التفاؤل وأهميته في حياة المسلم | الشيخ عبد الباسط محمد


نشرت: يوم الجمعة،09-أغسطس-2024

التفاؤل وأهميته في حياة المسلم

ــ التفاؤل هو نبع الحياة الذي يمنح المسلم الأمل والقوة لمواجهة التحديات والصعوبات، يُعد التفاؤل سمة من سمات المؤمن، حيث يجسّد الثقة بقدرة الله تعالى ورحمته الواسعة، وكان عليه الصلاة والسلام

(يعجبه الفأل الحسن ويكره الطِّيرة) (سنن ابن ماجه: 3536)

والتفاؤل يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإيمان بالله تعالى والتوكل عليه، ومن خلاله يمكننا تحقيق التوازن والسلام الداخلي، وبث الأمل في نفوسنا ونفوس من حولنا، ويساعدنا على رؤية الفرص في الأزمات، والتحلّي بالصبر في الشدائد، ممّا يدفعنا إلى العمل بجدٍّ لتحقيق أهدافنا.

يقول عليه الصلاة والسلام:

(إنّما الأمل رحمة من الله تعالى على أمتي، ولولا الأمل ما أرضعت أمُّ ولدٍ ولداً، ولا غرس غارسٌ شجراً) (مسند أحمد: 23924).

ــ مفهوم التفاؤل في اللغة: هو ضد التشاؤم، كما أنّ الفأل ضد الطيرة وهذا هو الغالب في معناه، وقد يطلق الفأل على ما لا يحب المرء فيقال: لا فأل عليك، بمعنى: لا ضير عليك ولا شرّ عليك. (لسان العرب: 11/513).

أمّا التفاؤل في الاصطلاح: فله تعريفات كثيرة من أكثرها وضوحاً، أنّ التفاؤل هو:

(صفةٌ تجعل توقعات الفرد وتوجهاته إيجابية نحو الحياة بصفة عامة، يستبشر الخير فيها ويستمتع بالحاضر ويحدث الأمل في مستقبل أكثر إشراقاً وأحسن حالاً).

فما هي أهمية التفاؤل في الحياة؟

التفاؤل كلمة جميلة، ومعنى يضفي على النفس البهجة والسرور، ولا شك أنّ للتفاؤل أهمية بالغة في حياة الفرد والمجتمع، ولهذا جاء الشرع الشريف بالتأكيد عليه والتخلّق به، وله فوائد عديدة ومتنوعة لاسيما في حياة المسلمين من أهمها:

* علامةٌ على الثقة بالله تعالى: وذلك أن المتفائل يؤمن بأن الله تعالى قادر على كل شيء، وأنّه لا يريد لعبده المؤمن إلا الخير. (صحيح البخاري: 4684).

والله تعالى أراد منّا أن ندعوه وأن نحسن الظنّ به كما جاء في الحديث القدسي:

(أنا عند ظنّ عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني) (صحيح البخاري: 7405).

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد التعلّق بالله تعالى، عظيم الرجاء حسنَ الظنّ به، وكان يدعو فيقول:

(ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين) (سنن النسائي: 9/212)

* وممّا يدل على أهمية الفأل الحسن: أنّه يَهبُ الإنسان قوة وشجاعة في قلبه ويجعله جسوراً على مواجهة الصعاب والعقبات، وهذه ثمرة ناتجة عن الثمرة الأولى وهي الثقة بالله تعالى فمن كان الله معه وعوناً له فمِمن يخاف؟ وهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام لما هدّده قومه وتوعدوه بالنّار، ردّ عليهم بلسان الواثق بالله عزّ وجل

وَلَآ أَخَافُ مَا تُشۡرِكُونَ بِهِ الأنعام: 80.

* ونبي الله هود عليه السلام يُعلنُها بتحدٍّ صارخ وشجاعة نادرة فيقول:

" إِنِّيٓ أُشۡهِدُ ٱللَّهَ وَٱشۡهَدُوٓاْ أَنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ (54) مِن دُونِهِۦۖ فَكِيدُونِي جَمِيعٗا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ " هود: 54، 55.

هذا بالإضافة إلى أهميته البالغة في الترقّي والنهوض بالأمة، وكذلك النهوض بالفرد وطموحاته.

* وللتفاؤل أثرٌ إيجابي عظيم ودورٌ مفصليٌّ في حياة الأفراد والمجتمعات، وهو قرين الخير وحليف السعادة والتفوق والنجاح.

* وتكمن أهمية التفاؤل في محاربة التشاؤم الذي انتشر في أيامنا هذه بين كثير من الناس، حيث ينتج عنها آثار سلبيه على حياة الأفراد والمجتمعات وعلى نهوض العباد والبلاد.

وممّا يدل على أهمية التفاؤل في حياة المسلم: أنّه يروّح عن النفس ويجلب السعادة للقلب فالمرء حين يكون متفائلاً بعواقب الأمور مؤمِّلاً بحسن الحال، يكون في حالة سرور وترقب للخير، ورحم الله من قال:

أُعلّلُ النفس بالآمال أرقُبها٭٭٭٭٭ما أضيق العيشَ لولا فُسحة الأمل (خزانة الأدب لعبد القادر البغدادي: 1/178)

أمّا من يُغلِّب جانب الخوف من المستقبل ويفترض السوء في قابل الأيام، فهو يحكم على نفسه بالتعاسة والشقاء قبل حدوثه.

* التفاؤل يبعث في الإنسان مزيداً من النشاط والحيوية والهمم العالية، فيفكر ويبدع ويبْني، لأنّه يترقّب نتائج حسنة لعمله، فالتاجر حين يخطط لمشروع تجاري فإن الذي يحدوه للإقدام على هذا الأمر هو التفاؤل بالربح الوفير وإلّا لما كان مُقْدِمًا على ذلك، والداعية إلى الله تعالى حين يطمع في هداية الخلق وإصلاح المعوّج فهو يزداد حماسة ونشاطاً في دعوته، كلّما كان أمله ورجاؤه في هدايتهم أكبر.

* وللتفاؤل أثرٌ عجيب في أداء العبادة، فالمتفائل برحمة الله تعالى له، والمحسن الظن بربّه يدفعه ذلك لأداء العبادة على الوجه الأكمل لأنّه يرجو الخير من ربّه في دينه وأُخراه، لذلك تأمّل معي قول الله عزّ وجل:

" أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ "

ثم ماذا؟

"وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ" الزمر: 9.

إنّه التفاؤل إذاً برحمة الله وعفوه ومغفرته، وأمّا حين يكون مهموماً حزيناً فإنّه لا يؤدي العبادة كما ينبغي بل تراه يتثاقل في أدائها، وذلك أن النفس قد أصابها الفتور، لهذا كلّه استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الحزن. (صحيح البخاري: 2893)

مشروعية التفاؤل في الإسلام:

لمّا كان التفاؤل صفة إيجابية وخلقاً كريماً، جاء الإسلام ليعزّز هذه الصفة ويؤكّد عليها، وذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنّه بُعث ليتمّم مكارم الأخلاق

(إنّما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) (مسند أحمد: 14/513).

وقد كانت العرب قديماً يتشاءمون أو يتفاءلون بالطير إذا أرادوا سفراً، فإن طار يميناً سافروا وإن طار يسرةً رجعوا، وربّما تطيّروا بالأحجار وكتبوا عليها كتابات! مثل: أفعل أو لا أفعل، وبنوا عليها ما يستقبل من أمرهم! وكل هذه من [هرطقات الجاهلية] التي كانت سائدة عندهم قبل الإسلام، فعن عكرمة رضي الله عننه قال: كنت عند ابن عباس رضي الله عنه، فمرّ طائر يصيح فقال رجل من القوم: خير خير، فقال ابن عباس: [ما عند هذا خير ولا شر] (تفسير القرطبي: 766).

وكان عقلاء العرب ينكرون ذلك، ومنهم الشاعر لبيد بن ربيعة عندما يقول:

لعمرُك ما تدري الضواربُ بالحصى *** ولا زاجراتُ الطّير ما اللهُ صانعُ (ديوان لبيد 57 ــ لسان العرب 10/215)

وعن عبد الله بن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم غيّرَ اسم عاصية وقال:

(أنتِ جميلة). مسلم: 2139.

وهنا ينبغي الانتباه إلى أنّ التفاؤل الذي دعت إليه الشريعة وأقرّته، هو ما يبعث على الهمّة وينشر العزيمة ويولِّد الحماسة في النفس لمزيد من العمل والعطاء، وليس معناه التواكل وترك الأسباب بحجة إحسان الظنّ بالله تعالى قال النووي رحمه الله تعالى:

[وإنّما أحبّ الفأل لأنّ الإنسان إذا أمّل فائدة الله تعالى وفضله عند سبب قويّ أو ضعيف فهو على خير في الحال، وإنْ غلط في جهة الرجاء فالرجاء له خير، وأمّا إذا قطع رجاءه وأمله من الله تعالى فإنّ ذلك شرٌ له، والطّيرة فيها سوء الظن وتوقع بلاء] المنهاج شرح صحيح مسلم: 14/ 212

* وأمّا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فكان مضرب المثل في الشجاعة وجسارة القلب وما ذاك إلا الحسن ظنّه بربّه وثقته التامّة به يقول سيدنا عليّ وهو القوي الصنديد: [كنّا إذا حمي الوطيس واشتدّ البأس واحمرت الحِدق اتَّقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، وكان أشجعنا من كان أقرب إليه] معناه في (مسند أحمد: 1347).

التفاؤل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:

من يتأمّل في سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، يجدها نبعاً ثرياً لكل الأخلاق الطيبة، والصفات النبيلة، فما أحوجنا إلى أتباع هديه في التفاؤل بل في حياته وأخلاقه كلّها،

" لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ " (الأحزاب: 21).

وكان لتفاؤله صوراً متعدّدة كتفاؤله صلى الله عليه وسلم بهداية قومه وانتشار الدين، وكذلك تفاؤله في الأزمات والغزوات، وغيرها.

* فقد تفاءل صلى الله عليه وسلم وحرص على هداية قومه، فبعد كلّ المتاعب والعذاب الذي أصابهم من أهل مكة وأهل ثقيف، يدعو الله عزّ وجل أن يخرج من أصلابهم من يوحِّد الله تعالى

(أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً). صحيح البخاري: 3231.

* وموقفه صلى الله عليه وسلم عندما نجده يبشِّر سراقة بن مالك رضي الله تعالى عنه بكنز عظيم سيناله، وأنّه سيتحقق له من ملكه سواري كسرى. (سنن البيهقي: 2/483).

* وتجلّى تفاؤله صلى الله عليه وسلم في كل أحواله، لا سيما وقت اشتداد الأزمات، وهذا من الإيمان ومن التوكل على الله تعالى والثقة بوعده ونصره للمؤمنين، ومن نماذج هذا التفاؤل نجده في غزوة بدر حينما بلغه نجاة القافلة وإصرار زعماء قريش على قتال النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (سيروا وأبشروا فإنّ الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم). (البداية والنهاية: 2/36)

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلِّم أصحابه التفاؤل ويبثُّ في نفوسهم الجِدّ والإقدام حتى في أحرج الظروف وأشدّها وأقساها ليستمروا في الثبات على الدين والانتشار به في كل مكان، دون يأس ودون تشاؤم كما فعل صلى الله عليه وسلم. (صحيح البخاري: 61).

وموقفه صلى الله عليه وسلم مع آل ياسر:

(صبراً آل ياسر) حيث آتَتْ هذه الكلمة أُكُلها. (سنن أبي داود: 1555).

وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاذ رضي الله عنه عام غزوة تبوك:

(يوشك يا معاذ إنْ طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد مُلئ جِنانًا) (صحيح مسلم: 706).

أي: البستان الكثير ماؤه، الخصبة أرضه، الكثير ثماره وأشجاره، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، حيث امتلأ المكان (تبوك التي تمتد من أقصى شمال الجزيرة العربية إلى منتصف طريق دمشق) بالزروع والثمار والحياة.

فإذا كان المطلوب من المسلم أن يتفاءل بالخير ويرجو رحمة الله دائمًا، فمتى نتفاءل برحمة الله تعالى؟

صحيح أنّ المسلم مطالب بالتفاؤل دائمًا، يرجو رحمة الله تعالى، ويحسن الظنّ بالله عزّ وجل، ولكن بحيث لا يغلب عليه الرجاء حتى يصل إلى درجة الأمن من سخط الله تعالى، فالله تعالى يقول:

" أَفَأَمِنُواْ مَكۡرَ ٱللَّهِۚ فَلَا يَأۡمَنُ مَكۡرَ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ " الأعراف: 99.

فلا بد مع الرجاء خوف، كما يُذكر أنّ الله غفور رحيم، يُذكر أنّ عذابه هو العذاب أليم، كما قال تعالى:

"نَبِّئۡ عِبَادِيٓ أَنِّيٓ أَنَا ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلۡعَذَابُ ٱلۡأَلِيمُ" الحجر: 49-50

وقال:

" وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٖ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلۡمِهِمۡۖ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ " الرعد: 6.

وعلينا استشعار قول الله تعالى وتطبيقه في حياتنا،

"وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ" الإسراء: 57.

ويقول:

"أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَوَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ " الزمر: 9.

يخاف من الآخرة، ويرجو رحمة ربّه، هكذا يجب أن يكون المسلم بين الحذر والتفاؤل وبين الخوف والرجاء دائمًا.

فالتفاؤل يتّسمُ به كلّ صاحب فطرة سليمة فالنّاس مجبولون على محبة التفاؤل والكلمة الحسنة والأنس بها، كما أنّهم مجبولون على الارتياح بالمنظر الأنيق والماء الصافي والتأثر بالصوت الندي الشجي، والذي يميّز بين الناس هو التفاؤل عند الشدائد والأزمات كما أنّ الصبر في أعلى صوره يكون عند الصدمة الأولى، فكذلك التفاؤل الحقيقي يكون في الأوقات العصيبة وهو الذي يبرز عنصر صاحبه ويكشف عن معدنه ويدلّ على قوة إيمانه وصلابة يقينه وإرادته. (معناه حديث في صحيح البخاري: 1283).

فالتفاؤل يُعدُّ قيمةً جوهرية في الإسلام، فهو يعزَّزُ الثقة بالله تعالى ويمنحُ المؤمنين القوة لمواجهة التحديات بأمل وصبر، التفاؤل يعيننا على التطلع إلى المستقبل بثقة، ويربط قلوبنا بالله تعالى الذي وعدنا بالخير في جميع الأمور، لذا، فلنجعل التفاؤل جزءًا من حياتنا اليومية، وننشره في مجتمعنا ليصبح شعلة تنير دربنا وتوجهنا نحو حياة أكثر سعادة واستقرارًا.

***** تمّ بعون الله تعالى ****


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية

تعليقات



رمز الحماية