الصلاة عماد الدين وطريق السعادة | إدارة الشؤون العربية


نشرت: يوم الخميس،09-يناير-2025

الصلاة عماد الدين وطريق السعادة

جاء الإسلام لتأسيس نظامٍ بشريٍّ فريدٍ قائمٍ على العبودية لله الواحد الأحد، خالق الكون ومدبّره، والإسلام يشتمل على الأركان التي تربط العبد بخالقه عز وجل، وهي خمسة أركان تتكامل مع بعضها البعض، وتجعل المرء الملتزم بها فردًا صالحًا، وإنسانًا كاملًا في مجتمعه، وفي مقالنا السابق، تحدثنا عن الركن الأول من أركان الإسلام، وهو الشهادتان، واليوم نكمل الحديث عن الركن الثاني، وهو "الصلاة".

ما هي الصلاة؟

الصلاة هي صلة بين العبد وربّه، وهي عبادة تجمع بين أقوالٍ (من قراءة وتسبيح وتكبير وتشهد) وأفعالٍ محددة (من قيام وركوع وسجود) في أوقاتٍ محدّدة، تبدأ بالتكبير وتنتهي بالتسليم.

أحكام الصلاة

الصلاة صلة بين العبد وربّه، واعتراف له بالوحدانية وعبادته، وهي عبادة لا تصح إلا إذا كانت خالصة لله تعالى، وموافقة لأحكامه التي تشتمل على الشروط وهي: (الطهارة، وستر العورة، واستقبال القبلة، ودخول الوقت، والنية والتكبيرة التحريم) والأركان هي: (التكبير التحريمة، القيام، والقراءة، والركوع، والسجود، والتشهد، والخروج بصنعه) ثم هناك الواجبات والسنن والمندوبات، والبعد عن المكروهات والمفسدات.

ولكي يحقق المسلم الغاية من الصلاة، فعليه أن يتعلم أحكامها ويأتي بها في صلاته، هناك العديد من الكتب التي يمكن الرجوع إليها التي تفتح أمام المسلم آفاقًا واسعة من المعرفة عن الصلاة، أحكامها، وفضائلها، ومنها كتاب "نفحات الصلاة" للشيخ محمد إلياس العطار القادري حفظه الله تعالى.

كيفية أداء الصلاة

الصلاة رحلة جميلة وجذابة، تمنح العبد "الراحةَ والطمأنينة"، وتقرّبه لربّه وهي معراج المؤمن.

ولما كانت هذه العبادة لا تصح إلا إذا كانت وفق أحكامها؛ كان لا بد من تفصيل كيفية أدائها كما يلي:

الطهارة

هي الطهور من الحدث والنجاسة ويشمل طهارة البدن والمكان والثوب.

ستر العورة

هي للرجل من "السرة إلى الركبة"، وللمرأة "الحرة جميع جسدها ماعدا الوجه والكفَّين والقدَمَين."

استقبال القبلة

هي التوجّه إلى الكعبة المشرفة بوجهه وجسده كله دون التفات أو انحراف عن سَمْتِه ما لا يزيد على خمسة وأربعين درجة يمينًا أو شِمالًا.

النية

هي العزم على أداء الصلاة لله تعالى ولا يشترط النطق بها.

القيام

هو الانتصاب مع الاعتدال بحيث لو مد يديه لا ينال ركبتيه، وفرضه وواجبه ومسنونه ومندوبه
بقدر القراءة فيه. (رد المحتار: 1/444 بتصرف)

تكبيرة الإحرام

هي إعلان الدخول في الصلاة، برفع اليدين إلى الأُذُنَين قائلاً "الله أكبر"، ثم وضع الكفّ اليمنى على ظهر الكفّ اليسرى، ويضعهما الرَّجُلُ تحت السرة، والمرأةُ فوق الصدر.

القراءة

وهي قراءة سورة الفاتحة وما تيسّر من القرآن، ولكن قبل البدء بالقراءة يأتي بدعاء الاستفتاح وهو: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك" مُستحضرًا معاني العبادة والخشوع، ثم يتعوّذ من الشيطان ويبسمل ثم يقرأ.

هذا في الركعة الأولى فقط أما في الثانية والثالثة والرابعة فيكتفي بالبسملة فقط.

الركوع

هو انحناء الرأس والظهر تعظيمًا لله بوضع اليدين على الركبتين، والتسبيح ثلاثًا "سبحان ربّي العظيم".

القومة

القومة سنة من سنن الصلاة وتكون برفع الرأس من الركوع قائلاً: "سمع الله لمن حمده" إن كان إمامًا، و"ربنا ولك الحمد" إن كان مأمومًا، ويقولهما المنفرد.

السجدة

وهي أن ينحني المصلّي خاشعًا لله حتى يضع جبهته على الأرض ويسجد على الأعضاء السبعة، ويباعد بين بطنه وفخذيه، ولا يبسط يديه على الأرض ويسبح الله تعالى في سجوده ثلاثًا: "سبحان ربّي الأعلى".

الجلسة

وهي سنة من سنن الصلاة وتكون برفع الرأس من السجدة قائلاً: "الله أكبر"، والجلوس بعده بحيث ينصب الرِّجْل اليمنى ويفرش اليسرى ويجلس عليها ويضع يديه على فخذيه مما يلي الركبة، ويدعو الله تعالى: "ربِّ اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني واجبرني وعافني".

السجدة الثانية

يسجد السجدة الثانية، ويفعل فيها كما فعل في السجدة الأولى، ثم يقوم من سجوده قائلاً: "الله أكبر".

القيام للركعة الثانية

ينهض من السجدة الثانية قائلا "الله أكبر"، ويصلي الركعة الثانية كما صلّى الركعة الأولى، باستثناء دعاء الاستفتاح والتعوّذ ثم يجلس للتشهّد.

التشهّد

التشهّد الأخير ركن من أركان الصلاة، وهو الجلوس بعد السجدتين كالجلوس بينهما، ويقرأ فيه المصلِّي التشهّدَ كما يلي: التحيات لله والصلوات .......... إلى..... أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم يصلّى على رسول الله ﷺ ثم يدعو الله بالدعاء المأثور.

السلام

هو إعلان انتهاء الصلاة، بأن يسلم المصلي على الجهتين يمينًا وشمالاً قائلا:

"السلام عليكم ورحمة الله".

وإذا كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية، فبعد الجلوس في التشهد الأول يقوم المصلي للركعة الثالثة والرابعة قبل الصلاة على رسول الله ﷺ، ويصليهما مثل الركعة الثانية إلا إذا كان فرضًا فيقتصر على قراءة سورة الفاتحة فقط.

أهمية الصلاة في الإسلام

أهمية الصلاة في الإسلام كبيرة وعظيمة فهي عماد الدين الإسلامي، وهي أول فريضة فرضها الله سبحانه وتعالى على أمة حبيبه الكريم سيدنا محمد ﷺ في أفضل وأعلى مكان، وأشرف وأعظم مقام وأنبل زمان، أي في ليلة الإسراء والمعراج وقد فرضت أولاً خمسون صلاة، ولكن النبي ﷺ طلب التخفيف لأمته، فاستجاب الله لدعائه، وخفّف الصلاة إلى خمس صلوات.

وهي: "صلاة الفجر، وصلاة الظهر، وصلاة العصر، وصلاة المغرب، وصلاة العشاء"، والأخيرة تسمى بـ"صلاة العَتمة" أيضًا، فهي خمس في العمل، وخمسون في الأجر، كما وعد الله نبيه ﷺ في حديث الإسراء والمعراج فقال:

هِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ خَمْسُونَ، لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ". (صحيح البخاري: 349)

أوقات الصلاة

واعلموا أن فريضة الصلاة لا ترتبط بموسم ولا بمناسبة، كالزكاة والحج والصيام، بل هي في كل يوم وليلة، عبادة لا تتوقف في حياة المسلم المكلّف حتى تنقطع حياته أو يذهب عقله، ولا عذر في تركها لعاقل بالغ، ولا لمريض مدرك ولا لمسافر حتى المجاهد في سبيل الله، ولا تسقط فرضيتها إلا عن بعض الفئات وهم:

• الصبي الصغير حتى يبلغ

• والمجنون حتى يعقل

• والمرأة في أيام الحيض والنفاس.

وقد اتفق علماء الإسلام على أن الصلوات الخمس لها أوقات محددة لا بد أن تؤدّى فيها، وأن المسلم لا يجوز له أن يصلي صلاة مفروضة قبل وقتها، ولا يجوز له أن يؤخرها عن وقتها قال تعالى:

إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا. (النساء: 103)

ولمعرفة أوقات الصلاة بكل دقة وسهولة، حمّل تطبيقنا من جوجل بلاي، وتعرف على مواقيت الصلاة في أي مكان في العالم.

المحافظة على الصلاة

إنّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ. (سنن الترمذي: 413)

فهي عنوان المسلم الطائع، وطريق الوصل للمؤمن الخاشع، لا يحافظ عليها إلا مؤمن، ولا يتهاون بها إلا متكاسل أو منافق قال الله تعالى:

إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا. (النساء: 142)

قال العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية:

هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها، وهي الصلاة. إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها؛ لأنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمان لهم بها ولا خشية، ولا يعقلون معناها.

قال ابن عباس رضي الله عنهما:

يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان، ولكن يقوم إليها طلق الوجه، عظيم الرغبة، شديد الفرح، فإنه يناجي الله تعالى وإن الله أمامه يغفر له ويجيبه إذا دعاه. (تفسير ابن كثير: 2/438 بتصرف)

ختامًا!

الصلاة هي الأساس الذي ترتكز عليه أركان الإسلام الأخرى، وهي عماد الدين الذي لا يقوم إلا به، وهي صلة العبد بربه، من تركها فقد قطع صلته بالله تعالى.

وهي من أعظم العبادات وأجل الطاعات، كما في رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ:

الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا. (صحيح البخاري: 527)

وهي أقرب ما يكون العبد إلى ربّه وهو ساجد لمولاه، ولذا قال النبي ﷺ:

أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ. (صحيح مسلم: 482)

فعلى المرء المسلم أن يحافظ على أداء الصلاة؛ لأنها معراج المؤمنين وقرة عين رسول رب العالمين سيدنا محمد ﷺ خاتم الأنبياء والمرسلين، وهي قوة قلوب المؤمنين كما قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى:

إن الصلاة هي قوت قلوب المؤمنين وغذاؤها، بما اشتملت عليه من ذكر الله ومناجاته وقربه فمن أتم صلاته فقد استوفى غذاء قلبه وروحه، فما دام على ذلك كملت قوته، ودامت صحته وعافيته، ومن لم يتم صلاته فلم يستوف قلبه وروحه قوتها وغذاءها، فجاع قلبه وضعف، وربما مرض أو مات؛ لفقد غذائه، كما يمرض الجسد ويسقم إذا لم يكمل تناول غذائه وقوته الملائم له. (فتح الباري لابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى: 7/162)

تعليقات



رمز الحماية