بيوم قاموا فيه على أَقْدامهم مقدار خمسين ألف سَنة لا يَأْكُلون فيها أَكْلةً ولا يَشْرَبون فيها شربةً، حتّى إذا انقطعت أَعْناقُهم عطَشاً واحترقت أجوافُهم جُوْعاً انصرف بهم إلى النار، فسُقُوْا من عين آنية قد آن حرُّها واشتدّ لَفْحها, فلمّا بلَغ المجهود منهم ما لا طاقةَ لهم به كَلّم بعضُهم بعضاً في طَلَب من يكرم على مولاه ليشفع في حقّهم، فلم يتعَلّقوا بنبيّ إلاّ دفَعهم، وقال: دعوني نفسي نفسي، شغلني أمري عن أمر غيري، واعتذر كلّ واحد بشدّة غَضَب الله، وقال: قد غَضِب اليوم ربّنا غَضَباً لم يَغْضَب قبله مثلَه، ولا يَغْضَب بعده مثله، حتّى يشفع نبيّنا صلّى الله تعالى عليه وسلّم لمن يؤذن له فيه([1]).
أيها المسلمون: لَهِيب وسَمُوم يلفح الوُجوه ويذَكِّرنا لفح حَرارَته شمسَ ذلك اليوم الطويل، وأهوال يومِ النُّشُوْر، ها هي الشَّمس ترتفع فوق رؤوسنا أكثر من تسعين مليُون ميل، ولهبها يكاد يخنقنا، ولفح سمومها يكاد يسلخ منّا الْجُلود، فلا نطيق بقاء تحت سَمُوْمها ونَفِرّ منه إلى غُرَف مكيفة وأماكن مبردة، ونبحث عن الظلال، ونعرف قيمة الماء البارد العذب الزلال.
إخواني المسلمين: كم في حَرّ الصَّيْف من ذكرى، أرأيتم