بالأعمال الصالحات ويَستعِدُّ للآخرة، وإنّما يَنفَعه الطَّاعة في الدنيا والآخرة، ولا يَحصُل على الفكر في الآخرة إلا إذا جَعَلَ الموتَ نصبَ عينه، ولم يَتأَثَّرْ بمَتاعِ الدنيا، ولَمَّا فَرِحَ بالدنيا فيَجب عليه أن يَعلَم أنّه يَقُودُه عُمُره إلى أجَله، وتَقُودُهُ حياتُه إلى موته، وحُكِيَ أنّه نَظَر ابنُ مُطيعٍ رحمه الله تعالى ذات يومٍ إلى داره، فأعجَبَه حُسنُها، فبَكَى وقال: والله ! لولا الموتُ لكنتُ بك مَسْرورًا، ولولا ما نَصيرُ إليه من ضَيْقِ القبور لَقَرَّتْ بالدنيا أعيُنُنا، ثُمَّ بَكَى بُكاءً شديدًا حتّى اِرتَفَعَ صوتُه([1]).
وحُكِيَ أنّه دَخَلَ مَلَك الموت على سيِّدنا داود عليه السلامُ، فقال له: مَن أَنت؟ قال: أنا الذي لا يَهابُ الملوك، ولا تَمنَع منه القصُور، ولا يَقبَل الرِّشَا، فقال: إذَنْ أنت مَلَك الموت، وإنّي لم أَستَعِدَّ بعد، فقال له: يا داود ! أين فلانٌ جارُك ؟ أين فلانٌ قريبُك ؟ قال: ماتا، قال: أما كان لك في موت هؤُلاء عِبرةٌ ؛ لِتستعِدَّ بها، ثُمَّ قبَضَه عليه السلام([2]).