سورة يس فضائلها وخصوصيتها | الشيخ طارق المحمد


نشرت: يوم الأَحد،03-يناير-2021

سورة يس فضائلها وخصوصيتها

لا شكّ أن القرآن أعظم كتاب، تضمّن قانوناً من ربّ الأرباب، يقرأه العالم كله على اختلاف الألسنِ والأنساب، تكفّل الله بحفظه على مرّ الدهور والسَّحاب، جمعته صدور الأجيال، وحفظه الصغار والعجائز والأشبال، ووعاه العلماء والرجال، هو حبلُ اللهِ المتينُ، ونورُه المبينُ، والذكرُ الحكيمُ، وهو الصراطُ المستقيمُ، وهو الذي لا تزيغُ به الأهواءُ، ولا تلتبسُ به الألسنةُ، ولا تتشعبُ معه الآراءُ، ولا يشبعُ منه العلماءُ، ولا يملُّه الأتقياءُ، ولا يَخْلَقُ عن كثْرةِ الردِّ، ولا تنقضي عجائبُه، وهو الذي لم تنتَه الجنُّ إذ سمِعَتْه أن قالوا: إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبٗا (الجن: ١)، من علِم عِلْمَه سبق، ومن قال به صدَق، ومن حكم به عدل، ومن عمِل به أُجِرَ، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيمٍ (صحيح مسلم ١/٥٥٣)

للقرآن عامّة فضائل وخصائص، ولبعض سوره وآياته مزيد خصوصية، فكما أن لسورة البقرة وآل عمران خصوصية تُحاجّانِ عن صاحِبِهِما، كما في صحيح مسلم، "اقرءوا سورةَ البقرةِ، فإنّ أخذها بركةٌ، وتركُها حسرةٌ، ولا يستطِيعُها البَطَلَةُ" (تفسير القرطبي ١/١٠)، يعني السحرة، وهكذا فإن بعض سور القرآن اشتملت على خصوصيات حتى يحصل اليقين به من العباد وبما أودع الله فيه من الأسرار التي لا تنفد ومن تلك السور التي رُوي بشأنها روايات كثيرة؛ سورة سمّيت بقلب القرآن إنها سورة يس.

فضائل سورة يس:

هي سورة مكية نزلت قبل الهجرة وقد وردتْ أحاديث كثيرة في فضلها، بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف، ولا بأس بذكر بعض هذه الفضائل على سبيل الترغيب كما هو شأن العلماء الذين يذكرون الضعيف في الفضائل دون اعتقاد القطع بنسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي - للحافظ الإمام المجدد جلال الدين السيوطي (١/ ٢٩٨):)
ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد الضعيفة ورواية ما سوى الموضوع من الضعيف، والعمل به من غير بيان ضعفه، في غير صفات الله تعالى وذلك إذا:
١. لم يشتدّ ضعفه.
٢. ولم يخالف أصلاً.
٣. واندرج تحت أصل معمول به في الدين.

وأحاديث فضل سورة يس تندرج تحت أصل كبيرٍ في الدين وهو تلاوة القرآن، ولذلك فإن فوائد سورة يس عديدة وبناء على ما تقدّم سنقتصر على ستة من الأحاديث في ذلك:
١. أنها قلب القرآن من قرأها ابتغاء وجه الله غفر الله له، كما ورد ذلك في الحديث الشريف الذي رواه أحمد والطبراني في المعجم الكبير.
٢. قراءتها مرة واحدة تعدل ثواب تلاوة القرآن عشر مرات: " مَن قرأَ (يس) كتبَ اللَّهُ لهُ بقراءتِها قراءةَ القرآنِ عشرَ مرّاتٍ". (سنن الترمذي)
٣. أنها سورة تقرأ على الميت عند الاحتضار وبعده كما في الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي وغيرهما. (اقرؤوا يس على موتاكم)

ولذلك فإن ابن كثير في تفسيره عند ذكر هذا الحديث قال: ولهذا قال بعض العلماء: من خصائص هذه السورة أنها لا تقرأ عند أمر عسير إلا يسره الله تعالى، وكأن قراءتها عند الميت لتنزل الرحمة والبركة، وليسهل عليه خروج الروح، والله تعالى أعلم، حيث قيل أن الرسول الكريم قال ونصح بذلك، قال الإمام أحمد رحمه الله: إذا قرئت ـ يعني يس ـ عند الميت خفف الله عنه بها. (تفسير ابن كثير ج٦ ص ٤٩٩ دار الكتب العلمية)

وهنا تنبيه: أنه لا يوجد تخصيص بقراءتها على المحتضر دون الميت كما يزعم البعض بل إن الحديث مطلق ويبقى على إطلاقه.

٤. من حافظ على قراءتها كل ليلة كان له ثواب الشهداء إن مات؛ كما ورد في الحديث الشريف عند الطبراني في معجمه.

٥. أن صاحبها الملازم لها يدعى شريفاً ويشفع يوم القيامة بأقوام عظيمة؛ فقد ذكر الإمام السيوطي في الدر المنثور فقال: أخرج أبو نصر السجْزي وحسّنه في الإبانة: عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن في القرآن لسورة تدعى العظيمة عند الله، يدعى صاحبها الشريف عند الله يشفع صاحبها يوم القيامة في أكثر من ربيعة ومضر وهي سورة يس.

٦. أن الملائكة أثْنت على من حمل سور القرآن عموماً وخصوصاً سورة يس وطه كما ثبت في الحديث الشريف حين سمعت الملائكة القرآن الكريم قالت:

طوبى لأمَّةٍ ينزِلُ هذا عليهم،
أخرجه الدارمي في "سننه" (٢-٤٥٦)، وضعّفه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء ورواه الطبراني في "الأوسط" (٥-١٣٣-٤٨٧٦)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٢-٤٧٦-٢٤٥٠)

من موضوعات وفوائد سورة يس:

١) أكّدت سورة يس مبادئ مهمة في العقيدة ونبوّة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم،
٢) أكدت حقيقة البعث والجزاء في مطلع السورة وآخرها وبيان عظمة الله وقدرته.
٣) ذكرت قصة رجلٍ مؤمن مع أصحاب القرية.
٤) بيان أن الضرّ والنَّفع لا يملكه إلا الله تعالى وأن التوحيد أساس الإيمان.
٥) بيّنت جزاء المكذبين والمعاندين بالعقاب في الدنيا والآخرة.
٦) لفتت القارئ والسامع لآيات الله الكونية في الليل والنهار.
٧) وضّحت ذمّ الكفر والشّح وأهله وتحريض المؤمن للبعد عنه.
٨) بيان إكرام الله للمؤمنين من أهل الجنة وتمتُّعهم بأنواع النعيم.

هذه المواضيع التي حوتها هذه السورة العظيمة وتضمّنت هذه المعاني الجليلة ولذلك كان الصالحون والعلماء العاملون يقرؤونها كل يوم ويحرّضون تلاميذهم بل وعامة المؤمنين على قراءتها لترسيخ هذه العقائد وتقوية الإيمان وهذه من أعظم الفوائد المقصودة التي ينبغي أن يحرص المؤمن عليها، وقد ذكرنا طرفاً من الأحاديث في فضلها وفوائدها، وهناك جملة من الأحاديث الكثيرة التي لا يتّسع المقام لذكرها، فحريٌّ بالمؤمن أن يحافظ على تلاوة هذه السورة صباحاً ومساءً وسيرى آثار وفوائد سورة يس على نفسه وذاته من خلال هذه المداومة، اللهم وفّقنا لذلك آمين بجاه النبي الأمين وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

تعليقات



رمز الحماية