عنوان الكتاب: المحاضرات الإسلامية (الجزء الثاني)

وأنتم تَفِرّون من حَرّ الشمس وبينكم وبينها ملايين الأميال فكيف بي وبكم إذا دنت منّا مقدار ميل يوم القيامة؟! أنطيق ذلك؟! فلنوقف أنفسنا على عَتَبات الْمُحاسبة، ونقول لها: أيْ نفسي، أتراك تطيقين الْحَرّ في ذلك اليوم؟! وكيف تهربين من حَرّ الشمس ونسيت فيح وحَرّ جهنّم ولا تهربين منها؟! ليتك أيتها النفس عملت لظِلّ الجنّة كما عملت لداء الْهَرَم والسَّقَم وليتك هَرَبْت من زَفير النِّيْران كما هَرَبْت من شمس النَّهَار.

أيها المسلمون: وإنّ هَوْل القيامة الكبرى شديد لا يكاد يتحمَّله بَشر، فيَوْمها تذهلُ كلّ مرضعة عن رضيعها، وتَضَع كلُّ ذات حَمْلٍ حَمْلها وينتاب الناس الهلع والرعب، وفي ذلك اليوم العَصيب الذي يَقِف فيه الناس على أقدامهم خمسين ألف سنة بموازين الآخرة، ويبلغ الكَرْب والضيق بالناس إلى الدرجة التي يتمنّون معها أن ينفضوا الْمَوْقف وينصرفوا منه ولو إلى النار ولا ظِلّ يومئذ إلاّ ظِلّ العَرْش، فلا يصيب منه عبدٌ ولا أمَةٌ إلاّ على قدر عَمَله، فمن قَطَع عُمْرَه في الدنيا بطاعة الرحمن وعَمَل بالسنّة والقرآن خلَّصه مولاه سبحانه وتعالى من الْهُمُوم والأحزان.

أيها المسلمون: والله نحن مُسْرِفون على أنفسنا، نحن عصاة، لو قبضنا على هذه الحالة كيف يكون حالنا؟! وإنّ الله عزّ وجلّ لو سلط علينا عذاب النار بسبب الذنوب والمعاصي




إنتقل إلى

عدد الصفحات

259