صفات النبي صلى الله عليه وسلم الخَلْقية والخُلُقية | الشيخ طارق المحمد


نشرت: يوم الجمعة،08-نوفمبر-2019

صفات النبي صلى الله عليه وسلم الخَلْقية والخُلُقية

حَمدًا لِربّنا سبحانه وتعالى الذي خَصَّنا بحبيبه محمد العاقب الحاشر - صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم - وأنقَذَنا من ظلمة الجهلِ والدَّياجِر
اللهم صل وسلم على حبيبك المصطفى ونبيك المقتفى، سر الجمال في الوجود، وأعظم كل موجود، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين..

من أسباب المحبة له معرفة أوصافه صلى الله عليه وسلم:

لا ريب أن أسباب المحبة ترجع إلى أنواع الجمال والكمال والنوال، کما قرّره الإمام الغزالي رضي الله عنه وغيره..

فإذا كان الرجل يُحَبُّ لكرمه، أو لشجاعته، أو لحلمه، أو لعلمه، أو لتواضعه، أو لتعبّده وتقواه، أو لزهده وورعه، أو لكمال عقله، أو وفور فهمه، أو جمال أدبه، أو حسن خلُقه، أو فصاحة لسانه، أو حسن معاشرته، أو كثرة بره وخيره، أو لشفقته ورحمته، أو نحو ذلك من صفات الكمال... فكيف إذا تأصَّلت واجتمعت هذه الصفات الكاملة وغيرها من صفات الكمال، في رجل واحد، وتحقَّقت فيه أوصاف الكمال ومحاسن الجمال على أكمل وجوهها، ألا وهو السيد الأكرم سیدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو مجمع صفات الكمال ومحاسن الخصال، قد أبدع الله تعالى صورته العظيمة، وهيئته الكريمة، وطوى فيه أنواع الحسن والبهاء، بحيث يقول كل من نعته: لم يُرَ قبله ولا بعده مثلُه.(سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم شمائله الحميدة وخصاله المجيدة للمحدث الشيخ عبد الله سراج الدين الحلبي: صـ١٣)

أخي القارئ: اِعْلمْ أنَّ الحديث عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حديثٌ ذو شجون يُجلِّي كرب المحزون، ويرفع مراتب من للمصطفى يحبّون وإليه يتشوّقون، فإن شئتَ تكلَّمتَ عن جمال خَلْقِه، وإن شئتَ تحدَّثتَ عن جمالِ خُلُقِه، وإن شئتَ تحدَّثتَ عن صِلةِ جَمالِ خَلْقِه بجمال خُلُقِه، وإن شئتَ تحدَّثتَ عن ثمرة جمال خَلْقِه وَخُلُقِه وجمال عشرته وجمال صلته بصحابته وعترته أهل بيته، وجمال اهتمامه بأُمَّته، بل إن جمال الوجود به صلى الله عليه وسلم.

صورة الجمال في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ابتداءً من خَلْقِه:

خلق الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في أجمل صورة بشرية، وأكمل خِلْقة آدمية، فهو مجمع المحاسن المبدعات، والفضائل والكمالات الخلْقية والخُلُقيَّة، وقد أجمعت كلمة الذين رأوه ووصفوه على أنه لم يُرَ له مثيل سابق ولا نظير لاحق.

قال البراء بن عازب رضي الله عنه:

كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً، وأحسنهم خَلْقاً، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير.(متفق عليه)

وعنه رضي الله عنه أنّه قال:

كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعًا، بَعِيدَ ما بيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، له شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، رَأَيْتُهُ في حُلَّةٍ حَمْراءَ، لَمْ أرَ شيئًا قَطُّ أحْسَنَ منه.(رواه البخاري: ٣٥٥١)

لماذا لم يفتتن أحد بجمال رسول الله صلى الله عليه سلم:

لقد منح الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم الكمال البشري في كل صفاته الخَلْقية والخُلقية، فوهبه من الصفات المعنوية أقومها وأعدلها، ومن الصفات الحسّية أحسنها وأجملها.

سأل أحدهم شيخه سيدي:إذا كان سيدنا يوسف عليه السلام أُعطيَ شطر الجمال ففتنت به النساء حتى أنهن حين شاهدن حسنه؛ قطّعنَ أيديهن، لكن ما سمعنا أن امرأة فتنت بجمال سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم وقد أعطي الجمال كله، قال نعم: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أُعْطي الجمال والجلال فلم يُفتَتَنْ به أحد، واختاره الله تعالى لهداية العالمين من لدن عصره إلى أن تقوم الساعة، ولذا علاه الجمال وكساه بالجلال.

لم يخلق الرحمن مثل محمد *** أبداً وعلمي أنه لا يُخلَق

هل وجه رسول الله كالسيف؟:

قال الصحابي الجليل كعب ابن زهير صاحب البردة:

إنَّ الرسولَ لنور يُستضاءُ بِهِ *** مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللهِ مَسلولُ

هذه كلماتٌ يفوحُ عبيرها من حروفها، ويُشرِق في الدُجى نورها، ليس لأجل ناظمها فحسب؛ بل لعظيم من تتحدّث عنه هذه العبارات البليغة، إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، صاحب السيرة العطرة التي لم يتغنّ بمثلها شاعر، ولم تحفظ وتدوّن لعظيمٍ سيرتُه كما كان لحبيبنا صلى الله عليه وسلم، هذه السيرة التي لا يمل المحب من تكرارها، ولا تطرب الأذن إلا بسماعها.

ولذلك حين عايش الصحابة رضي الله عنهم صاحب هذه السيرة وأحبوه وصفوه وتفنّنوا بوصفه بأجمل الأوصاف والعبارات، ومن حبهم رضي الله عنهم وشوقهم للحبيب صلى الله عليه وسلم، كانوا يسألون بعضهم عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذات مرّةٍ سأل أحدُهم البراء بن عازب رضي الله عنه فقال:

هل كان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كالسيف؟ فقال: لا، بل مثل القمر.(رواه البخاري: ٣٥٥٢) يعني إذا لم يَحُل دونه الغمام..

أي هل هو كالسيف باللمعان أو الطول؟ فقال: لا، بل كالقمر في التدوير والنور والسطوع.(فتح الباري: ٧/٤٧٧، مختصراً)

وكان سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه يقول:

ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه.(أخرجه الترمذي في سننه: ٣٦٤٨)

ويقول أحد الصحابة رضي الله عنهم:

كنتُ في ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمر فيها مكتمل فجعلتُ أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القمر، فلوجه رسول الله أسنى وأبهى من القمر.(أخرجه الترمذي: ٢٨١١)

وقال بعضهم:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرّ (فرِحَ) استنار وجهُه كأنه قطعة قمر.(متفق عليه)

ولقد تميّز صلى الله عليه وسلم بصفات جسمية لا يشاركه فيها أحد، بصفات كلها جمال وكمال وبهاء، جمع الله له بين شجاعة القلب وقوة البدن، وكمال الجسم، وحسن المظهر..

وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني *** وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خُلِقتَ مبرَّءاً منْ كلّ عيبٍ *** كأنَّكَ قدْ خُلِقتَ كما تشاء
(حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله تعالى)

رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل الناس وأجملهم على الإطلاق:

فهو الذي تم معناه وصورته *** ثم اصطفـاه حبيباً بارئ النسم
مُنَـزَّهٌ عـن شـريكٍ في محاسِــنِهِ *** فجَـوهَرُ الحُسـنِ فيه غيرُ منقَسِـمِ
(قصيدة البردة للإمام البوصيري)

وورد في المواهب اللدنية نقلاً عن الإمام القرطبي رحمه الله أنه قال:

لم يظهر لنا تمام حسنه؛ لأنه لو ظهر لنا تمام حسنه لما أطاقت أعيننا رؤيته صلى الله عليه وسلم.(المواهب اللدنية: ٢/٢١٨)

ومن أوصافه صلى الله عليه وسلم:

وصفه بعض العلماء بأنه صلى الله عليه وسلم كان نوني الحواجب، ميمي الفم، ألفي الأنف، عيناه صلى الله عليه وسلم كانتا واسعتين، وكان أحور العينين: شديد بياض البياض وشديد سواد السواد.. (الشمائل المحمدية للترمذي: صـ٢٠، ودلائل النبوة للبيهقي: ١/٢٦٩، ملخصاً)

وكان صلى الله عليه وسلم طويل الأهداب، أي كان طويل الرموش، وجنتاه صلى الله عليه وسلم فيها انسياب، وكان صلى الله عليه وسلم أفلَجَ الثَّنِيَّتَيْنِ، إذا تَكلَّمَ رُئيَ كالنورِ يَخرُجُ من بَينِ ثَناياهُ.(الشمائل المحمدية للترمذي: صـ٢٧، والمعجم الكبير للطبراني: ١٢١٨١، وسنن الدارمي: ٥٩، ملخصاً)

هل وصفَ أحدٌ عظيماً كهذه الأوصاف:

هذا وقد استفاضت الأحاديث النبوية الشريفة والآثار المرويّة التي تدل على كمال خِلْقته الشريفة وجمال صورته المهيبة، حيث أخرج الإمام الترمذي رحمه الله عن هند بن أبي هالة رضي الله عنه أنه قال: وكان وصّافاً للنبي صلى الله عليه وسلم:

كان فَخْمًا مُفَخَّمًا، يَتَلَأْلَأُ وجهُه تَلَأْلُؤَ القمرِ ليلةَ البدرِ، أطولَ من المربوعِ، وأَقْصَرَ من الْمُشَذَّبِ، عظيمَ الهامَةِ، رَجِلَ الشعرِ، إنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُه فَرَقَها، وإلا فلا يجاوزُ شعرُه شَحمةَ أُذُنَيْهِ إذا هو وَفَّرَه، أَزْهَرَ اللونِ، واسِعَ الجَبِينِ، أَزَجَّ الحواجبِ، سَوابِغَ في غيرِ قَرَنٍ، بينهما عِرْقٌ يُدِرُّهُ الغضبُ، أَقْنى العِرْنِينِ، له نورٌ يَعْلُوهُ يَحْسَبُهُ مَن لم يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ، كَثَّ اللحيةِ، سَهْلَ الخَدَّيْنِ، ضَلِيعَ الفَمِ، أَشْنَبَ، مُفَلَّجَ الأسنانِ، دقيقَ الْمَسْرُبَةِ، كأنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ في صَفاءِ الفِضَّةِ، مُعْتَدِلَ الخَلْقِ.(الشمائل المحمدية للترمذي: صـ٢٢)

ولله در سيدنا حسان ابن ثابت رضي الله عنه حين قال:

أغَرُّ عليهِ لِلنُّبُوَّة ِخَاتَمٌ *** منَ اللَّهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ ويُشْهَدُ
نَبيٌّ أتانا بَعدَ يَأسٍ وفَترةٍ *** منَ الرسلِ والأوثانِ في الأرضِ تُعبَدُ
فَأمْسَى سِراجاً مُسْتَنيراً وهادِياً *** يَلُوحُ كما لاحَ الصّقِيلُ الْمُهَنَّدُ

من خصائصه صلى الله عليه وسلم:

أخرج أبو نعيم عن عباد بن عبد الصمد قال: أتينا أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه – فقال: يا جارية هلُمّي المائدة نتغدى، فأتت بها ثم قال: هلُمّي المنديل فأتت بمنديل وسخ، فقال: اسجري التنور فأوقدته، فأمر بالمنديل فطرح فيه فخرج أبيض كأنه اللبن، فقلنا: ما هذا؟ قال:

هذا منديل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح به وجهه فإذا اتّسخ صنعنا به هكذا، لأن النار لا تأكل شيئاً مرّ على وجوه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

فائدةُ ذكر وقراءة أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم:

هذه الأوصاف تدعو المؤمن المحب للتعلق بجنابه الشريف وتزيده قرباً وحباً له صلى الله عليه وسلم، وأهل المحبة يطالعون أوصاف محبوبهم ويتتبعون سيرته وأخباره، فجديرٌ بمن يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحْرِص على مطالعة سيرته وسننه وآثاره، وخير سبيلٍ لذلك طريقان هامّان:

1) قراءة كتب السيرة والشمائل وأن يكون الجامع للكتاب قد عُرف بالحبِّ والمحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن حال حبّه يسري للقارئ المحب، ومن أجمل الكتب في ذلك وأجمعها:

• كتاب: الشمائل المحمّدية للإمام الترمذي رحمه الله تعالى.

• كتاب: وسائل الوصول إلى شمائل الرّسول للشيخ يوسف النبهاني رحمه الله

• كتاب: سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم شمائله الحميدة وخصاله المجيدة للمحدث الشيخ عبد الله سراج الدين الحلبي رحمه الله تعالى، وغيرها من كتب المحبين رحمهم الله تعالى.

2) الطريق الثاني مجالسة أحبابه صلى الله عليه وسلم وورّاثه الذين تأسَّوْا به واقتدوْا بسننه وعرفوا سيرته وأخلاقه، فمجالسة هؤلاء المحبين تعطي لمن يجالسه خلاصة السيرة العملية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فحديثهم كله حبّ عن محبوبهم صلى الله عليه وسلم وقد قال المحب الشّريف محمّد مهدي بن علي الرّفاعى الشهير بـالرَّوَّاس:

تَقَرَّبْ لأقْوامٍ يَدينــــــــــونَ وُدَّهُ *** وباعــــدْ أُناساً قـــد تَخَبَّــطَهُــمْ مَسُّ
فإنَّ مُحِبَّ الحَقِّ يأوي لأهلِهِ *** بلا رَيبةٍ والجِنْسُ يَعرفُــــــــــهُ الجِنْسُ

هذه هي الحقيقة أن المحبّ يأوي للمحبين، ومن جالس جانس، وما أجمل أن تكون المجانسة مع أحباب أفضل خلق الله صلى الله عليه وسلم.

فنسأل الله تعالى أن يكرمنا بحبه وحب حبيبه - صلى الله عليه وسلم - وآل بيته وأصحابه - رضي الله عنهم - وأن يوفّقنا للالتزام بسنن نبيه وطريقه ويكرمنا بشفاعته يوم المآب ومعيّته في الجنة بلا عذابٍ ولا حساب.. إنه سميع قريب مجيب الدعوات..

وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين،

والحمد لله رب العالمين.

تعليقات (1)



رمز الحماية