فينبغي لكلّ مسلم أن يُكثر من ذكر موته ويستعدّ للآخرة ومع ذلك يُزَكِّي قلبَه ويُطَهِّرهُ من المهلكات، ويَجلِس مع حُضور القلب السَّلِيم من مُنكَرات الأخلاق، ويَتَذَكَّرُ أحبابه وأصدِقاءَه الَّذين ماتوا ويَتخيَّلهم عنده، ثُمّ يَنظُر ويَتفكَّر في أحوالهم كيف كانوا يَحرِصون على الدنيا ويُشَمِّرون لِعِمارتِها مع نِسيان الآخرة ؟ كيف كانوا يَشتغِلون عنها ويُسَوِّفون في العمَل لها ؟ كيف كانوا يُطيلون الآمال ؟ كيف كانوا يَتحمَّلون الْمَشَقَّة وَالذُّلَّ في طَلَب الدنيا ؟ وكم من عَمَلٍ لم يَستكمِلوه وكم مِن هَدَفٍ لم يَصِلوه ؟ وكانوا راغبين في زينة الدنيا ولذّاتِها، ولكن قد خَرَجَتْ أكفانُهم من عند القَصَّار، وهم غافِلون عنها، فجاءَتْهم الآجال، وخَذَلَتْهم الآمالُ وسَلَبَتْهم بَهاء النّعمة ففارَقوا الأَحِبَّةَ والأهلَ، وصار آباؤُهم في غمٍّ، ورَكِبَ أزواجَهم الْهَمُّ وتَرَدَّدَتْ في الطُّرُقاتِ أبناؤُهم، وتَوَزَّعَتْ وَرَثَتُهم ديارَهم وأموالَهم.
ثُمّ يتفكَّر وينظُر في أحوال قبورهم، لَعَلَّها خَرَقَتِ الأكفانَ، ومزَّقَتِ الأَبدانَ، ومَسَخَتِ الوجوهَ، وهَدَمَتِ الأَسنان اللامِعَة، وسارَتِ العُيُونُ الْحَسَنَةُ على الْخُدود، وانتَثَرَتِ