والرّكبَتينِ من السّاقَينِ والسَّاقينِ من القدَمينِ، ثُمَّ بكى عمرُ، وقال: إنّ الدُّنيا بَقاؤُها قليلٌ، وعزيزُها ذَليلٌ وغَنِيُّها فقيرٌ، وشَبابُها يَهْرَم، وحيُّها يَموتُ، فلا يَغُرَّنَّكم إقبالها مع معرفتكم بِسُرعةِ إدبارها أين قرّاءُ القرآن ؟ أين حُجّاجُ بيت الله الحرامِ؟ أين صُوّامُ شهرِ رمضانَ ؟ ما صَنَع التُّرابُ بأَبْدانهم، وَالدِّيدانُ بأَجْسادهم، وَالْبِلَى بعِظامهم وأَوصالهم ؟ كانوا واللهِ في الدّنيا على أُسرَةٍ مُمَهَّدَةٍ، وفُرُشٍ مُنَضَّدَةٍ، بين خَدَمٍ يَخدِمون، وأهلٍ يُكرِمون، أليس هم بعدها في مُدْلَهِمَّةٍ ظَلْماءَ، قد حِيلَ بينهم وبينَ العمَلِ فارَقوا الأهلَ والوَطَن، قد فارقوا الحدائقَ، وصاروا بعد السَّعَة في الْمَضايِق، وتَزَوَّجَتْ نِساؤُهم، وتَرَدَّدَتْ في الطُّرُقات أبناؤُهم وتَوَزَّعَتِ القَراباتُ دِيارَهم وتُرَاثَهم، فمنهم واللهِ الْمُوَسَّعُ له في قبرِه، ومنهم واللهِ اَلْمُضَيَّق عليه في لَحده هَيْهَاتَ هيهات ! يا مُغْمِضَ الوالدِ والأخِ والولدِ وغاسِلَه ويا مُكَفِّنَ الميِّت وحامِلَه ويا مُحِلَّه في القبر وراجِعًا عنه، لَيْتَ شَعْري بِأَيِّ خَدَّيهِ يَبْدَأُ البِلى، ثُمّ بَكَى حتّى غُشِيَ عليه وما بَقِيَ إلاّ جمعةً وماتَ([1]). رحِمَهُ الله تعالى وغَفَر لنا به.