من موانع الفتوح والتوفيق | يوسف عبدالقادر فرواتي


نشرت: يوم الثلاثاء،21-ديسمبر-2021

من موانع الفتوح والتوفيق

قد يتأخر الفتوح ويمتنع التوفيق عن الطالب، وذلك لأمور عديدة أخبرنا عنها الدينُ الحنيف ونبهنا إليها حبيبُنا المصطفى ﷺ وأنها قد تكون السبب في تأخر التوفيق والفتوح على المؤمن بشكل عام، ومن هذه الأمور:

الذنوب والمعاصي

إن للذنوب والمعاصي أثرها الكبير على القلب والعقل، وهي كغشاء يحجب التوفيق من الله، وإذا كثرت الذنوب والعياذ بالله تكون على القلب رانًا وحجابًا أسودَ سميكًا يمنع نزول الخير والنور إليه، كما أخبر بذلك سيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه قال:

إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ، صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ، حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبُهُ ذَاكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ:

﴿كـَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ١٤﴾

[المطففين]

(مسند أحمد،١٩٤/٣ ، ((٧٩٥٢)

فالعلم نور والنور لا يُؤتاه عاصٍ ولا هي كما أشار لذلك الإمام الشافعي رحمه الله تعالى حين قال:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور
ونور الله لا يهدي لعاصي
(حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي، ٢٢٤/٣)

النظر الحرام

العين مرآة القلب، وكل ما يرى بالعين يؤثر على القلب، ولذا فإن النظر الحرام زيادةً على أنه معصية وعليه أثم فإنه يلوّث القلب ويعكر الفكر ويشتت الذهن، فالنظرة سببٌ للشهوة والشهوة مدفَعه للمعصية، وكما قيل:

كلُّ الحوادثِ مبدأُها من النظر
ومُعظَمُ النارِ مِنْ مُستَصْغرِ الشَرِرِ
كْم نظرةٍ فعلتْ في قلب صاحبها
فِعْلَ السهامِ بلا قوسٍ ولا وتـرِ
والمرءُ ما دامَ ذا عينٍ يُقَـلِّبُها
في أَعينِ الغير موقوفٌ على خَطرِ
يَسرُّ مُقلَتَهُ ما ضرَّ مُهجَـتَهُ
لا مرحبًا بسرور عادَ بالضـررِ
(نسب لأبي الطيب المتبني)

الكسب الحرام والمال الحرام

مما يمنع التوفيق الكسب الحرام، إلى جانب أنه قسوة للقلب ومظلمة له، فإذا كان الله عزوجل لا يتقبل الدعاء ممن كان شيء من مأكله أو مشربه أو ملبسه حرام كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ:

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ ٥١﴾

[المؤمنون]

وَقَالَ:

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ﴾

[البقرة: ١٧٢]

ثُمَّ ذَكَرَ

الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟.

(صحيح مسلم: ٣٩٣، (١٠١٥))

فكيف سيوفق الله رجلا ملأ قلبه وباطنه وحياته بالحرام، إن هذا الجسد ينمو بما يتغذى عليه فإن تغذى على حلال بوركت له أعماله وحركاته وسعيه، وإن تغذى على غير ذلك فنسأل الله السلامة والعافية مما يكون من أمره ولذلك قيل: كُلْ ما شئت فمثله تعمل!

عقوق الوالدين

فضل بر الوالدين وأهميته مما لا يخفى على أيّ مسلم، فالكثير من الآيات التي قرن الله تعالى طاعة الوالدين بطاعته وإن عصيانهما من عصيانه جل جلاله، ووردت كثيرٌ من الآثار في ذلك، ولكن السؤال هنا: كيف لطاعة الوالدين أو عصيانهما تأثيرٌ على المرء من حيث توفيقه وفتوحه؟

الجواب: أن رضا الوالدين على المسلم هو رضا لله أيضًا عليه، ومتى حصل الرضا من الله على العبد فُتحت له أبواب الخير والتوفيق وصار أمره سهلًا ميسرًا، وكذا العكس متى حصل غضب من الوالدين حصل الغضب من الله، وأغلق عليه التوفيق وأبواب التيسير، ثم إن دعاء الوالد على ولده لا يرد وذلك من حديث النبي ﷺ الذي يقول فيه:

"ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ"

(سنن الترمذي، ٣٦٢/٣، (١٩٠٥))

قد يقال: أن بعض الكفار ممن لا يفعلون هذه الأمور ولا يعرفونها أنهم موفّقين في أعمالهم وميسر لهم ما يقومون به فكيف نفهم ذلك؟

الجواب هو: إن الذي يعمل وفق الأسباب الصحيحة ولو كان بعيدًا عن دينه ومعتقداته فهو محل الإنجاز والنجاح، فالإنتاج والإبداع ليس مقصورا على المؤمنين فقط وهذا نراه جليًّا بقول الله تعالى:

﴿كُلّٗا نُّمِدُّ هَٰٓؤُلَآءِ وَهَٰٓؤُلَآءِ مِنۡ عَطَآءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا ٢٠﴾

[سورة الإسراء]

وهذه من السنن الكونية التي وضعها الله تعالى، ولكن هل التوفيق هو هذا النجاح الدنيوي الظاهر فقط؟ بالطبع ليس كذلك! فالتوفيق الحقيقي هو الفوز والسعادة يوم القيامة، فما فائدة أكبر النجاحات في الدنيا إذا كان مصير صاحبها يوم القيامة الخسارة والعذاب، ثم إن هذه الحياة ابتلاء للمؤمن والكافر وقد يكون من أنواع البلاء البسطُ في الرزق والنجاح، فلا يغرنَّكم ناجح في الحياة وليست له علاقة صادقة مع الله فلا تدري خاتمته ومصيره، وكن واثقًا تماما أن الذي يكون مع الله يكون الله معه وأن الله لا يخيب عبدًا اعتمد عليه وعمل بالأسباب، فالله سيكرمه بالتوفيق والنجاح والسعادة في الدارين.

أخيرًا: أخي الطالب المثابر الذي يعمل ويرجو من الله أن يوفقه ويكرمه بما يتمنى...

لا تيأس من حلمك، ولا تقل لن أصل، بل توجه إلى الله بصدق واعمل بإخلاص ولا تستصعب هدفك الممكن أو تقول أن ذلك مستحيل، فكل أحلامك سهلة إذا كنت مع الله، فحافظْ على علاقتك مع الله جل جلاله وليكن لك نصيب من صحبة أهل الله فالخير والفلاح والإبداع واستفدْ من تجاربهم وأفكارهم، واجعل ذلك كله في اتباع منهج على هدًى من الله واتباع نبيه ومصطفاه ﷺ، ولا تغتر بفوز دنيويٍّ مؤقت وابتعد عما يغضب الله واجتنب ما حرمه واعمل بعزيمة وإخلاص وصدق وسترى العجَب العجاب، وفقني الله وإياكم وجعلكم من الفائزين الناجحين في الدارين، آمين والحمد لله رب العالمين.

تعليقات



رمز الحماية