اليوم العالمي للمسنين | الشيخ محمد مسلماني الحلبي


نشرت: يوم الإثنين،22-يوليو-2024

اليوم العالمي للمسنين

لقد اعتنى الإسلام بمنهجه القويم بالإنسان مذ كان طفلاً، بل رعاه قبل ذلك وهو في بطن أمه، إلى أن صار كهلاً يحتاج إلى رعايةٍ كالطفل، رعاه في كافة مراحل عمره ، وخص آخر مراحله بمزيد من الاهتمام؛ وذلك لشدة حاجته إلى العناية والرعاية، قال تعالى:

وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا. (الإسراء: ٢٣)

فما أعظم هذا الدين الذي أعطى كل ذي حق حقه، ولم يظلم أحداً مثقال ذرة، فالحمد لله ثم الحمد لله على دين الإسلام، دينٌ كافل للصغير والكبير، آمرٌ ببر وصلة الوالد والوالدة والجد والجَدَّة والعمِّ والعمَّة والخال والخالة وسائر الأرحام والجيران والخلان، دينٌ يرعى حق الصغير والكبير، والأصل في هذا كله راجعٌ إلى تكريم الله سبحانه وتعالى لهذا الإنسان، فقد قال جل وعلا في كتابه الكريم:

وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِيلٗا (الإسراء: ٧٠)

هذا، وإن من الأمور المهمة التي حث عليها الإسلام وأكد عليها تأكيداً: رعايةُ المسنين؛ الذين وهن العظم منهم واشتعل رأسهم شيباً، وخارت قواهم، وضعفت مداركهم، كل ذلك بسبب مساهمتهم في بناء المجتمع طيلة حياتهم فأصبحوا بحاجة إلى عناية خاصة، وهذا من حقهم على المجتمع أن يرعاهم ويكفل حقوقهم في شتى المجالات، ولقد جاء القرآن بذلك، ونطقت السنة بما هنالك، توجيهاً وإرشاداً وتعليماً بل جاء الوعيد الشديد محذراً من لا يقوم بحق الخدمة ولا يوقر صاحب الشيبة الذي شاب في الإسلام

ففي الحديث الذي رواه أبو داود (4843):

عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ.

فإكرام كبير السن باحترامه وتوقيره وتعظيمه هو من تعظيم الله تبارك وتعالى وأداء حقّه جل وعلا.

ولقد بين ﷺ أن المستخف بأولئك هو منافق:

روى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال:

ثلاث لا يستخف بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام وذو العلم وإمام مقسط.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال:

ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر. رواه الإمام أحمد والترمذي كما في الجامع الصغير رامزاً لحسنه.

وعن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال:

ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا. رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم.

وعن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه قال

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا.

وفي رواية:

ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه. رواه أحمد والترمذي والحاكم.

ففي هذه الأحاديث بيان وجوب رعاية الحقوق فإن قوله صلى الله عليه وسلم: ليس منا فيه تحذير كبير وتهديد خطير وزجر لمن لم يقم بهذه الحقوق.

فرحمة الصغير هي: أن يعطيه حقه من الرفق به والشفقة عليه والإحسان إليه.

وتوقير الكبير هو: تبجيله وتعظيمه وإكرامه.

وإن كبير السن في مجتمعنا الإسلامي هو محل الاحترام والتقدير والتوقير والكل يقبِّل يده ورأسه ويطلب رضاه مع طلب الدعاء وله صدر المجلس والكل يصدر عن رأيه ويخدمه ويمتثل أمره وهو أيضا محل العطف والحنان والرحمة، وأما المجتمعات البعيدة عن الإسلام فإنهم يتعاملون مع كبير السن باشمئزاز ويرونه عبئاً عليهم وربما ترك وحيداً لسنوات لا أحدٌ يتفقده، والأشنع والأخطر من ذلك كله أن يلقوه في دار العجزة متخلين عنه بالكلية، ونافضين أيديهم منه بشكل كامل!

فأي إنسانية يدَّعونها!

وأي نوع من التربية والأخلاق ينتمون إليه!

وهم ربما يهتمون بحيواناتهم أكثر من آبائهم وأمهاتهم!

بل وينفقون على رعايتها من أموالهم وأوقاتهم ظانين بذلك أنهم يحسنون صنعاً وهم في غاية الرقي والإنسانية! والحقيقة أنهم في الخسران المبين.

لذلك نقول: إن دار العجزة أنشئت لرعاية من لا أهل له ولا أحد يخدمه أما من كان عنده أولاد وأقارب فهم الذين تجب عليهم رعاية هذا الشيخ المسن يتقربون، بخدمته وبره إلى الله ويرعونه حق الرعاية يبتغون بذلك فضلا من الله.

رسالة لكل عاق:

إن ما تفعله مع والديك هو حكاية وقصة يحكيها لك أولادك فيما بعد فعليك أن تعمل جاهداً على أن تكون هذه القصة جميلة وممتعة حين يحكيها أولادك قولاً وفعلاً، ويا من فضَّل صديقَه على والده وزوجتَه على أمه ووصل به العقوق إلى أن يمنع أحد والديه من السكنى معه في بيته! إنك اشتريت نار جهنم بهذه الكبيرة وتعست أنت وعائلتك في الدنيا والآخرة ولقد خبت وخسرت وضل سعيك، فتب إلى الله وارجع إلى البر والصلة والإكرام لوالديك قبل أن يحل عليك غضب الله وسخطه، ونسأله سبحانه أن يجعلنا وإياكم من البارين الأخيار بجاه سيدنا محمد النبي المختار صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه ما تعاقب الليل والنهار.

خاتمة في بيان بعض الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بكبير السن:

المسن-الشيخ -الشيخ الفاني- الكهل -العجوز-أرذل العمر-الهرم

المسن لغة: هو اسم فاعل من فعل: أسن وتطلقه العرب على الكبير يقال: أسَنَّ الرجل أي كبر وكبرت سنه يسن إسناناً فهو مسن، والأنثى مسنة. (لسان العرب: 13/222، ) مادة سنن.

الشيخ: يقال لمن طعن في السن: شيخ وقد يعبر به فيما بيننا عمن يكثر علمه لأن من شأنه كثرة التجارب والمعارف وقد ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم في قوله تعالى وأبونا شيخ كبير- ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخًا.

والكهل: من جاوز الثلاثين وخطَّه الشيب، وقيل من بلغ الأربعين، والجمع كهول، والأنثى كهْلة، والجمع كهلات، ومن ذلك قوله تعالى (ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين).

والعجوز: من العجز وهو الضعف، والعجوز: المرأة الكبيرة، والجمع عجائز وعُجَّز.

كما في الصحاح: 3/884، مادة عَجَزَ.

وفي القرآن:

(قَالَتۡ يَٰوَيۡلَتَىٰٓ ءَأَلِدُ وَأَنَا۠ عَجُوزٞ وَهَٰذَا بَعۡلِي شَيۡخًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عَجِيبٞ) (فَنَجَّيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥٓ أَجۡمَعِينَ إِلَّا عَجُوزٗا فِي ٱلۡغَٰبِرِينَ)

أرذل العمر: هو الهرم لأنه ينتقص قوته وعقله ويصير إلى الخرف ويرجع إلى حالة الطفولة فلا يعلم ما كان يعلم قبلُ من الأمور لفرط الكِبَر. جامع البيان للطبري 14/169 وتفسير غريب القرآن للرازي: 396، مادة رذل.

ومنه في قوله تعالى:

(وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَيۡ لَا يَعۡلَمَ بَعۡدَ عِلۡمٖ شَيۡ‍ًٔاۚ)

والهَرِمُ: بفتح الهاء وكسر الراء تطلق على الشخص الذي بلغ أقصى الكبر وضَعُفَ. تقول: هرم الرجل هرماً فهو هرم ويقال أهرَمَ الدهرُ فلاناً أي جعله هرماً.

وقد ورد هذا اللفظ في السنة النبوية في أحاديث منها:

اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم والبخل وأعوذ بك من عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات، أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجهاد والسير

وجميع الألفاظ السابقة مرادفة للفظ المسن بضابط الكبر فأي إنسان يصل إلى مرحلة الكبر يطلق عليه مسناً أوشيخاً أو كهلاً أو عجوزاً أو بلغ أرذل العمر.

وقد توجهت المعاني إلى أن الشيخ من تجاوز مرحلة الشباب وهي أربعون سنة وتباينت أقوالهم في ابتدائها والظاهر أن مرحلة الشيخوخة تبدأ بعد الستين إلى مدة العمر، وقد أشار النبي ﷺ إلى هذا حيث قال:

أعذر الله إلى امرئ أخّرَ أجله حتى بلغ ستين سنة. أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الرقاق.

قال ابن حجر: الشيخوخة آخر الأسنان وغالب ما يكون ما بين الستين والسبعين فحينئذ يظهر ضعف القوة بالنقص والانحطاط فينبغي له الإقبال على الآخرة بالكلية لاستحالة أن يرجع إلى الحالة الأولى من النشاط والقوة. (فتح الباري: 11/244)

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على سيدنا محد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية

تعليقات



رمز الحماية