وفي المتكلم: ملَكة يقتدر بها على تأليفِ كلام بليغ, فعلم أنّ كلّ بليغ فصيح ولا عكس, وأنّ البلاغة مرجِعها إلى الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد وإلى تمييز الفصيح من غيره، والثاني منه ما يبيّن في علم متن اللغة أو التصريف أو النحو أو يُدرَك بالحسّ وهو ما عدا التعقيدَ المعنويَّ،...........
فلا تعتبر بدونها (و) البلاغة (في المتكلم ملَكة) أي: كيفية راسخة في النفس (يقتدر بها) أي: بسبب تلك الملكة (على تأليفِ كلام بليغ) في أيّ نوع شاء من المعاني من المدح والذم والترغيب والترهيب والشكر والشكاية إلى غير ذلك (فعلم) من أخذ الفصاحة في تعريف البلاغة (أنّ كلّ بليغ) كلامًا كان أو متكلمًا (فصيح) فإنّ البلاغة أخصّ من الفصاحة وكلّما وجد الأخصّ وجد الأعمّ (ولا عكس) أي: وليس كلّ فصيح بليغ فإنه لا يستلزم وجودُ الأعمّ وجودَ الأخصّ (و) علم أيضًا من تعريف بلاغة الكلام (أنّ البلاغة) في الكلام (مرجِعها) أي: ما يجب وجودُه لوجود البلاغة (إلى الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد) الزائد على أصل المراد (وإلى تمييز) الكلام (الفصيح من غيره) أي: من غير الفصيح, وهو يتوقّف على تمييز الكلام السالمِ من ضعف التأليف من غيره والسالمِ من تنافر الكلمات من غيره والسالمِ من التعقيد اللفظي والمعنوي من غيره وعلى تمييز الكلمة الفصيحة من غيره, وهذا يتوقّف على تمييز الكلمة السالمةِ من تنافر الحروف من غيرها والسالمةِ من الغرابة من غيرها والسالمةِ من مخالفة القياس من غيرها (والثاني) وهو تمييز الفصيح من غيره (منه) أي: بعضه (ما يبيّن في علم متن اللغة) وهو تمييز الكلمة السالمة من الغرابة من غيرها؛ فإن من أحاط المفرادت المانوسة المذكورة في كتب اللغة المتداولة عَلِم أنها سالمة من الغرابة وغيرَها غيرُ سالمة منها (أو) يبيّن في علم (التصريف) وهو تمييز الكلمة السالمة من مخالفة القياس من غيرها؛ إذ به يعرف أنّ هذه الكلمة سالمة من المخالفة دون تلك (أو) يبيّن في علم (النحو) وهو تمييز الكلام السالم من ضعف التأليف والتعقيد اللفظي من غيره (أو يُدرَك بالحسّ) وهو تمييزُ الكلام السالم من تنافر الكلمات من غيره وتمييزُ الكلمة السالمة من تنافر الحروف من غيرها (وهو) أي: ما يبيّن في العلوم المذكورة أو يُدرَك بالحسّ (ما عدا التعقيدَ المعنويَّ) أي: هو سوى التعقيد المعنويّ فإنه لا يُعرَف بالعلوم المذكورة ولا بالحسّ تمييز الكلام السالم من التعقيد المعنويّ من غيره, فبقي ممّا يتوقّف عليه البلاغة شيئان: الأوّل الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد الزائد والثاني الاحتراز عن التعقيد المعنويّ فوضعوا للأوّل علم المعاني وللثاني علم البيان وإليه أشار بقوله: