ووحشته وارتعاء خَشَاش الأرض في لحمي وعصبي، حتّى أعود رُفاتاً وتصير أعْظُمي رِمَاماً، كان للبلاء انقضاء وللشَّقَاء نهاية، ولكنّي أدفع بعد ذلك إلى صَبِيْحة الْحَشْر، وأرد لهول مواقف الجزاء، ثم لا أدري إلى أيِّ الدارَيْن يُؤْمَر بي، فأيّ حالٍ يَلتَذُّ به من يكون إلى هذا الأمر مصيرُه؟ فلمّا سَمِع الْمَلِكُ كلامَه أَلْقَى نفسه عن فرَسه وجَلَس بين يدَيْه، وقال: أيّها الرجل، لقد كدَّر مقالُك عليّ صَفْوَ عَيْشِي، ومَلَكَ قلبي، فأَعِدْ عليّ بعضَ قولك، واشرَحْ لي دينك، فقال له: أما تَرَى هذه التي بين يدَيَّ؟ قال: بلى، قال: هذه عظام مُلُوك غرَّتْهم الدنيا بزُخْرُفها، واستحوَذَت على قُلُوبهم بغُرُوْرها، فأَلْهَتْهم عن التأهُّب لهذه الْمَصَارع، حتّى فاجَأَتْهم الآجالُ وخذَلَتْهم الآمالُ وسَلَبَتْهم بَهَاء النعمة وستُنْشَر هذه العِظَام فتَعُوْد أجساداً، ثم تُجازَى بأعمالها، فإمّا إلى دار القرار وإمّا إلى محل البَوَار ثم اختلس الرجل فلم ير له أثر وتلاحق أصحاب الملك وقد امتقع لونه وتواصَلَتْ عَبَراته وركب وقيذاً، فلمّا جنَّ عليه الليلُ نَزَع ما عليه من لِبَاس الملك ولبس طِمْرَين وخرج تحت الليل فكان آخر العهد به رحمه الله تعالى([1]).