أثر الأخلاق الحسنة على حياة المسلم | الشيخ أيمن ياسر بكار


نشرت: يوم السبت،20-أبريل-2019

أثر الأخلاق الحسنة على حياة المسلم

Document

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين

أما بعد: فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم

إن الإسلام دين شاملٌ لجوانب الحياة الإنسانية، يتناولها في أدق تفاصيلها وجزئياتها، ويقوم على أسس متينة سليمة، ويبتغي مقاصد نبيلة عظيمة، وإن من أهم مقاصده، وأنبل غاياته (مكارم الأخلاق)، وقد صرح بهذا سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) (السنن الكبرى للبيهقي: ٢٠٧٨٢)

فهي المعيار الذي يعرف به الحضارة الإنسانية، والسمة التي تتميز بها المجتمعات الراقية المتحضرة، لأن الأخلاق هي ثمرة الإيمان والعبادات والعقيدة، فإن حسنت وكملت، حَسُنَت الأخلاق وكملت، وإذا انهارت العقيدة والعبادات، انهارت الأخلاق فينهار المجتمع بأكمله، يقول الشاعر:

إنما الأمم بالأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ولهذا فقد أولى الإسلامُ الأخلاق المنزلة العالية، واعتبرها المقصد الأسمى، فحث عليها، وأعظم أجرها، وكثّرَ فوائدها..

  • وأما أثر الأخلاق الحسنة في حياة المسلم: فإن فوائدها كثيرة، ومنافعها عظيمة، في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا: فإذا ما اتصف المسلم بحسن الخلق، فإن الناس ستحبه وتألفه، فيكثر أصدقاءه ويقلُّ أعداءه، ويتودد الناس إليه، ويطلبون قربه، كما قال الشاعر:

    أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبـــد الإنسانَ إحسانُ (قصيدة عنوان الحكم: صـ٣٦)

    وحسن الخلق يقلل المشاكل والخلافات مع الناس ويساهم في إصلاح ذات البين، بل إنه يحول العدو إلى صديق، قال تعالى:

    (وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ). [فصلت: ٣٤]

    وحُسنُ الخلق يجعل الألفة والمودة بين أفراد الأسرة الواحدة، ويبعد عنهم الجدل والمراء وسوء الأخلاق، فتكون حياتهم هادئة مطمئنة، مفعمة بالمحبة والرحمة..

    فتكون لبنة متينة في بناء المجتمع الإسلامي، ووردة عطرة فواحة في بستان الأمة الإسلامية.

  • ومن آثار الأخلاق الحسنة في الآخرة: قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

    «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» (سنن أبي داود: ٤٧٩٨)،

    بمجرد أن يكون لك سلوكٌ حسن وكلامٌ طيب مع من حولك من الناس، فلك أجر عظيم، يبلغ أجر عمل الصائم القائم، وحتى أن الخلق الحسن يفوق غيره من الأعمال في الأجر والثواب، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم:

    «ما مِن شَيء يُوضَعُ فِي الميزان أثقلُ مِن حُسْنِ الخُلُقِ...». (سنن الترمذي: ٢٠٠٣)

    فهو أثقل ما يوضع لك في الميزان، ولهذا عليك أن تحرص على أفعالك فتزينها بمحاسن الأخلاق، وأقوالك بطيب الكلمات، لتكون من أهل الجنان..
  • بل إن حسن الخلق يبلغ بك غاية الغايات وأعلى الدرجات وأرفع المقامات، فإن الإسلام عندما اعتبر (حسن الخلق) أهم الأهداف التي يسعى لها المسلم، جعل أجره أفضل الأجر، وأفضل الأجر ليس الجنة وحسب، وإنما أفضل الأجر هو مرافقة أفضل الخلق صلى الله عليه وآله وسلم في أفضل منزلة في الجنة، ولهذا تجد من أهمية الأخلاق وفضلها على حياة المسلم أن جعل أحسن الناس أخلاقاً أقربهم إلى أفضل الخلق صلى الله عليه وآله وسلم، قال عليه الصلاة والسلام:

    «إِنَّ مِن أحَبِّكم إلي وَأقْرَبِكم مني مجلسًا يومَ القيامةِ أَحاسِنَكم أخلاقًا، وإنَّ أبغَضَكم إلي وأَبعَدَكم منِي مجلِسًا يومَ القيامةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتشَدِّقُونَ وَالْمُتفَيْهِقُونَ». (سنن الترمذي: ٢٠١٨)

    فهل هناك أعظم وأفضل؟! فاحرص يا مسلم على تهذيب نفسك وتزكيتها وتحسين أخلاقك، فهو والله أفضل ما يسعى إليه، ويكون هذا بمرافقة الشيخ المربي للنفوس، الكامل ديناً وخُلقاً، فيرتقي بك درجةً درجة في معارج الكمال الإيماني والأخلاقي، فإن سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال:

    «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا...». (سنن الترمذي: ١١٦٢)

    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُخلّقنا بأخلاق حبيبه ونبيه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأن يختم لنا بخاتمة السعادة وأن يرزقنا جنة الفردوس بجوار أشرف الخلق خاتم النبيين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم دون أيّ حساب أو عذاب...

    آمين. والحمد لله رب العالمين.

تعليقات



رمز الحماية