سيدنا أبو بكر الصديق بين تثبيت الأمة والدفاع عن رسول الله ﷺ | الشيخ طارق المحمد


نشرت: يوم الخميس،04-فبراير-2021

سيدنا أبو بكر الصديق بين تثبيت الأمة والدفاع عن رسول الله ﷺ

بسم الله الرحمن الرحيم

أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه هو أول خليفةٍ للمسلمين وأوّل الخلفاء الرّاشدين وسيّد المسلمين الأوّل الذين نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به، وكان صاحبه وأقرب الناس إليه، وهو من أثبَتِ المؤمنين إيمانا وأقْواهم حرصاً على دين الله تعالى.

اسمه ونسبه وولادته:

اسم سيدنا أبي بكر من حيث النسب والأصل هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي من حيث التيمي، عبد الله ابن أبي قحافة، وأمه أم الخير، سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة وهي ابنة عم أبي قحافة، وقيل اسمها ليلى بنت صخرٍ ابن عامر، ولد سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر. (بتصرف من أسد الغابة في معرفة الصحابة: صـ٧٠٠ - ٧٠١ ط دار ابن حزم)

بعض مناقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه:

كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يلقّب بالعتيق لحسن وجهه وجماله، ولأنه لم يكن في نسبه شيءٌ يعاب منه رضي الله عنه كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:

أنت عتيق الله من النار. (أخرجه الترمذي: ٣٦٧٩)

ومن مناقبه أنه سمّي الصدّيق بسبب حادثة الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى وذلك حين رجع وأصبح الناس يتحدثون بذلك فارتدَّ ناسٌ ممن كان آمن به صلى الله عليه وسلم وصدَّق سيدنا أبو بكر ذلك باطمئنان وهؤلاء فُتنوا، فقالوا له:

أوَ تُصَدِّقُه أنه ذهب الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ وجاء قبل أن يُصبِحَ؟ قال: "نعم إني لَأُصَدِّقُه فيما هو أبعدُ من ذلك، أُصَدِّقُه بخبرِ السماءِ في غُدُوِّه أو رَوْحِه، فلذلك سُمِّي أبو بكٍر الصِّديقَ. (المستدرك على الصحيحين: ٤٤٦٣)

كان رضي الله عنه من رؤساء قريش محبوباً فيهم، تاجراً صدوقاً صاحب خلقٍ معلوم، وكانوا يألفونه ويحبونه لعلمه ورجاحة عقله، وحسن تجاربه ومجالسته وصدقه، ولذلك حين جاء الإسلام كانت هذه الصفات تؤهّله للدخول في هذا الدين بجدارة، فكان أول من أسلم من الرجال، ثم أسلم على يده جماعةٌ من المبشَّرين بالجنة وغيرهم، وينقُل ابْنُ إِسْحَاقَ في سيرته: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم - قَالَ:

مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إلى الإسلام إِلَّا كَانَتْ عِنْدَهُ كَبْوَةٌ وَتَرَدُّدٌ وَنَظَرٌ، إِلَّا أَبَا بَكْرٍ مَا عَكَمَ عَنْهُ - أَيْ: ما تَلَبَّثَ - حِينَ ذَكَرْتُهُ، وَلَا تَرَدَّدَ فِيهِ: (السيرة النبوية لابن هشام: ١/٢٦٩) يعني: ما أبطأ حين ذكَرتُه له وما تردَّد فيه. (أسد الغابة: ٣/٢٠٦، ولسان العرب: ١٢/٣٨٠ بتصرف)

هاجر أبو بكر الصديق مع النبي صلى الله عليه وسلم ولجأ معه قبلها في الغار وآنسه فيه ووقاه بنفسه وقال لرسول الله ﷺ: وهو في الغارِ:

لو أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنا، فَقالَ: ما ظَنُّكَ يا أبا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثالِثُهُما. (أخرجه البخاري: ٣٦٥٣، ومسلم: ٢٣٨١)

شهد وحضر غزوة بدرٍ وأُحدٍ والخندق والحديبية والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فيمن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وحنيْن حين فرّ الناس.

كان أوَّل من آمن بالرسول من الرجال وأول الخلفاء الراشدين وأول خليفةٍ للمسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان رضي الله عنه أميرَ الحج سنة تسعٍ للهجرة وبذل ماله كله في سبيل الله، وأمَّ الناس في مرض النبي صلى الله عليه وسلم بإشارة وأمرٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي أبو بكرٍ بالناس، فقالوا:

لو أمرتَ غيره، يعني بسبب رقته وضعْف صوته، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا ينبَغي لقَومٍ فيهِم أبو بكرٍ أن يؤُمَّهُم غَيرُهُ. (سنن الترمذي: ٣٦٧٣)

إيمان أبي بكر يرجح بإيمان الأمة جميعاً:

حين يقال أنَّه أعظم الناس إيماناً بعد الأنبياء فهذه المشاهد أعظم دليلٍ على هذا الثبات بعد شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم له بذلك، لكنَّ أعظم المشاهد في ذلك ما كان منه بعد وفاة النبي صلى الله وسلم، فلقد تفوَّق على جميع الصحابة رضي الله عنهم، وكان نعم الرجل في تثبيْت الأمة والدفاع عن النبوة وعن الإسلام، فلقد تربّى رضي الله تعالى عنه في بيت النبوة، وتهيّأ من خلال الصحبة والمصاحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رضي الله عنه صاحب الموقف.

أبو بكر يقود الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم:

وعندما نستعرض مشاهد التثبيت والثبات وقوة الإيمان عند أبي بكرٍ رضي الله تعالى عنه وحماية النبوة والدفاع عن الإسلام والدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنا إذا استحضرنا هذا كله وخصوصاً المشهد الأخير الذي كان مع وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيأتي هنا سؤالٌ هام وملفِتٌ: ماذا لو لم يكن سيدنا أبو بكرٍ رضي الله تعالى عنه في هذا الموقف الأخير.

إنَّه رَجُلٌ رَقِيقٌ، إذا قامَ مَقامَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يُصَلِّيَ بالنّاسِ، قالَ: "مُرُوا أبا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بالنّاسِ فَعادَتْ، فَقالَ: مُرِي أبا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بالنّاسِ...، فَصَلّى بالنّاسِ في حَياةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. (صحيح البخاري: ٦٧٨)

فامتثل أبو بكر رضي الله عنه وهو لا يعلم لماذا يُهيّأ، ثم فوجئ بعد ذلك بأيام أو لحظاتٍ بوفاة حبيبه صلى الله عليه وسلم.

دور سيدنا أبي بكر الصديق حماية عقيدة ختم النبوة:

أولاً: موقف سيدنا أبي بكر العظيم من بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثبات والدفاع عن العقيدة وبيان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان سدّاً منيعاً لفئات تهدّد المسلمين في المدينة حيثُ:

  1. كان في ذلك الوقت بالمدينة مرجفون يتربَّصون بالمؤمنين، وينتظرون بعض الفرص ليأخذوا دوراً في إضعاف الإسلام حسب ظنهم.
  2. كانت وفاة رسول الله صلى الله عيه وسلم حسب رؤية المرجفين فرصةً سانحةً لهم، كي يجيّشوا جيوشهم ويحرّضوا المنافقين والأعراب على الارتداد عن الإسلام وعدم دفع الزكاة لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  3. كان أولئك الأشرار يريدون أن يحصلوا على امتيازات في مقدمة الناس بعد رسول الله صلى الله عليه فبدؤوا يحركون الناس ويجيّشونهم للزحف إلى المدينة والقضاء على الإسلام.

ثانياً: في هذه الظروف العصيبة حمل الراية سيدنا أبو بكرٍ رضي الله تعالى عنه وكان صدمةً كبيرة على المنافقين وعلى المرتدين وكل من ادَّعى النبوة من الأعراب من أمثال مسيلمة الكذاب وسجاح والأسود العنسي وآخرين من أمثال طليحة.. فقال:

واللهِ لو مَنَعوني عِقالًا كانوا يُؤَدُّونَه إلى رسولِ اللهِ ﷺ، لَقاتَلتُهم على مَنعِه. (أخرجه البخاري: ٧٢٨٤) فقيل له: كيفَ تُقاتِلُ الناسَ وقد قال رسولُ اللهِ ﷺ: أُمِرتُ أنْ أُقاتِلَ الناسَ حتى يقولوا: لا إلهَ إلّا اللهُ، فمَن قال: لا إلهَ إلّا اللهُ عَصَمَ مِنِّي مالَه ونَفْسَه، إلّا بحَقِّه، وحِسابُه على اللهِ؟! فقال أبو بَكرٍ رضِيَ اللهُ عنه: لَأقتُلَنَّ مَن فَرَّقَ بينَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ؛ فإنَّ الزَّكاةَ حَقُّ المالِ. (أخرجه البخاري: ٧٢٨٤)

ولذلك ورد عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حين مدَح سيدنا أبا بكرٍ في هذا الموقف قال:

لقد قمنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً كِدْنَا نهلِك فيه لولا أن منَّ الله علينا بأبي بكر. (الكامل في التاريخ: ٢/٢٠٥)

وهذا جواب واضح من الصحابة أنفسهم على السؤال السابق حين ذكرنا أنه ماذا لو لم يكن أبو بكرٍ في الناس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أين ستكون راية الإسلام؟ وأين ستكون النبوة؟ وكيف ستتوحّد الجزيرة بعد أن ارتدَّت وبدأت تهاجم الإسلام وتمنع الأحكام؟.

من أين استمدّ أبو بكر الدفاع عن رسول الله ﷺ وعن ختم النبوة والرسالة؟

إن أبا بكرٍ العظيم في حمايته للإسلام وفي دفاعه عن أمر ختم النبوة برسول الله صلى الله عليه وسلم ومحاربته لمن ادعى النبوة بعد رسول الله ﷺ كان يستمدّ كل هذا الدفاع عن رسول الله ﷺ وعن الدين من منطلق الإيمان الراسخ في قلبه حيث تلك القوة والصلابة والثبات والعلم، ولم يكن عن اجتهادٍ ورأيٍ، وخاصة في قضيةٍ أبرم الله فيها حكماً قبل ذلك، حيث كان جيش سيدنا أسامة بن زيد قد جهّزه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا ينطق عن الهوى فلا بد من إنفاذه وتسييره على ضوء ما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عقيدة ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم:

وأما أمر النبوة التي بدأ يدّعيها بعض الرجال في الجزيرة ومعهم سجَاح فقد ختمها الله تعالى بمحمد ﷺ وردَّ عليهم بقوله:

وَلَٰكِنْ رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَۗ. (الأحزاب: ٤٠)

وهذا ردٌّ قاطع من نصوص الدين والشريعة، وأما أحوال أولئك المدّعين التي فضحتهم كانت دليلاً آخر على كذبهم وخذلان الله لهم، وهذا الخذلان يلْحق كل من يكْذب على الله في ادّعاء النبوّة بعد رسول الله ﷺ الذي ختم الله به النبوّات.

مواجهته للمرتدين ونظرة في معركة اليمامة:

لم يتوقّف أبو بكر رضي الله عنه أمام كل تلك الظروف والصعاب التي واجهته وهو يريد مهاجمة من يريد أن يقتحم على الإسلام في داره.

فأنفذ أبو بكر جيش أسامة رضي الله عنه المجهّز وقال:

لو خطفتني الكلاب والذئاب لأنفذته كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أردُّ قضاءً قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم يبق في القُرى غيري لأنفذته. (الكامل في التاريخ: ٢/١٩٩)

وواجه أبو بكر الردَّة بإيمانه القوي الثابت في أعماق قلبه، وواجه المرتدين بالجيوش التي جيّشها من الصحابة رضي تعالى عنهم، وردَّ أمر من ادَّعى النبوة بالحق والحوار والعلم، ثم حوّل في حقّ من بقي في عناده وادِّعائه فقاتلة بالسيف وقضى عليهم به.

لا شك أن أبا بكرٍ كان نعمةً كبرى على الأمة جمعاء بهذه المواقف العظيمة رضي الله تعالى عنه، وكان رضي الله عنه أول الخلفاء الراشدين، ومعركة اليمامة شاهدةٌ على ذلك في الدفاع عن المسلمين والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم.

بعثَ الصدّيقُ خالدَ بن الوليد لقتال بني حنيفة باليمامة، فسار لا يمرّ بأحد من المرتدّين إلا نكَّل بهم، وقد اجتاز بخيولٍ لأصحاب سجاح فشرَّدهم، وأمر بإخراجهم من جزيرة العرب، وأردف الصديقُ خالداً بسريّة لتكون رِدءاً له من ورائِه، وقد كان بعثَ قبله إلى مسيلمة الكذّاب عكرمة ابن أبي جهل، وشُرَحْبيل بن حسنة، فلم يُقاوِما بني حنيفة لأنهم في نحو أربعين ألفاً من المقاتِلة، فلما سمع مسيلمةُ بقدوم خالد، عسكرَ بمكان يقال له: عَقْرَباء في طرف اليمامة والريف وراء ظهورهم..

فلما تواجه الجيشان قال مسيلمة لقومه: اليوم يوم الغيرة ثم قال كلاماً سيّئا، وتقدم المسلمون حتى نزل بهم خالد على كثيب يشرف على اليمامة فضرب به عسكره، فاصطدم المسلمون والكفار، فكانت جولة وانهزمت الأعراب حتى دخلت بنو حنيفة خيمة.. وحمل خالد بن الوليد حتى جاوزهم وسار إلى جبالِ مسيلمة ثم نادى بشعار المسلمين وكان شعارهم يومئذ: يا محمداه، وجعل لا يبرز لهم أحد إلا قتله، ولا يدنو منه شيء إلا أكله، ودارت رحى المسلمين، ثم اقترب من مسيلمة فعرض عليه الرجوع إلى الحق فجعل شيطانُ مسيلمة يلوي عنقه لا يقبل منه شيئاً، وصبرت الصحابة في هذا الموطن صبراً لم يُعهَد مثلُه، ولم يزالوا يتقدّمون إلى نحور عدوهم حتى فتح الله عليهم، وولى الكفار الأدبار، واتَّبعوهم يُقتّلون في أقفائهم ويضعون السيوف في رقابهم حيث شاؤوا، حتى ألجؤوهم إلى حديقة الموت، وقال البراء بن مالك: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة، فاحتملوه فوق الجحف ورفعوها بالرماح حتى ألقوه عليهم من فوق سُوْرها، فلم يزل يقاتلهم دون بابها حتى فتحه ودخل المسلمون الحديقة من حيطانها وأبوابها يقتلون من فيها من المرتدَّة من أهل اليمامة حتى خلصوا إلى مسيلمة - لعنه الله - فتقدم إليه وحشي بن حرب فرماه بحربته فأصابه وخرجت من الجانب الآخر، وسارع إليه أبو دجانة سماك بن خرشة فضربه بالسيف فسقط، فكان جملة من قُتِلوا في الحديقة وفي المعركة قريباً من عشرة آلاف مُقاتل، وقيل: أحد وعشرون ألفاً، وقُتل من المسلمين ستُّمائة، وقيل: خمسُمائة، فالله أعلم، وفيهم من سادات الصحابة وأعيان الناس من يُذكَر بعدُ. (مختصراً من البداية والنهاية: ٣/٣١٩)

هكذا أبو بكر وهكذا فعل جيشه بمن يريد المكيدة بالإسلام فلم يكن يرض بأيّ انقلابٍ على الإسلام، ولم يقبل أيّ تهاونٍ في الدفاع عن ختم النبوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمر في إمضاء ما قد عزم عليه فلم يبقَ بعد ذلك هناك مسيْلمة الكذاب ولا طليحة ولا سجاح ولا جيوشهم الجرارة التي أرادوا بها القضاء على الإسلام في حصون المدينة.

أبو بكر الصدّيق صاحب صادق وخليفة عادل وقائد مغْوار:

عاش أبو بكر رضي الله حياته كحاكمٍ صادقٍ ينفذ حكم الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومارس دوره كخليفةٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبدأت انتصاراته منذ إعلان الخلافة له بمشورة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

وهكذا دائماً كان سيدنا أبو بكر رضي الله تعالى عنه صاحب الموقف الحامي والمدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن دين الإسلام، مشهوراً في جميع مواقفه من بداية إسلامه ولذلك ما سبق أبو بكرٍ الأمة بصلاةٍ وصيام ولكن بإيمان وقر في قلبه.

أسلم أبو بكرٍ بهدوء، وتابع إسلامه على هدوء، وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدوءٍ، وكان هدوءَه قوةً للإسلام يتوجَّس الكفار منه خوفاً ورهبةً، ولذلك كان رضي الله تعالى عنه مصدراً للتثبيت عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان هدوءه مصدراً لتثبيت للصحابة لم يُعهد من غيره.

هذه الميزات شهد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق أبي بكرٍ من حيث الإيمان ومن حيث نفعه للإسلام، إنه الإيمان الذي رسخ في قلب هذا الرجل العظيم صاحب رسول الله وخليله..

ويكفيه فخراً ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه يوماً:

هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي". ثمَّ بيّن صلى الله عليه وسلم مسوِّغات وأسباب ذلك فقال: "إِنِّي قُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جميعًا، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ. (صحيح البخاري: ٤٦٤٠)

الصدّيق الملهم:

ونختم لكم بموقف من أعظم المواقف أيضاً ألا وهو موقف الحديبية والحوار الذي دار بينه وبين سيدنا عمر، حيث دار هذا الحوار نفسه بين سيدنا عمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، فلم يصبر سيدنا عمر على هذه الشروط والعهود المجْحفة بعد أن أحرموا بالعمرة وذهبوا إلى مكة قال عمر رضي الله عنه:

ألَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا، قالَ: بَلَى، قُلتُ: ألَسْنَا علَى الحَقِّ، وعَدُوُّنَا علَى البَاطِلِ، قالَ: بَلَى، قُلتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا إذًا؟ قالَ: إنِّي رَسولُ اللَّهِ، ولَسْتُ أعْصِيهِ، وهو نَاصِرِي، قُلتُ: أوَليسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أنَّا سَنَأْتي البَيْتَ فَنَطُوفُ بهِ؟ قالَ: بَلَى، فأخْبَرْتُكَ أنَّا نَأْتِيهِ العَامَ، قالَ: قُلتُ: لَا، قالَ: فإنَّكَ آتِيهِ ومُطَّوِّفٌ به، قالَ: فأتَيْتُ أبَا بَكْرٍ فَقُلتُ: يا أبَا بَكْرٍ أليسَ هذا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قالَ: بَلَى، قُلتُ: ألَسْنَا علَى الحَقِّ وعَدُوُّنَا علَى البَاطِلِ؟ قالَ: بَلَى، قُلتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا إذًا؟ قالَ: أيُّها الرَّجُلُ إنَّه لَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وليسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وهو نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بغَرْزِهِ، فَوَاللَّهِ إنَّه علَى الحَقِّ، قُلتُ: أليسَ كانَ يُحَدِّثُنَا أنَّا سَنَأْتي البَيْتَ ونَطُوفُ بهِ؟ قالَ: بَلَى، أفَأَخْبَرَكَ أنَّكَ تَأْتِيهِ العَامَ؟ قُلتُ: لَا، قالَ: فإنَّكَ آتِيهِ ومُطَّوِّفٌ به. (صحيح البخاري: ٢٧٣١)

هذا الحوار يبين موقف سيدنا أبي بكرٍ وقوة إيمانه وتسليمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فحين أعاد نفس الأسئلة وذاتها على أبي بكرٍ كان الجواب المزلزل من أبي بكرٍ لعمر رضي الله عنهما بنفس أجوبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من أبي بكرٍ لم يأت إلا من الإيمان الذي لم يتلعثم به حين دخل فيه وكان متميزاً عن غيره رضي الله عنه برجحان كل شيء فيه رضي الله عنه وأرضاه وعن جميع الصحابة الكرام، آمين بجاه النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

تعليقات



رمز الحماية