدرك بأن هذه الأفعال محرمة وهي من أكبر المعاصي، وأنها مشاهد فسق وفجور.
والآن يرجى إعادة قراءة الآية المذكورة أعلاه من تلك الناحية، ومن ناحية أخرى:
يرجى النظر في حجج الليبراليين المعاصرين، والعلماء المتأثّرين بالحداثة الذين يعرفون ويفهمون تفاصيل نفس الأفلام، ويقومون بدور الأحبار والرهبان ضد أحكام الله تعالى مستحلّين ما حرّمه الله تعالى من الفواحش وهم يقولون:
إن المجتمع مثل الإنسان إذا حصل موت الجمال فيه فهذا يدلّ على أن روحه قد طارت، ثم ما يظهر منه هو مجرد جسد، فموت جمال المجتمع هو إعلان عن موت الفرد، وإن الفنون الجميلة هي التي توفّر حياة الجمال للمجتمع، وإذا قُضي على هذا الجمال لا يمكن للحياة أن تزدهر، والمجتمع الذي لا يكون فيه انسجام أبيات شعر الغزل والآلات والأصوات إلى جانب تلاوة القرآن الكريم لا يسمّى مجتمعًا بل هو مجرد مقبرة! هكذا يتبجّحون...!
ثم إن الواضح لا يحتاج للتوضيح، واليقظان لا يحتاج للإيقاظ، وكذا يقول العلماء المتأثّرون بالحداثة:
إن المجتمع الذي لا يكون فيه رقص وديسكو، وأغاني، وإيقاعات موسيقية، وأصوات للمطربين التي تجذب العقول وتثير المشاعر، وتسمح باختلاط الرجال مع النساء، وحفلات دور السينما إلى جانب تلاوة القرآن الكريم هو مجتمع ميّت؛ لأن القرآن الكريم وحده لا يكفي ليوجد روح المجتمع - والعياذ بالله تعالى - بل حين يبقى الحس الجمالي والفنون الجميلة والأفلام والمسرحيات في المجتمع مع القرآن الكريم يحيا المجتمع حينئذ، كما يقول أيضاً أولئك المتأثّرون بالحداثة:
إن الحملة للقضاء على حِسِّنا اللطيف مستمرة منذ فترة طويلة، يتطلّع الناس إلى محو كل مظهر يضمن بقاء وجودنا الجمالي.
استخدام الدين لتبرير الانحطاط الفكري
من المؤسّف أنه يتمّ استخدام الدين غالبًا لهذا الغرض، وكأن أحكام القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة الصريحة تقضي على الحسّ اللطيف لهؤلاء العلماء المتأثّرين بالحداثة، وتمحو وجودهم الجمالي، وبما أن من يقول مثل هذه الكلمات لا يستطيعون أن يقولوا بوضوح: إن القرآن الكريم والحديث الشريف يقضيان على حسّهم اللطيف، ويمحوان وجودهم الجمالي.
فلذلك هم يستخدمون كلمة: الدين واستخدامه لكيلا يغضب القراء، فإذا كان هذا هو ما يجب تدريسه باسم "الدين"، فما ذنب من ينكر السنة النبوية الشريفة إذن؟!
والحقيقة بأن الحق ما يقوله المسلمون: وهي أن روح المجتمع النقي هو تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تزكّي النفس وتملؤها بالطاعة وتصبغها بالعبودية، وتنقّي القلب والعقل، وتنير الفكر، وتجلب الحياء للأعين، وتجعل القلوب مهتمة بالآخرة.
تذكّروا!
أن مبادئ وقواعد الحلال والحرام تثبت بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وهذا ما تبينه الأمة قاطبة مع علمائها سلفًا وخلفًا منذ قرون الإسلام الأولى، وأما جعل الفنون الجميلة والحسّ الجمالي والمجتمع أساسًا للحلال والحرام فجأة هكذا! فهذا لا علاقة له بالإسلام أبداً والله، بل هو حجج المجتمع الغربي التي يتمّ محاولة نشرها في الدول الإسلامية وبين المسلمين.
من الواضح جدًّا أن استخدام هذه الأسماء الملوّنة من أجل تحليل الرقصات الخليعة والفاحشة والمشاهد الجنسية والأفلام والدراما المليئة بالإباحية ليتم تشويه المجتمع وتحريف الدين، ولا تنسوا قول الله جل وعلا:
وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٞ وَهَٰذَا حَرَامٞ لِّتَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ لَا يُفۡلِحُونَ ١١٦ [النحل: 116]
#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية
تعليقات