النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم معدن الحسن والجمال | الشيخ أيمن ياسر بكار


نشرت: يوم السبت،17-نوفمبر-2018

النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم معدن الحسن والجمال

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، أما بعد:

فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم

الجمال صفة محببة لنفس الإنسان، وتطرب لملامسته الروح، ويسر لرؤيته الوجه، والله سبحانه وتعالى قد أبدع الكون على غير سابق مثال، وجعله على أجمل صورة وحال، كما ورد في الحديث الشريف:

"إن الله جميلٌ يحب الجمال".. (رواه مسلم: ٩١)

وفي الحقيقة إنّ جمال المخلوقات كلها عالة على جمال سيد الكائنات سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو عليه الصلاة والسلام معدن الحسن والجمال، وإذا كان سيدنا يوسف عليه السلام قد أعطي نصف الحسن والجمال، فإن نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد حاز الجمال كله، والحسن كله، يقول أبو هريرة رضي الله تعالى عنه:

"ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه". (سنن الترمذي: ٣٦٤٨)

وقال الإمام الغزالي رضي الله عنه: "وكانوا يقولون: هو كما وصفه صاحبه أبو بكر رضي الله عنه:

أمينٌ مصطفى للخير يدعو***كضوء البدر زايله الظلام"

(إحياء علوم الدين: ٢/٣٨٢)

وسأل أبو عبيدة الربيع بنت معوذ: صفي لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت:

"يا بني لو رأيته رأيت الشمس طالعة". (رواه الدارمي: ٦١)

وفي الحديث أن الحسن رضي الله عنه قال: سألت خالي هند بن أبي هالة عن حلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئاً أتعلق به، فقال:

(كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخماً مفخماً، يَتَلَأْلَأُ وجهه تَلَأْلُؤَ القمر ليلة البدر). (الشمائل المحمدية والخصائل المصطفوية للترمذي: ٨)

فها هم الصحابة رضي الله عنهم يحاولون أن يصفوا جمال وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمنهم من يضرب المثل لبهاء نوره صلى الله عليه وآله وسلم بالشمس، ومنهم من يشبه صفاء وجهه بالقمر، وما هذا إلا محاولة منهم لوصفه صلى الله عليه وآله وسلم قد ضاقت العبارة وانعدمت الأمثلة عن أداء حقه صلى الله عليه وآله وسلم..

فقد كان عليه الصلاة والسلام أحسن الناس وجهاً، وأنورهم محياً، يتلألأ وجهه بالنور الباهر، والضياء الزاهر، والبهاء الظاهر صلى الله عليه وآله وسلم. ويرحم الله الشاعر الذي قال:

وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني***وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ

خُلِقْتَ مبرءاً منْ كــلّ عيبٍ***كأنكَ قدْ خُلقتَ كـما تشاءُ

(تفسير روح المعاني للعلامة الألوسي: ٦/٥٩)

فَهُوَ أَكْمَلُ الناسِ وَأَجْمَلُهُمْ على الإطلاقِ.

سَأَلَ أحدُ طلبةِ العلمِ شيخَه، سيِّدِيْ: إذا كانَ سيدُنَا يوسفُ على نبينا وعليه الصلاة والسلام كانَ لديْهِ نصفَ الجمالِ فطاشتْ بسببِ ذلكَ عقولُ النساءِ لدرجةٍ أنَّهنَّ لمْ يَتَمَالَكْنَ أنفسَهُنَّ حِيْنَ شَاهَدْنَ حسنَهُ، إمرأة العزيزِ، واللّاتي قطَّعنْ أيديَهُنَّ،

«فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ». (يوسف: ٣١)

لكنْ ما سمعنا أنَّ امرأةً فُتِنَتْ بِجَمَالِ سيدِنَا النبيِّ عليه الصلاة والسلام وأنتم تقولونَ أنَّ النبيَّ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أُعْطِيَ الجمالَ كلَّهُ؟

قالَ: نعمْ لأنَّ جمالَ سيدِنَا محمدٍ مُزِجَ بِجلالِ سيدنا محمدٍ وبمهابةِ سيدنا محمدٍ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فلم يُفتَتَنْ بهِ أحدٌ، لأنه هو الذي اختاره اللهُ هداية للعَالَمِيْنَ لشرق الأرضِ وغَربِها وشَمالِها وجُنوبِها منْ لدنْ عصرِهِ إلى أنْ تقومَ الساعةُ.

فهو الــــذي تَمَّ معنـاهُ وصورتُهُ***ثمَّ اصْطَفَـــاهُ حبيبًا بــارئ النسمِ

مُنَـزَّهٌ عـن شـريكٍ في محاسِــنِهِ***فجَـوهَرُ الحُسـنِ فيه غيرُ منقَسِـمِ

(أبيات من قصيدة البردة للبوصيري)

عليه الصلاة والسلام، ومما ورد في وصف جمال وجهه، ما روي عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال:

"رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانٍ، (أي: ليلة مقمرة) فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى القَمَرِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَإِذَا هُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ القَمَرِ". (رواه الترمذي: ٢٨١١)

فنبينا صلى الله عليه وآله وسلم أحسن من القمر، وأبهى من الشمس، وأجمل من كل المخلوقات، هذا الجمال الذي ارتدى حلل الجلال، ولم ينكشف لنا بكماله وتمامه، كما ورد في المواهبِ اللدنية نقلاً عنِ الإمامِ القرطبي رحمه الله أنَّه قال:

"لَمْ يُظْهَرْ لَنَا تمامَ حسنِهِ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؛ لأنَّه لو ظَهَرَ لَنَا تَمَامَ حسنِهِ لَمَا أطاقتْ أعينُنَا رؤيتَهُ صلى الله عليه وآله وسلم". (المواهب اللدنية: ٢/٥)

ولهذا لما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة جعل أهلها ينشدون:

طلــــع البدر علينا***مــن ثينات الــوداع

وجب الشكـــر علينا***ما دعــــا لله داع

أيـها المبعوث فينا***جئت بالأمر المطاع

صـــــلى الله عليه وآله وسلــــــم

(السيرة الحلبية: ٢/٧٤)

فوجهه صلى الله عليه وآله وسلم مشرقٌ بالأنوار، فياضٌ بالمعاني والأسرار، اتصف بالبهاء والصفاء والنقاء، يكفي أن تراه حتى توقن أنه نبي كما حدث مع عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه الذي كان حبراً لليهود، ومن أجل ذلك قال عبد الله بن رواحة:

لو لم تكن فيه آياتٌ مبيِّنةٌ***كانت بديهتُه تُنبيك بالخبرِ

(المواهب اللدنية: ٢/٥٧٩)

فهنيئاً لنا أننا من أمته، اللهم أحينا على سنته وأمتنا على سنته وأجمعنا تحت لواءه

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

تعليقات



رمز الحماية