أكبر دعاة الأمن والسلام | الشيخ محمد عمران عطاري


نشرت: يوم الخميس،04-نوفمبر-2021

أكبر دعاة الأمن والسلام

الأمنُ يبدو كلمةٌ صغيرةٌ في اللفظ ولكنها ذاتُ أهميَّة كبيرةٍ في المعنى، ولو كان في البيتِ لَوجدَ ساكنوه الراحةَ القلبيَّة والنفسيَّة، ولو انتشر في المجتمع لَوجدُوا الطُّمأنينةَ في النَّفس والمال، وإن استقرّ في البلدِ لَرأى مُواطنوه التقدُّم والازدهارَ في الاقتصادَ والحركةَ والنشاطَ في التجارة، وإن عمّ الأمنُ والسَّلامُ في العالم لَما أُريقت الدِّماءُ ولا تحمَّلت الأقوامُ الخسائرَ البشريَّة والمالية، ونعلم أن المجتمعَ الدولي يُخصِّصُ كلَّ عامٍ ميزانيةً ضخمةً قد تَصلُ إلى مليارات الدولات لأجل ذلك، ولا يوجد شخصٌ صاحبُ عقلٍ سليمٍ في العالم يُنكر أهمية الأمن والسلام، لأنه إذا انعدم الأمنُ ساد الخوفُ والقلقُ، وأصبحتْ ممتلكاتُ الناسِ عُرضة للخطر، فتُهرَاق الدماءُ، وتَتَفكّكُ الأسرُ، ويصبَح الأطفالُ يتامى والنساءُ أرامل، وتكثُرُ الاضطراباتُ والتظاهرات والإضراباتُ، فينهارُ الاقتصادُ، وربما لا تستطيعُ سياراتُ الإسعاف إنقاذَ المرضى بسبب تدمر البُنيةِ التحتية في البلد، المهم: إنّ انعدامَ الأمن أخطرُ شيء في العالم، وبأي نوعٍ كان، وإذا كان ثمنُ انعدامِ الأمن هو القتلُ والتدميرُ فإنَّ ثمنَ الأمنِ والسَّلام هو تعميم الخير على المجتمع الدولي بأكمله.

وتتضحُ أهميةُ الأمن من دعاءِ سيدنا إبراهيم عليه السَّلام الذي دعا في مكة، وأخبرنا الله عنه فقال:

﴿رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا ٱلۡبَلَدَ ءَامِنًا﴾ [إبراهيم: ٣٥]

وكذلك من الدعاءِ الذي علَّمنا إياه رسول الله ﷺ لكي يدعُوَ به المسلمُ عند رؤيةِ الهلال حيث قال:

«اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربّي وربّك الله» [سنن الدارمي، ٧/٢، (١٦٨٨)]

ولو تصفَّحنا أوراقَ التاريخ لوجدنا الكثير من الشخصيات الإصلاحية التي بذلتْ الجهودَ في هذا الصدد، لكن لم تكن مبادئها مكتملة فكان النجاحُ مقصورًا على ناحية من النواحي، وفي الحقيقة لمْ يستطع أحد أن يُقدِّم خُططًا متكاملة لنبذ العُنف والتطرُّف وإحلالِ الأمن السَّلام، كما قدَّم رسول الله ﷺ الأصول والمبادئ للناس كافة، والغريب أنه لما جاء رسول الله ﷺ كان يحكّمُ قانون القوّة لا قوّة القانون، فكان القويُّ يأكلُ الضعيفَ، وكانت تعُمُّ الفواحش، وكانوا يعتبرون البنات عارًا عليهم، والنساءَ أموالًا، وكانت جميعُ أنواع الفساد منتشرةً بينهم؛ حتى جاء النور وخرج رسول الله ﷺ بينهم فقام بتغيير شاملٍ عن طريقةِ الانقلاب الحقيقي فنقلَهم من الذُّل والمهانة إلى أوْج العزّة والكرامة، ودعاهم إلى عدمِ التفريق بينهم بسببِ الجنس واللونِ أو القبيلةِ أو العرق، وأكَّد على ضرورة احترام نفس الإنسان وأنه معصومُ الدم، وأمرهم بتركِ السرقةِ

الحديث الشريف

وايمُ اللّٰهِ، لو أنّ فاطمةَ ابنةَ محمّدٍ سرَقتْ لقطعتُ يدها [صحيح البخاري، ٤٦٨/٢، (٣٤٧٥)]

ونهب الأموال وحذرهم من أخذِها بغير حق، ونشر بينهم ضرورة التعاملِ الحسنِ مع الناس، وحثَّهم على العدلِ والمساواةِ وجعلهم سواسية في الحقوق سواء كان فقيرًا أو غنيًّا، حاكمًا أو محكومًا، قويًّا كان أو ضعيفًا، ولا يُفَضَّل أحدٌ على غيره بحسبه ونسبه ولونه، ولا يستطيع أحدٌ أن يَظلم آخرَ ولو كان عبدَه أو خادمَه أو زوجَه، وذكر لهم أن معيارَ التفاضل واحدٌ لا غير، ألا وهو التقوى، ودعاهم إلى العِفَّة والأمانةِ وحُسن الجوارِ والأخلاقِ الكريمة والوحدةِ وصلةِ الرحم والصدقِ والكفّ عن الفواحش ونهاهم عن أكل مال اليتيم، وعلَّم الرسول ﷺ صحابتَه بطريقة عملية بأن الإنسانَ لا يمكن أن يكون فوقَ القانون مهما كانت منزلتُه رفيعةً بين الناس، فقال:

«وايمُ اللهِ، لو أنّ فاطمةَ ابنةَ محمّدٍ سرَقتْ لقطعتُ يدها» [صحيح البخاري، ٤٦٨/٢، (٣٤٧٥)]

فرفع عَلمَ الأمن والسلام، وحذّر من يُعكِّرُ صفوَ المجتمع والطمأنينة بأنه ستقام عليه عقوبات شرعية ردعًا له، ومن يسرق مال الآخرين أو يشرب الخمر أو يأتي بالفاحشة يتمّ تنفيذ الحدّ عليه (أي العقوبة)، وحرّم أكل المال بغير حق، والربا والقمار، وأن من قتل نفساً فكأنّما قتل الناس جميعًا، حتى خلَق الوحدة والانسجام بين القبائل العربية، وحرّم الخلف بالوعد أو نقض العهد ولو مع غير المسلمين، ومنع مِن كل عملٍ تخريبيٍّ يجعلُ الأمن في خطر واعتبره مخالفة شرعية، ونادى الناس إلى رعاية تكافل الأيتام والمساكين والفقراء والأرامل، ووضع المبادئ للاعتناء بحقوق النساء والأطفال والمسنين كي تسود المحبةُ والوُدُّ بين أفراد المجتمع، ومنع كل ما يُسبّب الخوف والاضطراب والهلع والقلق والعداوة بين الناس حتى قال:

«إذا مات صاحبُكم فدعوه، ولا تقعوا فيه» [سنن أبي داود، ٣٥٩/٤، (٤٨٩٩)]

كما تحمّل النبي ﷺ في مكة جميع أنواع الإيذاء والشتم والعنت والبلاء من قريش وسفهائها، ومع ذلك حين قابلهم يوم فتح مكة لم ينتقم منهم بل سامحهم جميعًا، وعفا عن الذي كان يريد قتله، وعفا عن قاتل عمّه حمزة، وعفا عن الذي أجبره على ترك بيت الله الحرام وعفا وعفا...، ولو أراد الانتقامَ منهم لفعل، فهذه في الحقيقة قدوةٌ عاليةٌ في السِّلم والسلام، إلى جانب كل ذلك قام بتربيةِ الصحابة وأوصلَهم إلى درجةٍ عالية حتى أنّ الحكامَ اللاحقين ساروا على خطاهم، وأقاموا الأمنَ والسلامَ على جميع المستويات سواء كانت عالميّة أو وطنيّة أو اجتماعيّة فأصبحوا قادة الأمة، لذا رأينا في العصر الأول أنّ الإسلام انتشر بين الناس بسرعة يندر نظيرُها في الأديان الأخرى، هكذا هو الإسلامُ دينُ الأمن والسلام، فرضَ السلام على جميع المستويات وحافظ عليه وهو ليس سهلاً بكل تأكيدٍ ولكن الأمانَ والتقدُّمَ والازدهارَ لا يمكن بدونه، والطريقةُ المثلى لذلك هو الالتزامُ بالمبادئ التي قدّمها أعظمُ داعية للأمن والسلام ونبي الرحمة والأمان ﷺ

الحديث الشريف

إذا مات صاحبُكم فدعوه، ولا تقعوا فيه [سنن أبي داود، ٣٥٩/٤، (٤٨٩٩)]

اللهم احفظ علينا دينَنا وأنفسَنا وكرامتنا وعزّنا في الدنيا والآخرة، اللهم وأَدم علينا نعمة الأمنَ والسلامَ في وطننا وبيوتنا ونفوسنا وجميع البلاد يا رب العالمين.

للاطلاع على مثل هذه المقالات المفيدة ليس عليك إلا زيارة هذا الموقع

تعليقات



رمز الحماية