النِّيران، فهم في رَيْبهم يَعمَهون، وفي معاصيهم يَرتَعون، أما سَمِعوا أحوال الصّالحين الّذين لَبَّوا بنداءِ الدّاعي إلى الفلاحِ، فعَمِلوا بِجِدٍّ فما وَهَنوا، وأَعَدّوا العُدَّة لِما هم عليه مُقبِلين فكانوا دائِمين على حَذَرٍ ووَجَلٍ، خائِفين من بَغْتَة الأَجَلِ، قد تَمَلَّك الخوفُ من الجليلِ قلوبَهم، وأَسَرَّ الحزنُ نفوسَهم وصُدورَهم كقُدورٍ تَغلِي من تَجَلْجُلِ الهمِّ في أَركانها، وعُيونُهم بالدُّموعِ تَجري، وإن جَفَّتِ الدّمُوعُ جادَتْ بدِمائِها لا يَهدَأُ لهم بالٌ، وكيف وقد علِموا أنّ الدَّيّان هو الله، فانظُروا إلى سيِّدنا الحسنِ البصَرِيِّ رحمه الله تعالى أنّه ما ضَحِكَ أربعينَ سَنَةً وإذا رُؤِيَ قاعِدًا كأنّهُ أسيرٌ قد قدِم لتُضرَبَ عُنُقه وكان كثيرَ الخوف كأنّه قد قُضِي عليه بالموت.
فلنَستَسلِم لِمَا قد قضاه الحقُّ تعالى على العِبادِ بأنّ كلّ نفسٍ ذائِقةُ الموتِ ولنَستَعِدَّ لهذا الْمَصيرِ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مُخبِرًا عن حالِ الميِّت: «والّذي نفسي بِيده لو يَرَون مكانَه ويَسمَعون كلامَه وما هو عليه لَذَهِلوا عن ميِّتهم ولبَكَوا على أنفسِهم ثُمّ إذا حُمِل الميِّت على النّعشِ رَفْرَفَتْ رُوحُه فَوق النّعشِ وهي تُنادِي يا أهلي! يا أولادي! لا تَلْعَبَنَّ بِكُم الدُّنيا كما